قلنا ونكرر أن الحروب الكبيرة ، بين الدول الكبيرة ، باتــــــــت من المـــــ،ــاضي ، وسيبقى التهديد
الحشود الروسية على الحدود الأوكرانية ، والتهديدات الأمريكية (النــــاتوية) ، لهما هدفان :
روسيا لتمنع أوكرانيا من الدخول في الحلف , وأمريكا تريد حصار روسيا في محيطها الإقليمي
المحامي محمد محسن
كل من يعتقد أن أمريكا تتعامل مع الصراعات العالمية ، التي تفجرها ، بعقلانية يسندها المنطق ، هو واهم ، فأمريكا الدولة العملاقة ، لايزال يحركها الاحساس بالفرادة ، وأنها لاتزال تقود القطب العالمي الأوحد ، بالرغم من كل الخسارات التي منيت بها ، والتي كشفت الغطاء عن سياساتها المرتجلة ، التي تؤكد أنها لا تريد أن تعترف بالمتغيرات الدولية .
حتى أن حلفها مع أوروبا ( الناتو ) ، بالرغم من استنفارها له الآن ، من أجل أوكرانيا ، والذي وصفه ( ماكرون ) رئيس الجمهورية الفرنسية بأنه في حالة ( غيبوبة ) ، كل المؤشرات تدل على أن أوروبا ذاتها ، بدأت تتململ داخل هذا الحلف ، وهي تبحث الآن عن هوية مستقلة ، لأن مصلحتها تقتضي ذلك لأسباب عدة منها :
ـــ أن أمريكا هي التي حولت أوربا الى قارة عجوز ، فهي التي احتلت غالبية أسواقها في جميع القارات ،وليست روسيا ، وعلينا أن نقرأ زيارات الرؤساء الأوروبيين لروسيا ، من هذا الأفق ، من مواقع حرصهم على إبقاء العلاقات الطيبة بين أوروبا وبين روسيا ، وبخاصة فرنسا ، وألمانيا .
ـــ وأن مصلحة أوروبا السياسية والاقتصادية ، مع أسواق الشرق الواعدة ، ومع روسيا على وجه الخصوص ، التي تمدها بما يزيد على 43% من حاجتها للغاز ، وبخاصة بعد تفكك الاتحاد السوفييتي ، البعبع الذي كانت تستخدمه أمريكا لإرعاب أوروبا .
إذاً علينا أن نقرأ ما يحدث على الحدود الأوكرانية ، والذي سبقه نشر أمريكا لبعض الأسلحة المتطورة في دول أوروبا الشرقية ، والسعي لإدخال أوكرانيا في حلف ( الناتو ) ، ما هو الا محاولة للتضييق على روسيا ، في محيطها الإقليمي ، واغتيال حلمها في إعادة قطبيتها ، من جهة .
والرد على تدخل روسيا في سورية ، ومحاولة تمددها في شرق البحر الأبيض المتوسط ، الذي كانت تعتبره أمريكا ملك خالص لها ، في ذات الوقت الذي تعتبره روسيا مجالها الحيوي المهم ، والذي لابد منه ، وبخاصة سورية لأنها الطريق الوحيد لخروجها الى العالمية .
بهذا نكون قد حددنا اطار الصورة ، وأسباب ، ودوافع ، الصراعات الدائرة بين أمريكا وحلفها ، وروسيا بصفتها القطب الصاعد مع شريكتها الصين .
ما دمنا قد جزمنا أن لا حروباً كبيرةً بين الأقطاب ، لذلك تكون هذه التصريحات وتلك التحركات ، ما هي الا أسلحة مسروقة من الحرب الباردة ، سينتج عنها ، تراجع أمريكي عن ادخال أوكرانيا في الحلف ، وسحب روسيا لقواتها ، والدخول في مباحثات في جميع القضايا الاستراتيجية ، وهذا سينسحب على قضية الاشتباك الأهم في سورية ، هذه المباحثات المؤكدة لن تكون الصين ببعيدة عنها .
هذه المباحثات المنتظرة ، هي الطريق الوحيد ، ما دام طريق الحروب مغلقاً ، ولكن وبالرغم من أن تلك المباحثات لن تصل الى حلول نهائية ، على جميع القضايا ، ولكن سيشتم منها اعتراف أمريكي ــ أوروبي ، ضمني بأن القطب المشرقي المنافس ، بات حقيقة واقعه ، وعلى أمريكا وأوروبا ، التعامل مع هذا الواقع الجديد .
هذا الاعتراف سينتج عنه بالضرورة تنازل القطب الأمريكي ــ الأوروبي عن بعض مواقعه لصالح القطب الصاعد ، وعلى رأسها القضية السورية ، لأن أمريكا تدرك بأن روسيا ، لن تتخلى عن المكاسب التي حققتها في سورية ، ولأن موقع سورية الجغرافي كما قلنا ، بات ضرورة استراتيجية للقطب المشرقي الصيني ــ الروسي ، لأنه سيشكل بوابته الأهم على البحر الأبيض المتوسط .