د.نعمه العبادي- العراق
نشر احد اصدقاء الفيس بوك، وهو عراقي يعيش في استراليا.. منشورا مضمونه، انه رغب ان ينتمي إلى احد المحافل الماسونية، والتي وصفها بأنها منتشرة في استراليا، وبحسبه، انه اتصل بهم وعرض رغبته بالانتماء.. وبعد ذلك طلبوا منه املاء استمارات تضمنت اسئلة دقيقة، وبعد ايام رجع له الرد عبر الايميل بالاعتذار.. وقد حظي المنشور بتعليقات مختلفة.. ولاهمية الموضوع علقت عليه بالاتي:
عزيزي المحترم تحية طيبة
– بحسب متابعتي البحثية ورصدي المتواضع لحركة الصراع في العالم، فإن ما سمي بالماسونية هو احد اشكال وتجليات توجه عام قديم ازلي، له اهدافه وغاياته، ومرجعياته الفكرية، ولا تعود مرجعيته لشخص محدد او لمركز محدد، لكنه تارة ينعكس في توجهات عامة واخرى في شكل منظم، وبالعادة ان اشكاله المنظمة تتمثل في طرح اشكال آيدلوجية لها مسوغاتها المقبولة نسبيا في انظار العامة وتتناسب مع مرحلتها، وفكرة المحافل والاستقطاب وطقوسها مثلت مرحلة من التاريخ لها خصوصيتها التي كانت تتلائم مع الرغبة المحمومة للاقبال على الايدلوجيات، كما، ان مرحلة التصرف بالعالم في ذاك الزمان، كانت عبر ايجاد الاتباع من الاشخاص، حيث صنعت مماليك وسلطنات ومرجعيات وامارات ورئاسات عشائرية، بل مذاهب فلسفية وفكرية من خلال فكرة استقطاب الشخص، وهي المرحلة التي كان فيها الانتماء هو المدخل لهذا العمل.
– بعد ان تغيرت الحياة وانجز ذاك الاتجاه الكثير من اهدافه، اصبح التركيز على اشكال جديدة من الادوات تتمثل في المناهج والصياغات والاطر والمشاريع والتوجهات العامة، وهي اكبر حجما من فكرة الاشخاص واكثر ثباتا واستقرارا، ومدى تأثيرها اوسع، لذا لم يعد التوجه الى الاشخاص هو الاولوية.
– مثلت المرحلة الثالثة وهي نتاج لجهود المرحلتين السابقتين، حيث اصبح العمل على ترسيخ منهج للحياة والعيش والعلاقات يتحرك فيه الناس برغبتهم وارادتهم طواعية، بل يجده الكثير سفها هو الملبي لتطلعاتهم الشخصية في كل مجالات الحياة، ولعل النسخة الاخيرة من النيوليبرالية هي النموذج الاوضح لهذا التجلي، وفي هذه المرحلة اصبحت الادوات اكبر بكثير مما سبق وهي بحجم شبكة النتفلكس وامثالها.
– ما بقي من المحافل هي صورة تذكارية معدة بحرفية عالية ومحكومة بطقوسية غامضة، ومتداخلة بنسيج علاقات عالي الدقة، مطروحة كنحو من الايهام بأن مسار هذا الاتجاه متمثل في هذه المحافل، والحقيقة لا تتعدى كونها محل لتذاكر بعض المغذيات الفكرية، وموضع لممارسات طقوسية يفضلها اعضاء معينين، ولذا فان ما يجري من اثر لهذا الاتجاه هو بفعل ادوات اخرى خارجة تماما عن تلك المحافل، فحتى وان كنت فيهم او تم قبولك فإنك لن تطلع على ما يجري تحت الارض، فهو يدبر ويدار في اماكن اخرى وادوات اخرى.
– ان التطور العملاق لادوات الميديا، وفكرة اشراك الجميع طواعية في الفضاء العام، وعجز الحكومات ومرجعيات الممانعة على خلق بديل موضوعي مناسب، جعلت المعظم ينخرط في عملية تدجين طوعية في الافكار والالفاظ والاطر من حيث لا يحتسب.
ارجو ان تستحق المقاربة من الاخوة الذين تفاعلوا مع هذا المنشور الاهتمام والتفاعل على قدر ما قدمتم من بيان.
خالص الاحترام.