على الرغم من تناوب أجواء التفاؤل والتشاؤم , حول اقتراب التوصل إلى توقيع الإتفاق وعودة خطة العمل الشاملة المشتركة الجديدة إلى حيز التنفيذ , لا يزال الطرفان الأمريكي والإيراني يعتقدان بإمكانية التوقيع , في حال تم تجاوز تفاصيل العثرات الأخيرة , وبوضع نقطة النهاية “للعبة” شد الحبال , والإنتقال من مرحلة التشكيك إلى الوضوح واليقين والثقة , بالتوازي مع حاجة ومصالح جميع الأطراف لتوقيع الإتفاق , والإبتعاد عن التفكير والتهديد باللجوء إلى الخيارات العسكرية , واستحضار اسطوانة “اقتراب إيران من إنتاج الأسلحة النووية” , كلما أراد الرئيس بايدن استعراض عضلاته وتأكيده “منع إيران من إمتلاك السلاح النووي” , بهدف احتواء الضغوط والمواقف الإسرائيلية الرافضة للإتفاق الإيراني – الدولي , وكل ما تقوم به حكومة “المهرج” لابيد , وجعجعة غرفة العمليات الإسرائيلية في واشنطن , والزيارات إلى ألمانيا , التي تشكل في حقيقتها تحركات ومواقف تبحث عن صداها في الداخل الإسرائيلي والإنتخابات القادمة , ولا تجد لها صدى وتأثير كبير على الإتفاق , فمصالح جميع الأطراف كبيرة وتتخطى المصلحة الإسرائيلية.
من المهم التركيز على مشروعية المطالب الإيرانية , حول ضرورة توقف الوكالة الدولية للطاقة الذرية ذرائعها وتحقيقاتها بشأن ما تسمى “النشاطات السرية الإيرانية في ثلاث مواقع غير معلنة” , في الوقت الذي تتصيد وتتوقع فيه واشنطن حصولها على نتائج التحقيقات بالكيفية التي تدعم مواقفها وخبثها , كنتيجة مباشرة لإستمرار تسييس اّلية عمل الوكالة , وانحيازها نحو المصالح الأمريكية.
وفي الوقت الذي تطالب فيه إيران وبإصرار للحصول على الضمانات السياسية والإقتصادية والقانونية الموثوقة من الطرف الأمريكي , لعدم تكرار ما حدث مع مجيئ ترامب وحكومته ثانيةً , يتجه الأمريكيون نحو التشكيك بنية إيران للعودة إلى الإتفاق , على الرغم من حاجة الديمقراطيين للإتفاق لتحسين صورتهم في الداخل الأمريكي , ولتسجيل إنجازٍ تحت قيادة الرئيس بايدن , كما يلقي الوزير أنتوني بلينكن اللوم وإضاعة الوقت على الجانب الإيراني , ويعتبر أن رد إيران على مقترحات الإتحاد الأوروبي “يعد خطوة إلى الوراء ما يجعل من غير المرجح الوصل إلى إتفاق على المدى القريب” , فيما يتجه الأوروبيون نحو الضغط على إيران حيال مطالبها بوقف تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة الذرية , ويرفضون تمسك إيران بهذا المطلب , ويبحثون عن حلٍ وسطي , وسط “توقعات” جوزيب بوريل “بعدم حصول اختراق حالي” للعقبات والعثرات الحالية , ويطرح السؤال نفسه هل يبحث الأمريكيون والأوروبيون عن تأجيل التوقيع , تحت ذريعة تحضير الرد الإيراني على أسئلة وكالة الطاقة الذرية , وخروج واشنطن من انتخاباتها , وعدم إقحام الإتفاق النووي في السجال الإنتخابي ؟
بات من الواضح تمسك إيران والولايات المتحدة والدول الأوروبية بالإتفاق , وبدعمٍ روسي وصيني , وبعدم وجود مصلحة لأي طرف من الأطراف بالتخلي عنه , وسط والإجماع الضمني على رفض الخيارات العسكرية , وحاجة الأوروبيين للغاز الإيراني , وحاجة إيران لرفع العقوبات وتحرير أموالها المجمدة وتجارتها.
ومع طول ذراع الهيمنة الأمريكية وامتدادها نحو عمق مركز صنع القرار في الوكالة الدولية للطاقة الذرية , تحاول هذه الأخيرة عبر تحقيقاتها المزعومة تعبيد طريق المصالح الأمريكية على حساب المصالح الإيرانية , بالتواطئ مع الأوروبيين والإسرائيليين , واتجاه الوكالة نحو لعب دورٍ سياسي أكثر منه فني ومهني , بهدف تحويل العقوبات على إيران من أمريكية إلى أممية ممهورة بخاتم مجلس الأمن الدولي.
وبالرغم من ذلك , أبدت جمهورية إيران الإسلامية المرونة الكافية , وتخلت عن مطالبها بشطب الحرس الثوري عن لائحة الإرهاب الأمريكية والخاضعة لعقوباتها , على الرغم من الدور الإقتصادي والعلمي والإجتماعي الذي يقوم به في إيران , ولا تزال إيران تؤكد “إلتزامها بالتوصل إلى الإتفاق , وبإمكانية تحقيقه فيما لو تحلى الأمريكيون بالواقعية” – بحسب وزير خارجيتها أمير عبد اللهيان – , وأعادوا التفكير في طرح ملف تحقيقات الوكالة الذي تم إغلاقه منذ العام 2015 , وفصل تدخلهم في الإنتخابات الإسرائيلية لصالح نتنياهو أو لابيد , عن طريق الإتفاق النووي , ومسرحية تأثرهم وخضوعهم للضغوط الإسرائيلية , في وقتٍ قدمت فيه سلطات الكيان الإسرائيلي المتعاقبة نفسها على أنها “دولة” مارقة , ليس فقط لقفزها وتخطيها القوانين الدولية , بل لرفضها في هذا السياق تحديداً , التوقيع على إتفاقية منع انتشار الاسلحة النووية.
بات من الضروري دعم النظام العالمي الجديد , بما يضمن لجم الهيمنة الأمريكية والعربدة الإسرائيلية , اللذان يقفا حائلاً أمام مصالح وطموحات الدول والشعوب في الحصول الطاقة النووية السلمية.