العالم يتغير ، بل يجب أن يتغير ، أمريكا يجب أن تنزل عن عرش قطبيتها
المجتمع المأزوم ، يفرز رئيساً مأزوماً ، يشبه مجتمعه ، وهذا شأن أمريكا
يمكن أن نقرأ صحة هذا الاستنتاج ، في الرؤساء الأوروبيين ـــ الأمريكيين
المحامي محمد محسن
مقال فكري
الواقع الاجتماعي في زمان ومكان ما ، بكل بنيته الاقتصادية ـــ الاجتماعية ـــ الثقافية ، يفرز قيادته التي تشبه الواقع ، وتعبر عنه ، حتى تكاد تكون انعكاساً له .
ولما كانت العولمة الاقتصادية الغربية ، قد شكلت (هيروشيما ) ثقافية دمرت الفكر الانساني ، وحولت العالم إلى مجتمعات استهلاكية ، حيث بات الاقتصاد ـــ الثروة ( الاقتصاد المتوحش ) ، محركاً لكل السياسات العالمية ، ومصدراً لكل القيم المادية البحته ، وغيبت الثقافة ، والأنسنة ، حتى أوصل الغرب العالم إلى مجتمعات الغابة ، القوي يأكل الضعيف .
ويمكن أن نستدل على ذلك التحول المعاكس للمسار الانساني المفترض ، من خلال استثمار الغرب للتقدم العلمي الهائل ، لصناعة أدوات الموت ، والدمار ، بدلاً من صناعة ما يحقق رفاه البشرية ، وانقاذها من أمراضها ، ومن فقرها .
إن أدوات الغرب الفعالة ، وطريقها الوحيد ، لتراكم الثروات هي الحروب ، وقهر الشعوب الفقيرة ، والاستيلاء على مقدراتها المادية ، وطاقاتها البشرية .
كما قال المفكر الغربي (جان جوريس ) :
[ الرأسمالية تحمل في داخلها الحرب كالسحب العاصفة ] ، لذلك باتت الولايات المتحدة ، ومستعمراتها الأوروبيات ، مصدراً لكل الشرور في العالم ، حروب ، وموت ، وتجويع ، وامراض .
ويمكن أن نستدل على تردي الواقع الاجتماعي في الغرب الرأسمالي ، وأزمته ، من خلال حالة الجدب ، وشغور الساحة السياسية ـــ الثقافية ، من مفكرين مبدعين ، كسارتر ، وبرتراند راسل ، وغارودي ، وهربرت ماركوز، وغيرهم كثير ، الذين أفرزهم وجاء بهم واقع اجتماعي حيوي موار ، أليست الساحة الفكرية في الغرب الآن جدباء ، وعاجزة عن تخريج عمالقة من هذا الحجم ؟
أين السياسيين القادة : كديغول ، وتشرشل ، وكندي ، القادة الكبار ، الذين قادوا بلادهم إلى مواقع متقدمة ، وكانوا فاعلين في السياسة الدولية ( بغض النظر عن مواقفهم من قضايانا ) ، ذاك الواقع المتفاعل النشط أفرز أولئك القادة الكبار .
أما الواقع الحالي المأزوم ، فلقد أفرز ترامب ، ومكرون ، وما شابههم في بريطانيا وغيرها ، فلعبوا في العالم كما يلعب تاجر لا سياسي ، مما أفقدهم الرصانة والهيبة ، حتى وصل حال العالم إلى ما هو عليه ، من التفكك ، والصراعات المستمرة .
ان الرأسمالية القاتلة ، التي تنطلق من المركزية الأوروبية ، والشعور بالتفوق الذي وصل حد الشعور بالتعالي العنصري ، والاستخفاف بالشعوب التي استعمروها .
حتى قادهم الشعور بالتفوق ، إلى نكران أي اسهام حضاري لشعوب الشرق :
( كرينان ، الذي قال أن العرب لم يقدموا شيئاً ، وشتراوس أظهر عنصريته ضد العرب ، وهيغل طالب بإلغاء الفلسفة الشرقية )، ونسوا حضارات الشرق العظيم من السومريين ، والكلدان ، والبابليين ، والآشوريين ، والفينيقيين ( الكنعانيين ) ، والفراعنة ، ودور أوغاريت ، وجبيل ، وماري ، وحمورابي وغيرهم كثير .
ولكن جون ديوي ، وبرتراند رسل ، وبرغسون قالوا :
[ قيم الشرق وحدها قادرة على مساعدة الغرب على أزمته السياسية ]
هذا الغرب الذي اغتال الحضارة الانسانية ، وساقها إلى طريق اللاأنسنة ، هو الذي زور تاريخنا ، وسرق حضارتنا ونسبها له ، هذا الاستعمار الوحش ، لم يرحل عن بلداننا ، حتى مزقها ، ووضع الكيان الغاصب في الخاصرة ، وبعد أن استنسخ بدائلاً وعروشاً تابعة له ، لتخدم برامجه ، وترعى مصالحه ، هي والكيان الصهيوني جنباً إلى جنب .
لذلك علينا جميعاً المساهمة كل بقلمه ، على فك الارتباط بالنظام الرأسمالي العالمي ، ونبقي على وعي الناس ، في الاتجاه الصحيح ، المعادي للإمبريالية العالمية ، وللكيان الصهيوني ، لأنهما مع ملحقاتهما ، المسؤولين عن أسباب تخلفنا ، وعدم افساح المجال أمامنا للعب دورنا في حضارة الانسانية .
كما وعلينا احياء الأمل في النفوس ، عند مواطننا ، ومحاربة أي مظهر من مظاهر القنوط ، فلا يجوز أن يكون للقنوط مكان في عقولنا ، ، واحياء تطلعاتنا نحو الحرية ، والمساواة ، والاخاء ، التي تشكل ثالوث الأنسنة