بقلم المهندس سائر مقصود
تقف منتظرا والسماء تؤكد نعمتها بكل هذا المطر النافذ عنوة بين ثيابك ….
أذنيك قد ثبت البرد مصدر أصواتها ، وتقرر لتكن "التاكسي" إذا ،لتكن..
ترفع يدك على حياء وأنت تتمتم إيحاءا لإبهام لا ترتجي أن يفهمه أحد :"الاغتراب خصوصية وفي الغربة عموم "
تندس مكرها في سيارة الأجرة التي توقفت ، تلقي التحية كما لديه إحساس مسبق بالذنب ، وتنتظر الجواب ليس على سلامك فقط ، وإنما وأيضا لتبرئتك من ذنبك…
وتنصت
سائق التاكسي الذي أطفئ العداد ، يتحدث في الأخلاق والدين والسياسة والثقافة والفن والرياضة والصحة والجمال ..
يفرض تحليله النفسي والسياسي والاقتصادي بعبوس حينا وبقهقهة حينا …
وأنت بين الصمت وصوت يخرج متحشرجا : "أي، صح ، معقول ، ….)
يشتم ، يهدد ، يشعل سيجارة ، ينفث عفن أسنانه عليك وبكل سوقية الصوت الخشن يتهم الجميع بكل شيء ….
شيء واحد فقط لا يهتم لأمره ، كيف يخرج من هذا الزحام الفاسد؟!
ترى نفسك أمامه متقمصا دور المؤامرة على أعداد من المفكرين والمتأنقين والهبابير (ج. هبور) .
وفي الصورة : يشكل المتأنقون والهبابير فيما بينهم توليفة تعزف النشاز على إدراك وتدّعي أنه الصح ، وقد دعمت "تعزيقها" و "زعيقها" بنتاج المفكرين الموضوعين على مقاس عربة يجرها حصان ثلاثي الأرجل….
حينها تدرك أن ستدفع فاتورة كل شيء
أجرة التاكسي وتكاليف إصلاحها
نصيبك من الغرامات التي تطال شحنة الوقود التي تأخرت
ثمن الويسكي الذي دفعه أحد ما لأحد ما لينظم دور الواقفين في الطابور
التبغ وما جناه عليه التبغ
العزف وما جناه علينا العزف
مصروف نكاحه وما جناه علينا نكاحه
حتى أدوية التهاب القولون غير المستخدمة ، وفرشاة الأسنان غير المشتراة
تنزع من كبدك ما بقي في الجيب من مال ، وأنت محتار فيما لو اضطررت للنزاع الشفهي ما هي نتيجتك في الصراع الكتابيّ ، وأنت بلا حبر ، بلا قلم….
تتحضر لمواربة ومراوغة في النقاش كما تفعل حين تمطر صفحتك بالسطور الظاهرة والسطور المتخفية
يتراءى أمام ناظريك كل ضجر الطفولة وتململ النساء و "فصحنة" المارقين على عجل في دفتر الزمان
تدفع الفاتورة كلها وترسل عينيك إلى عبوس وجهه :
"والله مو أنا ، هاد رفيقي سحب ورقتي غصب عني وكتب الأجوبة ونقّلها لأصحابه" .
تقول هذا وأنت تدرك أن الأستاذ يدرك ، ولكن ولأن عليه تطبيق القانون والضمير والمصلحة كحزمة واحدة ، يحسم لك ثلاث درجات من عشرة ويثني على طريقتك المبتكرة في حل مسألة الروضة المستطيلة الشكل التي قسمت إلى مربعات…
تخرج من المدرسة مبتهجا رغم الدرجات الثلاث التي دفعتها لابتكارك ، فقد أثنى الأستاذ عليك في شعبة البنات
تستفيق من غفوتك ، وأنت تهبط من التاكسي ، تضرب يديك في جيبك …
تغمز زوجتك وأطفالك تحسبا لفزع أو هلع .
وبكل لطف ، تعوي لفرط عجزك، بينما "التاكسي" ولفرط جمادها تسير
شرح المقاصد:
*الهبابير: جمع هبور أي الشرشوح ، الذي يقتات من استخدام سيده له في بهدلة من يكره
*تعزيقها : اصتكاك خردوات الحديد على سير معدني ناقل مثبت على حامله بشكل سيء
*زعيقها: صوت يشبه صوت مبهم لمجموعة من النساء لا تفهم إن كان على فرح أو على حزن ، أهو شجار أم حوار
*فصحنة: تصويب وتقييم جاهل غير متابع لحدث علمي أو تقني