جنان وكيل– نفحات قلم
تدور أحداث الفيلم الأمريكي “Palmer” الصادر في يناير/كانون الثاني 2021، حول نجم سابق في كرة القدم الأمريكية، ومعاناته عقب خروجه من السجن للاندماج مرة أخرى مع المجتمع.
وتبقى آثار 12 عاما من السجن ماثلة في تفاصيل حياة الشاب “بالمر” لتعيقه عن عيش حياة طبيعية، مواجها أحكاما اجتماعية مسبقة ونظرة نمطية مجحفة.
وفي خضم هدفه البسيط، يجد نفسه متورطا في مساعدة طفل يبلغ من العمر 8 أعوام ليتجاوز اضطرابات نفسية مرتبطة بنشأته وغياب والديه.
ويفتتح المخرج العمل بأجواء حماسية وموسيقى حيوية تبث مشاعر الحب والحياة، وكأنه يهيئ المشاهد بالفعل لبداية جديدة.
ويعود بالمر إلى مسقط رأسه في لويزيانا، ليعيش مع جدته فيفيان، ويبدأ حياة نظيفة، فيتفاجأ بوفاة جدته تاركة له مسؤولية رعاية الطفل سام ابن جارتها تشيلي؛ مدمنة المخدرات.
ونلحظ تخبط بالمر وصراعه الداخلي بين خيار تولي أمر الطفل، أو تسليمه لخدمات رعاية الأطفال، لتنشأ لاحقا صداقة جميلة بينهما تكشف جانبا خفيا في شخصيته.
ويعاني بالمر من اغتراب ذاتي واجتماعي، في بلدته وبين مجتمعه، ليصطدم بنظرات إدانة وإيماءات متعالية عندما يتنكر له الجميع، في مجتمع ضاغط لا يرحم ولا يكف عن توجيه أصابع الاتهام دائما، ما يتسبب بإحساس عميق بالغضب والاضطراب.
ويحاول بالمر البحث عن قيمته الذاتية معززا ثقته بنفسه، متحديا محيطه، إلا أن محاولاته تُقابل بالرفض، ويبقى دون وظيفة إلى أن يحصل على فرصة متواضعة كعامل تنظيفات.
ونجح الطفل رايدر ألين في أداء دور سام، مجسدا شخصية معقدة بعفوية لافتة مع شغف بالحياة، على الرغم من إدمان والدته وغيابها الدائم.
ويتسبب وضع سام الأسري بجملة من الاضطرابات النفسية، ليعاني فراغا عاطفيا، يحاول تعويضه بخصوصية شخصيته والامتناع عن مجاراة أقرانه واللعب بدمى الفتيات، ليجد ضالته في بالمر العطوف الذي يعوضه عن غياب والديه.
وامتازت شخصية بالمر المثقلة بتجارب مريرة في السجن، بالهدوء والصمت والانضباط، فيظهر كاتما لغيظه في معظم المَشاهد، إلا أننا نلحظ فوضى عارمة من المشاعر تكمن وراء ملامحه الجاهدة محاولا إيصال صورة معاكسة لحقيقته.
ووفقا لشريحة واسعة من الجمهور، فضلا عن آراء النقاد، فإن أحد أكثر المشاهد تأثيرا تجسد في مواجهة بالمر للصعوبات القانونية ومحاولاته الفوز بوصاية سام، إذ ظهر وكأنه مستعد للتضحية بكل ما يملك للوصول إلى هدفه، مكتسبا بذلك تعاطف المُشاهد.
ويشار إلى أن لقاء بالمر مع الطفل سام لم يكن مصادفة عبثية، ليتبين لاحقا أن كلاهما انعكاس للآخر، فنلمس التشابه كونهما منبوذان اجتماعيا، فيصبح بالمر بمثابة أب روحي للطفل. وهنا يحاول المخرج تعزيز فكرة الحب اللامشروط وقبول الآخر باختلافه دون محاولة تغييره.
وعلى الرغم من أن فكرة معاناة سجين سابق للانخراط في المجتمع تناولتها أفلام سينمائية كثيرة، إلا أن تفاصيل الحكاية أعطت للعمل خصوصية أضافت عنصرا جوهريا مؤثرا، فليس سهلا على مجرم مدان أن يصنع خيرا عظيما ليقلب حياة طفل ويتحول إلى قدوته وبطله الأول.
وفاجأ البطل كثيرا من النقاد بأدائه دورا عاطفيا عميقا فاق توقعات الجمهور، ليبث رسالة عنوانها التسامح وقبول الآخر.
العمل من إخراج فيشر ستيفنز، وسيناريو شيريل جويريرو، وبطولة جاستن تيمبرليك، وسيدني كيميل، وتصوير توبياس شليسر، وموسيقى تمار كاليدد.