من أين ولماذا –ما الهدف ما الغاية واسئلة أخرى يطرحها ويجيب عنها الاستاذ محمد محسن في مقالته لهذا اليوم والتي حملت عنوان
……..مــــــــن أيـــــــــــــــن ولــــــــــــد الإرهـــــــــــــــــاب ؟
…………..هل شكـل الفقـه الوهـابي والاخـواني أرضـيته الفـــكرية ؟
…………..لمـاذا ولـــد الارهــــاب وما هي مهمــاته الموكـــولة لـه ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لما كان الفكر الديني هو أحد مكونات الوعي العام في الشرق والغرب ، وكان المتدينون يشكلون أكثرية ساحقة في مجتمعاتنا الشرقية ، وبخاصة في المجتمعات الأكثر تخلفاً ، التي يشكل الفكر الديني جانباً مهماً وأساسياً من بنائها الروحي ، وكلما كان المجتمع مغلقاً ومتخلفاً يكون فهمه للفكر الديني مغلقاً ومتخلفاً وهو ما يحدث لنا الآن ، عندها يصبح الواقع مثالياً لنشر الخرافات والشعوذات ، وملعباً صالحاً ومرتعاً خصباً لرجال الدين الأغبياء ، الذين يسيطرون على عقول البسطاء من الناس ، إلى الدرجة التي يشكل فيها كل شيخ طريقته الذي يتحصن فيها خلف فهم حرفي ومسطح للنصوص والمتون ، ويحولها إلى خنادق للدفاع عن وجهة نظره ، ولكل شيخ أو طريقة أتباعاً ، وقد يصل الأمر إلى أن ينتحل الشيخ لنفسه مذهباً خاصاً به ، وبسبب المنافسة على المكاسب المادية أو المعنوية بين رجال الدين قد تقودهم البغضاء إلى الاقتتال بين مجموعاتهم ، حتى يتمكن كل منهم من السيطرة على مجموعته ويسخرها ويستغلها كما يريد ، هذه الأجواء تُحولُ الواقع الاجتماعي إلى حالة أشبه بالمستنقع ، وبيئة صالحة لانتشار كل الأوبئة والأمراض الاجتماعية ، فيستوطن التطرف ، وضيق الأفق ، والجهل ، والتعصب ، والتمذهب ، والفهم الديني المتخلف ، والمختلف والمعادي للمذاهب والآراء الأخرى ، والذي يعتقد أن الجنة حكر على مذهبه بما فيها من حور وولدان ، وجميع المذاهب الأخرى في النار ، كل ذلك يكون غالباً محمولاً على ظهر الجهل والفقر والعوز . وهذه الظروف كلها تشكل مرتعاً وملعباً للإرهاب وبيئة صالحة للتوحش .
.
هذا ما فعلته ولا تزال وما تنشره ولا تزال أنظمة محميات الخليج "الفائضة عن الكون " ، وتثربه إلى جميع الدول والمجموعات الاسلامية في كل أرجاء الأرض ، وذلك لزرع الفرقة بين جميع المذاهب حتى يصل الأمر إلى تكفير الكل للكل ، هذه المحميات يحكمها ويتشبث بعقول أبنائها ، فقه قادم من خارج التاريخ ، وأنظمة جاهلة وسفيهة لم يعد لها مثيل في مشارق الأرض ومغاربها ، تستمد حياتها من المال الأسود المتدفق عليها أنهاراً من النفط الأسود ، يعيش ملوكها وأمراؤها كما كان يعيش سلاطين بني عثمان قبل أربعمائة عام ، همهم لهوهم وسفههم وارواء غرائزهم الجنسية ، لذلك تجدهم يتنقلون من حانة إلى ماخور ، يبذرون المال وينثرونه على الغواني وصالات القمار ، بلا حساب حتى باتوا مجرد أضحوكة بين الشعوب الأوروبية وغيرها ، إلى أن وصل الأمر ــ ومع بالغ الأسف ــ إلى أن يعمم الأوروبيون صورة نمطية عن الانسان العربي ، على مقاس وهيئة السعودي الماجن ، حيث باتوا يعتبرون أن العربي هو من يلبس " كلابية وعباءة " ويتنقل من ماخور إلى آخر .
هذه القبيلة البدوية جيء بها من البادية بمساعدة بريطانيا الدولة المستعمرة آن ذاك ، في الربع الأخير من القرن السابع عشر ، بعد زواج مثلي مع محمد بن عبد الوهاب ، الذي وجدت فيه بريطانيا توفر جميع الشروط الصالحة لحمل راية مذهب تحريفي اسلامي ، الذي سمي باسمه " المذهب الوهابي " وهو مذهب تحريفي همه تشويه الدين الاسلامي وخلق الفرقة بين مذاهبه . سرق عموده الفقري من الديانة اليهودية ألا وهو " شخصنة الله " حيث صور الله كشخص يمشي ويأكل وينزل عن العرش ، والأهم أنه كفر جميع المذاهب الاسلامية ، بما فيها المذاهب الأشعرية الأربعة ( الحنفي ، والحنبلي ، والشافعي ، والمالكي ،) وأغلق المدارس التي تدرس الفقه على المذاهب الأربعة في مكة والمدينة ، وأحل محلها مدارس تدريس الفقه الوهابي ، كما أسندت بريطانيا لهم دوراً تفتيتياً يقوم على زرع الفرقة والاقتتال بين المذاهب الاسلامية ، ونشر الفتاوى التي تحير الألباب والتي لا تمت للعقل بصلة ، وكأنهم في كوكب آخر . وهذا بعض ما أوكل إليهم من دور من قبل بريطانيا المستعمرة ، ولا يزالون ينهضون به بكل نشاط .
.
وبعد استيلائهم على مكة والمدينة بات بيدهم مفتاح التحكم والاشراف على أقدس مقدسات المسلمين من خلال فريضة الحج ، التي يؤم مكة والمدينة الملايين من المسلمين من كل اصقاع الأرض لأداء هذه الفريضة في كل عام ، ومن هذا الموقع الديني الأهم تمكنوا من نشر" الدين الوهابي " التحريفي على حساب جميع المذاهب الأخرى ، الذي اعتبره فقهاء المسلمين المجتمعين في " كروزني الشيشانية ــ صيف عام / 2016/ والذين يمثلون كل المذاهب والدول الاسلامية ، بأن """المذهب الوهابي ليس مذهباً اسلامياً """ ، وكان أول من وقع على هذا الرأي شيخ الأزهر ذاته ، والذي يعتبر المركز الديني الأهم في العالم الاسلامي ، والذي يمثل الثقل الروحي عند جميع المذاهب الاسلامية .
، أما المهمة الثانية التي نهضوا فيها بكل اقتدار ، كانت تدمير جميع الأوابد والآثار حتى والقبور الإسلامية للخلفاء وللتابعين ولتابعي التابعين ، وكادوا أن يهدموا الكعبة لولا أن تراجع البريطانيون عن قرارهم بتنفيذ هذه المهمة في آخر لحظة ، حيث استبدلوها بهدم جميع أضرحة آل البيت في كربلاء والنجف بما فيها ضريح الامام علي وابنه الحسين ، وسرقوا المخطوطات وحرقوها ، وحولوا تلك الأماكن إلى كومة من الدمار والخراب .
هذا النظام وهذا "الدين الوهابي " هما أهم شرين في الشرق الأوسط ــ طبعاً بعد " اسرائيل " ولما كانا قد أسند لهما منذ النشأة تشويه الدين الاسلامي ونخره ، والذي يدين به أكثر من مليار شخص كجرثومة فتاكة تتغذى على الصراعات الاسلامية ، همها امتصاص الرسالة الاسلامية بحمولتها الثقافية الانسانية ، واحلالهم محلها الفرقة والاقتتال ، وكانت هذه العهدة قد تسلمتها أمريكا من بريطانيا بعد أن حلت محلها في الوصاية على المنطقة ، لذلك كان لابد لأمريكا أن تستثمر هذا المرض العضال فكانت منظمة " القاعدة " التي مولت مادياً من السعودية ، وفقهياً من الوهابية السعودية ، وها هي الآن وبعد أن فتكت في افغانستان وحولتها إلى دولة فاشلة ، هي الآن تتوالد وتتناسخ عشرات الحركات كخلية سرطانية وتتمدد في المنطقة . مزقت العراق وها هي تمزق سورية ، ومصر ، وليبيا ، واليمن ، وغيرها من القرن الافريقي , هذا الداء لا يمكن للمنطقة أن تبرأ منه بدون اجتثاثه والدولة الراعية والحامية والمؤمنة فيه ألا وهي المملكة السعودية العتيقة الفائضة عن التاريخ ، والتي لن يتعرف عليها المستقبل لأنها بنت الماضي وغير صالحة للتطور ، ومن لا يتطور يتوسف ويسقط وفق سنة التطور الطبيعية .
.
لم تكتفي بريطانيا بهذا الوليد المشوه ، بل أرادت أن تخلق شبيهاً له في مصر الكنانة ، حيث أوجدت " حزب الاخوان المسلمين " وهو حزب يقوم على أسس دينية أيضاً ، ويعتبر نفسه الممثل الوحيد والشرعي للدين الاسلامي ، معتمداً شعار " الحاكمية لله " فمن دخل في الحزب فله الجنة مقيم فيها أبدا وإلى يوم يبعثون ، ومن لم يدخل فهو كافر وفي أحسن الأحوال هو بمنزلة بين منزلتين ، وسيصلى يوم الحساب ناراً ذات سعير ، أي أن المنتمي للحزب يعتبر الآخر غير المنتمي ، ناقص عقل ودين لذلك إن لم يستجب للدعوة يحق قتله شرعاً ، وعلى هذا قامت فلسفة سيد قطب ، وحسن البنا ، وهما أهم منظرين للفكر الرجعي التكفيري المعاصر ، والذين شكلا الكتائب المسلحة لقتال الآخر المختلف معهم في فكرهم الديني ، وما عانته مصر في السابق وما تعانيه الآن من أعمال ارهابية ، ما هو إلا ارهاصات من ذلك الحزب الملعون ، الذي أرادت أمريكا تعويمه من خلال " الربيع العربي " الأسود في كل المنطقة ، و" تأهيله لقيادة " مصر ، وتونس , وليبيا ، وسورية ، واليمن ، لأنه المؤهل دائماً لإشعال فتيل الصراع المذهبي والديني في كل العالم الاسلامي ، كما ويحقق في نفس الوقت السيطرة الأمريكية ووصايتها على المنطقة .
هاتين الآفتين ــ الوهابية ، والاخوانية ــ تحصنتا خلف النصوص والمتون الجامدة ، وأوقفتا الاجتهاد فأسقطتا المنطقة في رهاب عصر الانحطاط ، والجمود الفكري ، وأعادتا بالفكر الاسلامي إلى ما قبل ألف عام ، بدلاً من تأهيله لدخول عصر الحضارة والتقدم والعقلنة ، وهما أس البلاء الذي فجر وباء الارهاب في المنطقة وفي العالم .
.
هذا الوباء لن نبرأ منه بدون اجتثاثه كفكر وكفقه وكدول راعية له ، لأنه كان السلاح الأمضى في يد معسكر العدوان ، والخاسر لابد وأن يتحطم سلاحه ، وهذا ما سيكون من أهم المهمات الجليلة ، التي سينهض بها شعبنا بعد خروجه من أتون الحرب ولملمة جراحه ، وسنخوض بعدها حرباً لا هوادة فيها ضد الفكر الديني بصورتيه الوهابية والاخوانية ، وضد السعودية الدولة الأكثر رجعية في العالم ، عندها فقط نستطيع القيام بحركة تنويرية على جميع الأصعدة الفكرية والاجتماعية ، وعندها فقط نكون قد وصلنا إلى دروب التحرر والتقدم على أسس عقلانية .