لي اصدقاء من المركز التلفزيوني بحلب (التي انتمي اليها جسدا وعقلا وروحا) والذين شاءت الاقدار ان تجعلهم من النازحين بسبب الاحداث، فانتقلوا من مبنى مجهز لكل اعمالهم الى غرفة واحدة في مبنى محافظة حلب، وعندما اقول غرفة واحدة يجب ان نتخيل المذيع والمصور والمخرج و…… يتواجدون بالتناوب في هذه الغرفة حتى يصح القول عنها انها "مثل الحمام المقطوعة مياهه" ومع ذلك قاموا بعملهم ضمن (الامكانيات المتاحة والذي هو نوع من انواع الشحادة وتحميل المنّية بانه تم منحهم غرفة).
ومع ذلك عملوا، ولم ينس اصحاب المناصب ان يطلبوا الكاميرا لترافقهم وتصور ابتساماتهم المعلبة وكيف يتفقدون النازحين ويقبّلون الاولاد ليظهروا بمظهر العطوفين واللطفاء.
الى يوم تمت تغيّرات في محافظة حلب، وكالعادة، فكل واحد يبحث عن كرسي وطاولة، وجاء الحظ على هؤلاء النازحين لينزحوا من الغرفة الوحيدة الى طاولة صغيرة فقط.
المهم ان يجلس المسؤول على كرسي ذو محور "برّام"، لأن الحرب التي سيقودوها هذا المسؤول من وراء طاولته هي التي ستفتح معبر رفح الحلبي.
حتى في هذا الوقت العصيب، نلهث وراء كرسي وطاولة، واول ما يتم انتخابنا "نلف وندور للبحث عن غرفة" لأننا لا نستيطع ان نخدم الوطن اذا لم يكتمل "البريستيج" من غرفة وبرادي وطاولة وكراسي لاستقبال الضيوف وأهم شيء ان نجلس على كرسي يبرم ويفتل بنا ويميل الى الخلف (لأنه والحق يُقال… لكي نستطيع ان نفكر بخلفية ومن خلال خلفية واضحة)
اعلامنا الحلبي بالكامل على طاولة واحدة، ونحن نركض وراء تفاهات من الحرص على التوقيع باللون الاخضر والزخرفات والحُجّاب وقسائم البنزين، ودهان الغرف وغيره.
اعلامنا الحلبي الذي يجب ان يقول وينقل كل الصور المسيئة لتصحيح الخلل وسد الذرائع، يجلس بكل اجهزته ومذيعيه وتقنييه وفنييه حول طاولة واحدة في جزء من غرفة، لكنهم وعدوه (لهذا الاعلام) بالبحث الحثيث والدؤوب والجدّي عن مكان لهم لكي يصوروا ابتساماتنا واناقاتنا وشعورنا المسبلة ضمن برنامج هزيل مساحة الجدية فيه ضئيلة.
لم يُتح او لم يُراد ان يتاح للاعلام السوري في حلب في وضعه المأساوي هذا ان يتكلم مثلا عن اللقاح ضد شلل الاطفال الذي يرفع المسؤولون الصحيون الآن النداءات والاصوات "والاضوية الحمراء" لكأنهم نسوا انه تم تنبيههم منذ عام وتم التوقيع مع منظمة اليونيسيف حول ذلك ولم ينفذوا (نفس المسؤولين اي شيء رغم توقيع البروتوكول)، فقط نريد له ان يتكلم عن نشاطاتنا الهزيلة والخجولة لتضخيمها.
لا نَعرف او تجاهلنا ان الاعلام هو الطاقة التي تتحرك داخل شرايين كل الاجهزة. وهو السلاح الوحيد المسموح به داخل الحرب الرمزية الاعلامية بامتياز، ومن هنا تكمن خطورته.
تم تناسي او تجاهل الدور المهم للاعلام (الحلبي على الاقل) في الوقوف امام صف الفضائيات التي تنقل ما طاب لها فقط من صور الصراع في سورية من خلال نقل الواقع وفقط الواقع.
لا شك ان ما تمر به سورية عامة وحلب خاصة من احداث وقتل وتدمير يُضاف لها انها حرب اعلامية بامتياز، وعندما اقول حرب اعلامية، ترتسم امام مخيلتي الاقنية التلفزيونية والفضائيات وكل الدعم المادي الذي قد يصل الى حدود الخيال للطاقم العامل والاجهزة والمباني، بينما نحن نركن اعلامنا على طاولة صغيرة في جزء من مدخل غرفة.
كانت نصيحةُ النبي (ص) لأبي ذر الغفاري – وقد جاء طالبًا الولاية ، طامعًا في عطاء النبي (ص) نصيحةُ محب صادق حريص على من يحب ، فقال له : "يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة"
اللهم اشهد اني بلغت