_الديار
حين تكون مرجعياتنا في الاعلام العربي حاخامات الديبلوماسية الاميركية. من كوندوليزا رايس الى دنيس روس وآرون ميللر. ونطرب حين يحثّون الرئيس باراك اوباما، أو ما تبقى من الرجل، بأن يضرب الجيش السوري لان هذا يستتبع، تلقائيا، سقوط النظام…
سقوط النظام السوري الذي لا يعنينا، كنظام، أم سقوط الدولة السورية التي يعني زوالها أو تفككها زوال وتفكك لبنان والعراق. حتما لعبة الدومينو حين تمضي في ذلك الايقاع المجنون لن تتوقف لا عند الاسوار ولا عند الاسلاك الشائكة ولا عند التعاويذ (أو الاساطيل) التي تحيط بالقصور المقدسة…
ليس غريبا أن يقف الاعلام العربي الى جانب تنظيم "الدولة الاسلامية" ضد جيش الدولة السورية، فيما تدبج المقالات، والنظريات، والاطروحات حول كيفية مواجهة التنظيم، لتعلو الصيحات كلما أغار الطيران السوري، أو الروسي، على أي من مواقعه. لاحظوا أن الاعلام العربي (الجليل بطبيعة الحال) لا يذكر سوى عدد القتلى من المدنيين. نادرا جدا، ولعلها زلة لسان أو زلة قلم، وربما زلة ضمير، حين يشير الى مصرع عناصر من "داعش" او من "جبهة النصرة".
الاعلام العربي تجاوب، اوتوماتيكيا، مع أبو محمد الجولاني، وبات اسم "جبهة النصرة" "جبهة فتح الشام"، وبات دعاة الافغنة في سورية هم أهل الاعتدال والانفتاح، بل أهل الاسلام الذين يحملون الدين الحنيف على ظهورهم ليقيموا في سورية دولة تورا بورا.
لا تهزنا المناظر اليومية للخراب الذي هو خرابنا نحن، ومصيبتنا نحن، ومسؤوليتنا نحن، فلا النظام سيحقق النصر ولا المعارضة المبعثرة بين العباءات والارصفة، ستدخل على صهوة الخيول الى دمشق وحلب وحمص واللاذقية…
إحدى الشاشات رددت على مدار الساعة ما كتبه دنيس روس الذي كان يضع على مكتبه في وزارة الخارجية، ودون أي حرج، نجمة داود، ليعيّن مبعوثا لاوباما الى أزمة الشرق الاوسط. نصيحته الينا أن نتخلى عن شعاراتنا الرثة، عن طقوسنا (السياسية) الرثة، ونتبع نجمة داود. هل يقبل بنا أصحاب الجلالة ملوك التوراة؟
أجل يقبلون بنا عراة، عراة من هيكلنا العظمي، ومن ضميرنا الذي لم يقل يوما إن ما يحدث في سورية وفي العراق وفي اليمن هو اغتيال لكل ما هو عربي فينا، ودون أن تحتسب واشنطن، ودون أن تحتسب طهران، ودون أن تحتسب موسكو، ودون أن تحتسب أنقرة، عدد قتلانا. بالنسبة اليهم، كلنا قتلى، وكلنا قبور بشرية جاهزة للانتقال، في الشاحنات المبردة، الى العالم الآخر…
كل الشاشات، كل الصحف، كل الاذاعات، تحث على الدخول الاحتفالي في ما كان فرانز كافكا، بسوداويته الهائلة، يصفها بـ"ليلة العدم". قال الليلة الجميلة، ليلة الزفاف مع… العدم!
حتى الان لم ندرك أن الذين يمسكون بالخيوط تعاملوا، بالأصابع المخملية، مع جحافل الخليفة التي كانت تقطع مئات الكيلو مترات في العراء دون أن تلقي عليها القاذفات حتى الحجارة. خلافا لذلك، يحكى عن هدايا من نوع آخر كانت تلقى عليهم، وإلا من أين كل تلك الدبابات، والآليات، والصواريخ، والمدافع، والراجمات، والقنابل والبنادق؟
من أين؟ إن لم يكن الكثير منها قد وصل من اسرائيل، فإن معظمها أتى به تجار أسلحة اسرائيليون معروفة أسماؤهم بالكامل، وكانوا جنرالات أو كولونيلات في الجيش الاسرائيلي وعلى علاقة تاريخية مع الاستخبارات التركية…
باراك اوباما قال إن تحرير الموصل والرقة يقتضي وقتا طويلا. يا رجل، سلفك جورج دبليو بوش احتل بغداد خلال أيام، كما احتل كابول خلال ساعات، فهل جيش الخليفة أقوى من جيش صدام حسين؟ وهل جيش الخليفة أقوى من جحافل طالبان التي لو بقيت لوصلت الى كراتشي واسلام آباد؟
نحن الاعلاميين العرب متواطئون ضد كل بيت، ضد كل جدول ماء، ضد كل حديقة، ضد كل مصنع، وضد كل جامعة، وضد كل كائن بشري في سورية وفي العراق واليمن. اذا كانت الدول الثلاث ذاهبة الى "ليلة العدم"، الليلة الجميلة، من سيبقى في ذلك الشرق الاوسط الذي إذ حولناه الى مستودع للغيب، حولناه أيضا الى مستودع للغياب؟