الغراب طائر منكود ، ظلمه الوجدان الشعبي ظلماً كبيراً عندما عدّه قرين الموت والخراب، ونذير العين والاغتراب ، وخاف صوته ، وهو مذموم على كلّ الأحوال ، فهو طائر مشؤوم عند العرب ، ومن اسمه اشتقوا الغربة والاغتراب والغريب، ولعل هذا التشاؤم مبعثه قصة سيدنا نوح عليه السلام مع الغراب ، فهو أرسل الغراب لينظر هل غرقت البلاد؟ ، ويأتيه بالخبر ، إلا أنه وجد جيفةً ميتة طافية على وجه الماء فانشغل بها ، ولم يأتِه .
ومن هنا تشاءم العرب من الغراب ، وأصبحت قصة سيدنا نوح مضرباً للأمثال إذ يُقال :«أبطأ من غراب نوح » لمن مضى لحاجة من الحاجات وأبطأ فلم يعد ، ويُقال : « لا يرجع فلان حتى يرجع غُراب نوح » .
وبعامل التقادم غدت هذه القصة مثلاً سار على ألسن الناس في كلِّ العصور ، وبات الغراب رمزاً للشؤم ، وربما يكون سبب تشاؤم العرب منه هو أنه من الطيور القواطع ، فكان غريباً عنهم ، وكان ينتاب المنازل إذا بان أهلُها عنها ، يلتمس فيها شيئاً يأكله ، فلا يعتري الديار إلا إذا ارتحل أهلُها، مما دعا العرب إلى التشاؤم منه ، فقالوا في أمثالهم : « أشأم من غراب البين» .
وقد نعت العرب الغراب بالعديد من الصفات التي ترتبط بلونه وشكله ، ومنها « الأعور » ، فقد نعتوه بهذه الصفة ليدلوا على ما به من عور ، إذ كان حديد البصر ، ولكن خوفاً من عينه سمّوه الأعور تطيّراً منه وتشاؤماً .
ومما وصف به « الحائم » وهو الغراب الأسود , والغراب « الأسحم » : هو الغراب الأسود ، و« الأعصم» وهو الأحمر الرجلين والمنقار، وهذه الصفات التي لازمت الغراب أصبحت بمرور الزمن علامة أو رمزاً تردد أصداؤه في كلام العرب وفي أشعارها منذ القديم إلى يومنا هذا .
اشتهر الغراب بلونه الأسود الحالك ، وعُرِف عنه أنّه لا يشيب أبداً ، ولذلك قالوا في الأمثال : "فلان طار غرابه" : إذا شاب ، وهو "واقع الغراب" أي شابٌّ ، واشتهر أيضاً قولهم : "لا أفعل حتى يشيب الغراب" ، إذا أرادوا أن ينفوا الشيء بتاتاً، أي يستخدم هذا المثل في التعبير عن الشيء الذي لن يحدث أبداً لأن الغراب لا يشيب .
وقد ظهر الغراب بصور شتى في الذاكرة العربية ، ولعل ذلك يعود إلى الطبيعة التي عاش بها العربي بداية حياته، فكان يفسر كل ما يرى بعقلية محدودة ، إلا أن صورته لم تتغير مع مرور الزمن وبقي رمزاً للدلالة على البين والفراق وإشارة إلى الهلاك والموت ، وفي النهاية لا بدّ من الإشارة إلى أن الغراب في بعض البلدان الغربية هو رمز للحياة والسعادة وقد صنعت تماثيل على شكله لتوضع في الحدائق العامة ليكون رمزا للتفاؤل على خلاف ما خزنته ذاكرتنا العربية .
الدكتورة ريما دياب