ثورة أون لاين – أنيسة عبود:
في التفاصيل.. كان لنا – رمضانات – غير هذه الرمضانات المليئة بالدم والقتل والفقر.
وكان لنا جيران نتبادل معهم الإفطار والأسحار، فيصير بيننا خبز وملح ومحبة. ويصير للشهر الفضيل ذاكرة وذكريات جميلة. لم يكن للإفطار متعة إن لم نتبارَ بصناعة الحلوى والعصائر والسهر عند الأصدقاء والأقرباء..
لم تكن المدينة تنام.. ولم يكن البحر يرتاح من الصخب الجميل.. لكن في التفاصيل الآن.. نسهر في بيوتنا الحذرة وننظر شذراً إلى شرفات الجيران خائفين من قناص، أو من تكفيري، أو من قذيفة – حرية – تفرّق الشمل وتهتك الصمت وتقطع رأس رمضان.
في التفاصيل… لم يعد لدينا الكثير من التفاصيل الحميمة والجميلة.. صار لدينا تفاصيل القتل والدمار وجهاد النكاح، وتكفير البشر.. هذا ملحد، وهذا كافر، وذاك يدخل الجنة، وآخر هو خليفة المسلمين، بينما إسرائيل تهدم الأقصى وتدمر البيوت العربية المقدسية.. تستبيح الأرض والعرض والخليفة نائم وسائح في بلاد الشام والعراق بحثاً عن كافر يقطع رأسه.
وفي التفاصيل..- كنا خير أمة أخرجت للناس – وليس في التفاصيل.. نحن نأكل الأكباد ونقطع رؤوس العباد.. نساعد (سبحان الله ) في دخول الناس أفواجاً في الهداية، وكأن الله عاجز عن هداية الخلق ألا ( إن الله يهدي من يشاء) فلماذا نعاقب الناس الذين خلقهم الله وهو على كل شيء قدير.
في التفاصيل.. فرقتنا (حرّيتهم) ابتعد الناس عن الناس.. ترمّلت النساء وتيتّم الأطفال.. تهدّمت دور العبادة. ودور العباد.. ساد الفساد، وسادت السرقة والخراب والاغتصاب.. لا شفقة ولا رحمة بالبلد، ولا بخيرات البلد.. فهل نجثو أمام رمضان الذي يقف على أعتابنا ويبكي علينا راجين الغفران أم نطلق عليه قناص الحرية؟!
..غرباء نحن ورمضان، عن رمضان.. غرباء عن قيمه وعاداته.. غرباء عن صلواته وصومه وطقوسه الحبيبة التي نشأنا عليها.. غرباء في ديارنا وبين أهلنا.. كيف نبت زرع الحقد في ربوعنا ولنا رمضان وشعبان.. ولنا الحج والأشهر الحرم؟! كيف ترعرع السيف في نحورنا.. وامتدت السكين إلى عروقنا.. كيف سيسكن رمضان في بيوتنا، والذبح والدمار والهتك يتجول في عقولنا؟!
في التفاصيل امرأة تسقي قبور أبنائها الأربعة.. وأخرى تزرع الريحان على قبر زوجها.. وكثيرات يندبن على بيوتهن وأرزاقهن. وأخريات يقطعن الوريد، ويتدثرن بالتراب بعد الاغتصاب من قبل خليفة أو أمير يجاهد في بلاد الشام بينما القدس تنزف في سجون الصهاينة والأقصى ينادي يا عرباه.. وكنيسة القيامة تصرخ وا ضمير البشر، إن بقي ضمير في الصدور. لكن في التفاصيل.. البشر هم فقط هذا الغرب اللعين، الذي يفتي ويبيع السلاح، مقابل أرواح العربان. البشر هم هذا الأمريكي الذي يتغذى على لحومنا ولحوم أطفالنا ويصدّر سلاحه لحريتنا المزعومة.
وإذ يجيء رمضان هذا العام، يجيء حافياً، عارياً، في يده خبز يابس وفي عينيه بلد متعب وشعب منكوب حزين. متشابهان نحن ورمضان هذا العام.. هو يأتي مشياً على الأقدام، والشهداء يساقون في حافلات أميركية من الموصل وسامراء وحلب والساحل وكل المناطق السورية، ثم يطلق عليهم الرصاص أو يفتى بذبحهم كالنعاج، بعد تكبير وتهليل وانتشاء.. فكيف سننظر في عيني رمضان؟ وكيف سينظر هو في عيني أطفالنا وشيوخنا؟.
في التفاصيل هذه هي الحرية وهذا هو الجهاد.. وفي التفاصيل وحدهم القتلة إلى الجنة؟ ومعهم بعض الملوك وبعض الشيوخ المحشوين بالنفط والعمالة والخيانة.. أما باقي الناس وباقي الصابرون الذين تهجروا من بيوتهم وسكنوا العراء فعليهم التوبة أو حقَّ عليهم القتل.. والقتل أجناس.. والناس أجناس.. ورمضان هذا العام غير رمضان الذي مضى ونحن هذا العام غير الذين كنا. لقد تكسرت الجهات، وانقطعت حبال السماء عن الأرض.. معلّقون نحن العرب بين الكفر والإيمان.. أما ما تدمَّر ومن قُتِل وما أُحرق فهذا كله في سبيل الله!!
وفي التفاصيل أيضاً تعبنا ونسينا أحلامنا.. كما نسينا رمضان في زحمة العتمة والغلاء والغش والخيبة من شعوب تدمِّر نفسها وأوطانها وتاريخها وترتهن لبني صهيون.. ( فبأي آلاء ربك ) يحدثون ويتحدثون ويزورون؟