بقلم
Neama Al Ebadi
(كتب احد الاصدقاء) منشوراً عن وفاة الفنان الكوميدي السنفور.. وكتبت تعليقا عليه.. وجدت من المفيد نشره مستقلاً)..
التعليق:
قديما قيل: تعددت الاسباب والموت واحد، والحقيقة ان الموت ليس واحداً.. القضية اكبر من شخص، واعقد من حادث، فالمسألة في الثقافة التي تفسر وتقيم معنى ازهاق الروح، ومنعها حق الحياة.
بحسب بحثي وتتبعي، لم اجد تعبيراً، يقدم ثقافة لا تسمح لاي درجة من درجات التأويل، وترفع قضية ازهاق الروح الى مقامها الذي تستحق ادق من التعبير القرآني (كأنما قتل الناس جميعاً)، والتعبير يقرر بوضوح ان الاعتداء غير المبرر، والذي تزهق به روح، هو في حقيقته استعداد مبطن لازهاق ارواح كل الانسانية، لانه لا موضوع موجب لازهاق تلك الروح تحديدا، فالنتيجة ان هذا القاتل يمكن ان يقتل اي احد، بل جميع الانسانية.
مع توسع رقعة الحروب، وتيبس المشاعر الانسانية، وجفاف الحب، وتغول المصالح، وتراجع الاخلاق، وشيوع ثقافة الاكشن اصبح الموت امرا هينا، بل لا يأخذ مقامه من الرهبة والهيبة والحزن كما كان الموت في ازمنة سابقة، وهكذا تناقصت القيمة الجسدية فضلا عن القيمة الروحية للانسان، لصالح نزوات ورغبات جامحة، وتجارات منهومة.
الجميع منخرط في توهين مكانة الموت في حياة الانسانية، وهذا التوهين لم يكن ناشئ من نضوج ايمان ووعي للاقدار وصبر على البلاء، لان هذا يوازيه شعور عميق بالحزن العاطفي وليس نحو من الاعتراض واظهار الجزع..
فرق بين ثقافة الجزع والفوبيا والقلق المفرط وبين الاحساس بهيبة الموت بوصفه الحقيقة الاعظم والاشد والاقسى والاكبر اثرا، فالموت هذا النازل الذي يصفه الامام علي عليه السلام، بتسلسل يثير الشفقة على حالنا نحن البشر: (وبالقضية التي حكمتها، وحتمتها، وغلبت من عليه أجريتها)، فمع هذه الحتمية القاهرة، لا جدل في الحرمة العظيمة التي يتضمنها ازهاق روح بدون اي داع موجب، وبممارسة خالية من الرحمة والاخلاق.
احتل الموت مساحة واسعة في الثقافة والادب والشعر والعقائد والفلسفة والمعرفة، ومع ذلك كله لا يزال يطرح اسئلة مفتوحة وعميقة تحتاج الى جهود معرفية كبيرة لإنجازها، ولعل الاثارة التي طرحها سرماغو في روايته انقطاع الموت ليست الاكبر دهشة والاعقد واقعا، بل ان هناك عشرات الصور التي يمكن ان تفتح مئات التحديات المعرفية التي تتطلب اجوبة اصيلة او مستجدة بحسب كل مقاربة.
موت السنفور بوصفه (منطقة رخوة جسدياً) لجهة صغر حجمه وضعف قواه، يجدد بقوة مسؤولية (الاجساد المكتملة) تجاه الاجساد التي تعاني من علل ونواقص خلقية، وهي قضية اكبر مما يطرح في ادبيات اعانة المعاقين وذوي الاحتياجات الخاصة، والتي يساوي وجهها الآخر شرعنة ثقافة (القوة تساوي الشرعية) التي تغولت بها كيانات ابتلعت دول، حيث يمارسها الافراد تنمرهم واستهتارهم، منطلقين من لذة نشوة الفارق الجسدي دون انتباه للعواقب، فكل اقتدار جسدي يفوقه اقتدار آخر اكبر منه، واذا سوغ هذا الفارق الاعتداء على الاضعف فإن هذه السنة ستطال المعتدي في الكرة القادمة، والتي تعني بعبارة واضحة شريعة اقبح وابشع من شريعة الغابة.