الغـــرب اغتـــال تاريخ آســيا وشوهه ولا يزال يـــحاول.
..
..هل ستعيد هذه الحرب آسيا إلى سيرتها الحضارية الأولى ….
أرادوها حرباً للسيطرة فكانت حرباً لعودة الروح إلى الشرق
.
ــــــــــبقلم المحامي محمد محسن ــــــــــــ
رغم التزوير ، والتحريف ، والتجاهل ، تُجمع كتب التاريخ الغربية والشرقية كلها ، كما يجمع جميع الآثاريين ، والبحاثة ، والمؤرخين ، على إن بزوغ أول شعاع لشمس الحضارة ، بزغ من الشرق على ومن قارة آسيا ، التي جلبت للدنيا ، واستولدت من بنات أفكار مبدعيها ومخيلة أبنائها ، ومعاناة شعوبها ، أولى ( محفزات ) الحضارة الانسانية ، وأولى ( ومضاتها ) [ الحرف ، ـــ الأبجدية ـــ الكتابة ، الكلمة ، النص ، . القانون ــــ قانون حمورابي مؤلف من / 282 / مادة قبل 3500 ق ، م . الفلسفة ، 60 % من أسماء النجوم عربية ، والأديان . الدولاب . الزراعة ، القمح ، السلم الموسيقي . القرية الأولى ، اللون البنفسجي ، تدجين وتربية الحيوان ، وغيرها كثير ] . فالحضارة الإنسانية خطت أولى خطواتها على أرضنا ، بوابة آسيا الغربية ، وعلى أيدي أجدادنا الأوائل الذين عاشوا وتدرجوا حضارة اثرى أخرى ، كل منها استثمرت ما أنتجته الحضارة التي سبقتها وأضافت لها حتى وصلت إلينا ، من [ السومريين ، والبابليين ، والآشوريين ، والكلدان ، والأموريين ، والفينيقيين ـــ الكنعانيين ـــ ، والآراميين ، والسريان ، والفراعنة ] ، وبعدهم جاء العرب كأبناء تلك الشعوب ، فورثوا تلك الحضارات ، في الجغرافيا والتاريخ والمحصلات الحضارية التي أبدعوها ، وقد تساوقت ، وتعاصرت وتلاقحت حضارات منطقتنا العربية ، مع ما انتجته شعوب شرق آسيا من الصين ، والهند وغيرهما . وليس هناك من ريب أنه وعندما كان الشرق يرسم ويطلق بدايات حضاراته ويطورها ، كانت أوروبا لاتزال في تشكيلتها البدائية الرعوية الأولى ، وبعضها كان يعيش في الكهوف ـــ ليس في هذا أية مبالغة ـــ .
.
لذلك اتجه هم الغرب المستعمر دائماً للتعمية على تلك الحضارات ومراحل تطورها ، أو تشويهها ، محاولاً ترسيخ مفهوم أن العرب لا علاقة لهم بتلك الحضارات ، ولا يمتون بصلة لتلك الشعوب ، بل هم جاؤوا إلى المنطقة من الجزيرة العربية مع الفاتحين الاسلاميين ، وتابع ذلك النهج التضليلي " المثقفون العرب المتغربون " فعمل الجميع على ترسيخ هذا المفهوم الذي بات شائعاً في كل مجتمعاتنا ، وكأن خالد ابن الوليد ، وعبيدة بن الجراح عندما دخلوا دمشق أم الدنيا ، كانت فارغة من البشر ؟؟!! .
لقد استقبل شعب بلاد الشام والعراق المسلمين بدون قتال يذكر ، لأنهم عرباً مثلهم ، بالرغم من أن شعب المنطقة كان في أغلبه يدين بالمسيحية ، قبل الفتح الاسلامي ، ــ على المذهب الآرامي أو السرياني ــ وبعض المذاهب الأخرى القديمة التي لايزال بعضها موجوداً ، فبعض العرب اعتنق الاسلام ، والبعض بقي على دينه مسيحياً ، أو صابئياً ، أو يزدياً .
.شعوب حضارية
اذن نحن العرب المقيمين في بلاد الشام والعراق بشكل خاص ، نتحدر من الأقوام التي سكنت المنطقة قبل مجيء الدعوة الاسلامية ، من الاراميين نزولاً في التاريخ إلى قبل ما يزيد على عشرة آلاف عام ، حتى السومريين وما قبلهم ، وكانت بلاد الشام والعراق ومصر وغيرها ، تعج بالشعوب الحضارية ، التي لاتزال تبهر البحاثة ، ولقد ساهم مساهمة فعالة على تشويه هذه الحقائق التاريخية أيضاً ، الكثير من " فقهاء المسلمين "، الذين حاولوا ايضاً طمس تلك المراحل التاريخية الزاهية ، ووصموها تعسفاً بالعصر الجاهلي ، وراحوا يعممون هذا الفهم حتى بات مسلمة عند مجتمعاتنا ، إلى الحد الذي يسود فيه الاعتقاد أن المنطقة كانت في جهل مطبق قبل مجيء الاسلام ، وأنها كانت خالية من البشر ، ولم تسهم بأي فعل حضاري ، وهذه لعمري فرية تخفي حالة اغتيال لتاريخنا القديم ، والمحزن أن مناهجنا المدرسية قد عممت هذا الفهم في جميع الدول العربية ، حتى أصبحت مسلمة ، ولم تسع كتب التاريخ لتأكيد انتماء شعوبنا إلى تلك الحضارات .
.
حتى ــ ومع الأسف ــ روج لهذه الفرية بعض العرب المسيحيين الذين استجاب بعض كهنتهم لهذه الأحبولة ، التي يروجها الغرب ، وانصاعوا للدعاية الغربية التي حاولت سلخهم عن أصولهم ، وأقنعتهم بأنهم ينتمون إلى الحضارة الأوروبية ، وأن لا علاقة لهم بالعرب ، وكأن السيد المسيح ولد في مغارة في جبال الألب ، وليس في مغارة في بيت لحم الفلسطينية ، فمنهم من رحل مهاجراً ، والبعض من الباقين لايزالون يؤمنون أن لا علاقة لهم بالعرب ، وكأن العرب هم فقط المسلمون .!!
بقي هذا السبق الحضاري التاريخي العربي المشرقي ، حتى عام / 1492 / م ، عندما أعاد الإسبان سيطرتهم على الأندلس بعد أن سيطر العرب عليها مدة تقارب ثمانية قرون ، وهناك بنى العرب حضارة لاتزال شواهد أوابدها تدل على عظمتها ، وعندما خرج العرب من الأندلس خاسرين ، استولى الاسبان على مضيق جبل طارق بضفتيه الشمالية والجنوبية ، وذلك باستيلائهم على مدينتي سبتة ومليلة المغربيتين ، الواقعتين على الشاطئ الجنوبي للمضيق ، فتمكنوا بذلك من إغلاق مضيق جبل طارق أمام السفن العربية ، وحالوا وخروج العرب إلى المحيط الأطلسي ، الذين كانوا المؤهلين لاختراق عبابه ، فالسفن التي استخدمها الأوروبيون في اكتشافهم لأمريكا ، كانت سفناً عربية ، لأنها كانت وحدها القادرة على الإبحار في المحيطات العميقة ، كما استخدموا البوصلة العربية .
.
ولم يكن هم غالبية المؤرخين الغربيين الذين رافقوا الحملات العسكرية الاستعمارية إلى الشرق ، الاخلاص للحقائق التاريخية ، أو انصاف شعوب المنطقة ، بل كان همهم تقديم الأبحاث والدراسات التي تتساوق ومصلحة الدولة المستعمرة ، والتي تقوم على تشويه حضارات المنطقة ، بل وتزويرها ، وسرقة الكثير من كنوزها إلى متاحفهم ، ومن ثم احتكارها ، وتطويرها ، والاتجار بها ، والاثراء من خلالها .
الغرب يغلق التاريخ
أغلق الغرب التاريخ في وجه الشرق ، وحرموه من كل انجازاته ، التي نسبوها لهم ، وقالوا أن الغرب هو من جاء بالعلم ، بالمعرفة ، بالفلسفة ، بالمنطق ، كيف هذا والشرق كان في ازدهاره عندما كان الغرب لايزال في عصور الظلام ، حتى الأوابد والمسارح والحضارات القديمة " تدمر ، بعلبك ، بصرى ، بابل ، ماري ، وغيرها كثير " حتى القلاع والحصون ، كلها نسبت للرومان ، ولقد باتت هذه المقولة المزورة على كل لسان ، وتم تبنيها حتى من بعض الأدلاء الآثاريين ، علماً أن الرومان جاؤوا إلى المنطقة في عام / 86 / ق . م ، بينما هذه الأوابد وغيرها بنتها شعوب المنطقة قبل ذلك بقرون ، ولكن ومن خلال بعض الاضافات التي أضافها الرومان ، جعل الكافة ينسبون جميع تلك الأوابد للرومان ، وهذا التزوير التاريخي لايزال شائعاً بين عامة الناس في بلادنا وحتى بين المتخصصين بعلم الآثار ، فالكل يقول هذه الآبدة بناها الرومان .
.
حتى القانون ، والفلسفة ، والمنطق ، كلها نسبت إلى الإغريق ، ــ اليونانيين ــ ، ونسي حمورابي ، وكل عباقرة الشرق ، وفلاسفته ، ولم يبق غير الأديان التي لم يستطيعوا التقول بأنها نزلت في أراضيهم ، ونسوا أوغاريت ، وبابل ، وجبيل ، وقرطاج الفينيقية ، بنت صور وصيدا ، التي أذهلت العالم ، والتي كانت تحوي في ذلك الزمن السحيق ، مرفأً جافاً لبناء السفن الكبيرة ، وكتبت الروايات الكثيرة عن عظمة هذه المدينة ، ومنها أخذ الغرب المبادئ الأولية لحضارتهم . والتي دفع الحقد الرومان ليس إلى حرقها ، وتدميرها ، بل نثروا الملح في حدائقها وحقولها الغناء ، حتى لا تنبت زهراً أو ربيعاً ، حتى اسم أوروبا ، أخذ تيمناً باسم بنت ملك صور الفاتنة [ أوروبا ] التي اختطفت وراح أخيها " قدموس " ، يبحث عنها في أنحاء الأرض .
.
…………….فهل سيعيد التاريخ سيرته الأولى ؟؟ .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان الغرب يعتقد أن هذه الحرب الدائرة الآن على سورية ، ستكون الحرب الأخيرة التي سيغلق الغرب الدائرة بها مستكملاً هيمنته النهائية على العالم ، مستغلاً حالة الغفلة التي مرت بها روسيا ، وكانت أمريكا وحلفائها وتابعيها قد استسهلوا هذه الحرب وظنوها مجرد لعبة ، ولكن الجيش العربي السوري البطل وحلفاؤه خيبوا آمال الجميع ، وأما الصديقة روسيا فلقد استفاقت من غفلتها في الأرض السورية ، بعد أن اجتاح مغول العصر ليبيا ، وبات ميزان الحرب راجحاً لصالح تحالف الشرق ، الذي ولد وسيتعزز ، وسيبنى عليه نتائج ستعيد التاريخ إلى جادته ، وستمسك آسيا بناصية الحركة التاريخية من جديد ، بدلاً من أوروبا العجوز ، التي تعيش مآزق على كل الصعد .