عن ارتدادات الحرب كتب الاستاذ محمد محسن يقول :
ارتـدادات الحــــرب علـــــى الـــدول العــــربية
………………..منعكــــساتها الإيجــــــــــــابية والسلـــــــــــــبية
………………..مستقــــبل الكـــــيان الاسرائيـــــلي في المنــــطقة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الغريب أن هذه الحرب جاءت بحسب الزعم الغربي ، بهدف تغيير أو سحق الأنظمة الديكتاتورية ، وتعميم الديموقراطية في الشرق الأوسط وذلك بإحلال الأنظمة الديموقراطية محلها ،" التي تنتخب من الشعب منه وإليه " ، لينعم مواطنو الشرق الأوسط بالحياة الحرة الكريمة والرغيدة ، وذلك برفع ظلم الطغاة عنهم ، هذا القول بصيغته المجردة يعتبر فعلاً ايجابياً يتطابق وشرعة حقوق الانسان بمفهومها العام ، ويتناغم مع التطور الحضاري للبشرية ويدغدغ مشاعر كل العاملين في الحقل السياسي . لكن هذا المنطق يقودنا إلى ان الدول المعنية بتطبيق الديموقراطية ! والتي لها حق المشاركة في هذه الحرب ، في مثل هذه المهمات يجب أن تكون هي بحد ذاتها دول ديموقراطية ! ـــ طبعاً كل هذا وفق منطق القوة الذي تتبناه الدول الغربية والتي تدعي ومن منطق السيطرة أنها معنية بتعميم نموذجها الديموقراطي على المستوى العالمي ، ضاربة ميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط ، والذي يمنع التدخل في شؤون الدول الأخرى !! ـــ
.
وعلى ذات المنهج ووفق ذات المنطق الذي سقناه ، كان من الطبيعي ان تتجه الأساطيل البرية والبحرية إلى الدول الظلامية الأكثر رجعية في العالم والتي لم يعد لها مثيل في التاريخ ، والعصية على التنوير ، ألا وهي السعودية ومن بعدها قطر ، ولابأس بعدها أن يعرجوا بأساطيلهم البحرية وجحافلهم البرية باتجاه الدول العربية الأخرى من المغرب ، فليبيا وبالتتابع وصولاً إلى سورية ، ــ عندها تملك الحرب مشروعيتها وفق المنطق الغربي طبعاً !!،ــ كما ويملك شعار " الربيع العربي " التي جاءت الحرب باسمه وتحت رايته بعض المصداقية ، وعندها يجد المعارضون السوريون ما يبرر موقفهم من النظام في سورية ، ــ طبعاً وفق المفهوم الأمريكي للسيادة الوطنية كما قلنا !!ــ وان لم تتبع الحرب هذا التدرج التسلسلي في العقاب ، تفقد المعارضة أي مبرر للوقوف مع معسكر العدوان لتدمير بلدها أولاً .
.
ولكن هل سارت الأمور وفق هذا المنطق ؟؟!! أم أنها سارت وفق منطق أمريكا اللامنطقي ، !!
هذا المنطق وهذا المسار لم يُتبعا والذي نفذ عكسهما تماماً بمائة وثمانين درجة ، لأن أمريكا كاذبة ومعتدية وشعار الديموقراطية الذي رفعته مضللاً لأنها جاءت بحربها لغايات أخرى ، فالدول التي لم تمر الديموقراطية في جنباتها ، دول المستحاثات التي باد مثيلها قبل ألف عام ونيف ، هذه الأنظمة الرجعية وغير الديموقراطية ــ السعودية وقطر ــ التي لم تسمحا لشعبيها تنسم رائحة الديموقراطية ، ولا تزالا تحكمان شعبيها بمنطق القبيلة المنقرض ، فالملك يملك الأرض والبشر ، وإن أعطى فهي مكرمة ، وان قطع راس المعترض في ساحة المدينة فهو حقه ــــ تخيلوا ـــ هذه المحميات " الديموقراطية جداً " هي من تحملت العبء المالي والتسليحي لجموع القطعان الإرهابية ، لتدمير الدول العربية الأخرى التي تنهج نهجاً أقرب للعقلانية وتملك قدراً متفاوتاً من الديموقراطية ، بزعم أنها تساهم بتحقيق الديموقراطية في تلك الدول !، فحق عليها القول بصيغة سؤال " هل فاقد الشيء يعطيه ؟ " ولما كانت أمريكا قد خبأت دور هذه المحميات " ليوم كريهة وسداد ثغر " فأمرتها فاستجابت وعن طريقها خاضت أمريكا حربها بالوكالة ، على أمل أن تحقق غاياتها عن طريق هذه المحميات ، التي تكفلت بكل مستلزمات الحرب من مال ، وسلاح ، وفقه ، وتحملت أمريكا وزر التخطيط والاشراف وقيادة الحرب فقط . ولكن جاءت المحصلة مخيبة لآمال الطرفين .
هذا يعني أن الحرب لم تكن من أجل نشر الديموقراطية كما زعمت أمريكا وحلفاؤها ، لأنها لم تتوجه لتدمير الدول التي لا تعرف طعم الديموقراطية الأولى بالتدمير ، بل دمرت الدول التي تتبنى قسطاً من العقلانية ، وقسطاً من الديموقراطية ، فما هي حجة المعارضة بعد الذي حدث ؟؟، وبخاصة " المعارضة التي كانت تحفظ مختارات لينن عن ظهر قلب ، هل يسعف موقفهم أي منطق ؟ أن يستنجدوا بالسعودية وقطر لإنقاذهم من الحكم السوري الديكتاتوري !!، أليست فضيحة " بجلاجل " اذن وما داموا قد فقدوا حتى ورقة التوت ، فلقد حق لنا تجريدهم من كلمة معارضة وغسلها بالماء والصابون سبعاً حتى نزيل ما ألحقوه بها من تلوث .
ما ينطبق على المعارضة السورية ــ سابقاً ــ يمكن سحبه على النخب العربية في جميع الأقطار العربية ؟، التي انبهرت وأصابها الذهول ، وارتعدت فرائصها من هول وحجم التجييش للحرب ، فأضاعت البوصلة وفقدت السمت وتاهت في خضم هول ما جرى ويجري ، وحتى الأنظمة العربية القريبة من العقلانية ، كالجزائر ، ومصر ، أما ليبيا ، واليمن ، والعراق ، فهم لايزالون يعانون مثلنا من هول الحرب القذرة التي نزلت علينا جميعاً نزول الصاعقة ، والتي شارك فيها " خادم الحرمين " .
.
تعالوا لنستخدم ذات المنطق الذي سقناه ولكن بالمفهوم المقابل ، ما دامت دول الرجعيات العربية من المغرب حتى الكويت قد اجتمعت وتخادمت مع معسكر العدوان بقيادة أمريكا وبالتعاون مع دولة الإخوان المسلمين في تركيا ، لتدمير الدول العربية " الشقيقة " التي تملك حداً مقبولاً من العقلانية ، من الجزائر حتى العراق ، الواحدة تلو الأخرى ووظفت جميع طاقاتها المادية والبشرية ،في هذه الحرب وكانت قد حققت دماراً هائلاً وقتلاً مروعاً في هذه الدول ، وزرعت الفوضى العارمة ، ولكن وبالرغم من هول ما حدث والذي لايزال يحدث ، لم تحقق دول العدوان بما فيها الرجعيات العربية ما جاءت الحرب من أجله ، ألا وهو اخضاع هذه الدول لمشيئتها وذلك بتشبيكها مع عربات قطار الدول التي تقودها أمريكا ، ودفع الجزية سنوياً إلى دولة " ربك وحاكمك "
فماذا الذي حدث ؟؟!! نعيد القول : نعم سفكوا دماء مئات الآلاف ، ودمروا المدن والقرى والدساكر ، في جميع هذه الدول ، ولكن وبدلاً من أن يحقق معسكر العدوان الأهداف التي جاء من أجلها ، حدث العكس تماماً ، فلقد حقق المعسكر المقابل كثيراً من المكاسب وعلى جميع الأصعدة ، فالمعاناة المريرة المشتركة قربت الدول العربية العقلانية إلى بعضها ، بعد أن قام بعضها بمراجعات مواقفه وزادتها التصاقاً ببعضها وقرباً ، وأكبر مثال على ذلك علاقة العراق الشقيق مع سورية الآن ، فالعدو واحد والمصير واحد ، ولعل المردود الأهم لهذه الحرب فشل سلاح الطائفية القذر الذي كان من أهم الأسلحة المعول عليها والأكثر مضاءً ، والذي استخدمته الرجعيات العربية بكل صفاقة وبدون مواربة ، ووظفت له الإعلام والإرهاب لتفتيت هذه الدول على اسس طائفية ومذهبية ، فكان أن ازداد الشعب تلاحماً بجميع تشكيلاته المذهبية ، والطائفية ، والاثنية ، ــ الحشد الشعبي في العراق مثالاً ــ
.
أما مصر الكنانة ــ كنت قد كتبت مقالاً بتاريخ/ 8 / تشرين أول الماضي قبل اشتباكها مع السعودية أكدت فيه أن مصر ستعود إلى مواقعها إلى جانب الاقليم الشمالي ــ ولكن محميات الخليج استغلوا وضعها المادي الصعب ، فحاولت السعودية شراء موقفها من الصراع في المنطقة ، ولكنها عندما أعلنت مصر عن موقفها تلميحاً لصالح سورية قلبت لها ظهر المجن وألغت عقودها النفطية معها ، وكذلك فعلت قطر إذ حاولت شراء موقف مصر بحفنة من الدولارات ، ولكنها فشلت وهزم حزب الإخوان المسلمين بقيادة مرسي الذي كانت تدعمه ، بعد سنة وأحدة من تسلمه السلطة ، لأن النظام الديني نظام يستخدم الدعاء ، والتميمة ، والاستخارة ، بدلاً من العقل الذي وجد ليفكر ، لكن العقل عندهم يحتكره المرشد العام فقوله هو الصواب بعينه ولا تجوز مناقشته ، وما دام حزب الإخوان المسلمين قد هزم في عقر داره مصر شر هزيمة ، فهو سيهزم في كل مكان من الأرض العربية ، وسيبقى يذكر التاريخ أن حزباً دينياً ارهابياً قد عمم اسلوب القتل والذبح والحرق .
….هذه الحرب أعادتنا إلى مواقع الستينات من القرن الماضي عندما كان شعار تلك المرحلة الأهم " تحرير فلسطين يمر عبر عمان والرياض " لقد كان هذا الشعار نبوءة ، ولكن شعار التضامن العربي أكل تلك النبوءة ، هذه القسمة عادلة وليست قسمة ضيزا .
الرجعيات العربية تضامنت مع بعضها لقتال الدول العربية العقلانية مع أعداء البشرية وطغاتها ، ووظفت كل امكاناتها المادية والمعنوية وأسالت الدماء أنهاراً ودمرت الزرع والضرع ، وجاهرت بموقفها العتيق أنها في خندق واحد مع اسرائيل ، لم يعد ممكنا التعايش معها ، وهذا يستدعي منطقياً وبحكم المصير المشترك تلاحم الدول العربية العقلانية والتعاون فيما بينها بشكل متدرج ، أقله وحدة اقتصادية . وهذا تفرضه ضرورة المواجهة التي سنفتحها نحن هذه المرة مع هذه العروش الساقطة حضارياً ، والتي بات شكلها وهيكلها لا يتلاءمان مع حضارة القرن الواحد والعشرين ، والدولة التي لا يتناسب هيكلها مع مضمونها يقول العلم : " لابد وأن يتشقق الشكل ليتلاءم مع المضمون " ، وهذا ما يجب أن يكون وسيكون .
هذه الرجعيات العربية وبعد أن تضع الحرب أوزارها ، لابد وأن تتحمل وزر ما حدث ، ومطالبتها بالتعويض عن كل الدماء التي سفكت وهز عروشها الكرتونية وارسالها إلى الجحيم حيث لا حوريات ولا أنهار من عسل .
اذن هذه الحرب فرزت المنطقة العربية منطقياً إلى مجموعتين ، أنظمة رجعية ، وأنظمة تسير نحو الديموقراطية ، ولا يمكن التعايش بين هذين المنظومتين .
….كل هذه التحولات الجذرية في المنطقة ستصب فوق رأس اسرائيل…