رجال في مفكرتنا
ملخص من حياة شخصيات جزائرية حلت بسوريا في القرون الماضية لطلب العلم والتزود بمختلف المعارف ،فكان لجودهم على أرض الشام ، أكبر دليل على طيب العلاقة بين شعبين شقيقين تعايشا وتآخيا في أحلك الظروف التي مرت بهما ، لم يكن الموضوع مجرد صدفة ، بل هو من بين اهتماماتي حينما كنت أطالع سير ومناقب رجال الدين الذين قصدوا المشرق ، واقتفيت أثارهم علني أجد بينهم جدي الذي يحسب منهم فاكتب لحياته ، إذ في هذه الأثناء جلب انتباهي علماء جزائريون حلوا بالشام ، منهم من عاد ومنهم من استقر فيه معزز مكرم ، ونسب إلى هذا الوطن الشقيق كبلد ثاني يحتضنه ، وتولى به مهام ووظائف حساسة ، مثل عبد القادر بن محمد الجزائري الدمشقي ، والطاهر الجزائري الدمشقي … ، وكم كان لهذا أثر في نفسي ، لذالك ركزت على الموضوع وصرفت نظري عن مواصلة البحث في حياة أقرب الأشخاص إلي ، الذي يبدوا عليه أنه لم يسافر أصلا إلى المشرق ، وحين أتيحت لي فرصة النشر على موقع نفحات القلم هذه السير ، لم أتردد في إطلاع القارئ الكريم في المشرق العربي ، وسوريا على وجه التحديد بحياة هؤلاء العلماء ، الذين أخذوا من مختلف العلوم التي كانت تدرس هناك ، ولم يغفلوا في الأدب الذي كان يطبع يومياتهم وينير مجالسهم .
""""""""""""""""""""
الشاب الظريف 1262م 1289م
محمد بن سليمان بن علي بن عبدالله بن علي ، المعروف باسم " الشاب الظريف "، أبوه سليمان بن علي بن عبدالله الشيخ الأديب " عفيف الدين التلمساني " ، تعود أصول عائلته إلى قرية الكومة بنواحي مدينة تلمسان الجزائرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، كان رجل أديب بارع ، يدعى العرفان ويتكلم على اصطلاح القوم ، قال عنه قطب الدين اليونيني ، حسن العشرة ، كريم الأخلاق وله حرمة ووجاهة ، خدم في عدة جهات ، وقال الشيخ أثير الدين المذكور ، أديب ماهر جيد النظم ، تارة يكون شيخ الصوفية ، وتارة كاتبا ، وتارة مجردا ، قدم علينا القاهرة ونزل بها سعيد السعداء عند صاحبه وشيخها شمس الدين الأيلي ، وكان متخيلا في أقواله وأفعاله طريقة ابن العربي ، من نظمه :
وقفنا على المغنى قديما فما أغنى ولا دلت الألفاظ منه على معنى
وكم فيه أمسينا وبتنا بربعه حيارى وأصبحنا حيارى كما بتنا
فلم تر للغيد الحسان بهم سنى ولولا النصارى ما ثملنا ولا ملنا
ثملنا وملنا والدموع مدامنا ومن أجل بدر النم في حسنها أسنا
نسائل بانات الحمى عن قدودهم ولاسيما في لينها البانة الغنا
وتلثم ترب الأرض أن قد مشت بها سليمى ولبنى لا سليمى ولا لبنى
فوا أسفا فيه على يوسف الحمى ويعقوبه تبيض أعينه حزنا
وليس الشجي مثل الخلي لأجل ذا به نحن نحنا والحمام به غنى
ينادي مناديهم ويصغى إلى الصدا فيسألنا عنهم بمثل الذي قلنا
ومنه :
لا تلم صوتي فمن حب يصبو إنما يرحم المحب المحب
كيف لا يوقد النسيم غرامى وله في ديار ليلى مهب
ما اعتذاري إذا خبت لي نار وحبيبي أنواره ليس تخبو
وبالقاهرة ولد الشاب الظريف ثم انتقل مع ألأسرة إلى دمشق فنشأ بها على أدب أبيه ، ثم ولي عمالة الخزانة إلى أن مات ، قال عنه الصفدي : شاعر مجيد ابن شاعر مجيد ، فيه لعب وعشرة وانخلاع ومجون ، وقال ابن تغري بردي : كان شابا فاضلا ظريفا وشعره في غاية الحسن والجودة ، وذكره أحمد أمين فقال : شاعر غزل ، خفيف الروح أولع بالبديع كأهل زمانه ، لكنه استعمله في رقة وعذوبة ، وقال ابن فضل الله العمري ، شيم سرى ، ونعيم جرى ، وطيف لا بل أخف موقعا منه في الكرى ، لم يأت إلا بما خف على القلوب ، وبريء من العيوب ، رق شعره فكاد يشرب ، ودق فلا غرو للقضيب أن ترقص والحمام أن يطرب ، وأثنى عليه صاحب المفضل في الأدب العربي ، وقال هو طرفة هذا العصر وشعره يدل على نبوغ موروث ، خفيف الروح ، ناصع الديباجة ، في شعره نفحات من العبقرية المصرية ، وكان مولعا بالبديع كبقية شعراء عصره ، ولكن البديع لم يفسد عليه شعره ، وأكثر شعره في الغزل ، شأن أكثر شعراء هذا العصر ، للشاب الظريف ديوان شعر طبع مرات ، وأتقن الطبعات تلك التي حققها شاكر هادي سنة 1967م ، توفي رحمه الله في 1289م ، وهو شاب لا يتعدى عمر 28 سنه ، ودفن بدمشق قبل وفاة أبيه عفيف الدين التلمساني بسنتين ، الذي دفن أيضا هناك في 1291م .
إعداد : عيسى بوذراع من الجزائر
المراجع :
معجم أعلام تلمسان – الدكتور التجيني بن عيسى – دار كنوز للإنتاج والنشر والتوزيع 2011 م
تعريف الخلف برجال السلف – الشيخ الحفناوي – دار موفم للنشر 1991 م
معجم أعلام الجزائر – عادل نويهض – مؤسسة نويهض للطبع ولنشر والتوزيع