اجتــــــــــــــــــــــــــــــــــماع هلســـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــنكي ………..
………. بيــــن رئيـــــس منتـــــصر ، ورئيـــــس لا يـــــزال يلملم جراحه ……….
………. عـــلى ترامــــب أن يتــــــفهم الواقــــــع العـــــالمي الجـــــــديد ؟ ………..
…………………… مقــــــال حـــــواري استـــــراتيجي
المحامي محمد محسن
سيملأ المحللون السياسيون المحطات الاعلامية ، كل يتكهن ، وكل يتوقع ما سينتج عن المباحثات السياسية ، التي ستجري بين رئيسي أقوى دولتين في العالم ، وهذا مُبرر ولا ضير فيه ، ولكن ينصب اعتراضي على من سيعتمد في تحليله على الميزان القديم في تقييم الواقع الراهن ، آخذاً بعين الاعتبار القوة العسكرية ، وعديد الدول التي تسير في فلك كل من الدولتين ؟؟ ، وبالرغم من أننا لابد وأن نضع ذلك في حسابات التقويم والتقييم ، ولكن انا أعتبر أن هذا المعيار لم يعد هو المعيار الأساس ، بل دخلت على الميزان عدة عوامل وأسباب أخرى ، لابد وأن توضع في المقام الأول .
.
…………………..الحـــــــــروب والانتصارات الأمريكية .
بعد أن استولت أمريكا على العراق بسرعة قياسية ، وبعد أن دمرت البلقان وقسمته إلى خمس دول ، وبعد أن ضيقت على ايران بعقوبات اقتصادية مريرة ، وكانت قد حاصرت كوريا الشمالية ما يزيد عن نصف قرن ، وكذلك كوبا ، [ جاءت حرب العرب ] فدمرت ليبيا وقتلت رئيسها ، وقلبت نظام الحكم في كل من تونس ومصر ، واعلنت الحرب على اليمن ولا تزال .
كل هذه الحروب كانت قد قادتها أمريكا بتحالف طويل عريض ، يضم جميع الدول الأوروبية ، والعربية ، وكثير من الدول الآسيوية والإفريقية ، وصولاً إلى استراليا ، وحققت بجميع هذه الحروب انتصارات سريعة ومذهلة ، أوصلتها حد الزهو ، وتأكد لها ولجميع الدول في العالم أن أمريكا هي الدولة القادرة على تحريك العالم ، بل هي كلية القدرة ، ولا راد لقرارها .
.
…………..الحـــــرب علــــى ســــــورية غيــــرت وجـــــه التــــاريخ ……..
وصلت نار الحرب إلى سورية ، بأكبر تحالف دولي طبعاً بقيادة أمريكية ، وباشتراك عربي هو الأوسع ، وبخاصة ممالك الخليج ومحمياته ، التي وضعت كل طاقاتها المادية والمعنوية تحت تصرف قادة الحرب ، وتحركت الجحافل ، من الجهات الأربع ، وعمت الحرب جميع الأراضي السورية ، وتحركت الغوغاء والحشود في سورية ، بشكل لم يسبق له مثيل في كل العالم ، يقودها حقد دفين قل نظيره ، إلى درجة تثير الغرابة ، كيف تشكلت هذه القطعان المتوحشة ، ومتى ، ومن الذي شكلها وحرضها ، والأغرب كمية الحقد التي سيطرت على الحشد ، التي قادتها عواطف وانفعالات ، وغضب جامح أنزلها إلى درجة البهيمية ، وبدأ القتل بدم بارد وبتشف لا يمكن تبريره إلى الحد الذي قتل فيه الجار جاره ، لأنه يخالفه في المذهب ، أو لأنه محسوب على الدولة ، وبدأ الشنق ، والحرق ، ورمي الجثث بالأنهار ، مع حالة تشف لم يلحظ التاريخ البشري لها مثيلاً ، بحيث انقسم المجتمع السوري من أقصاه إلى أدناه إلى قسمين ، حشد متوحش قاتل يركبه الجنون وروح القتل ، ومواطنون خائفون ومذهولون ، ويغطي كل هذا ضخ اعلامي عالمي مسعور ، لا سابق له بحجم الكذب ، والافتراء والتحريض والدعوة للقتل المجاني ، الى الحد الذي بدى العالم كل العالم بحالة توحش شاملة ، وكأنه عاد إلى بدائيته الأولى ، لأن القتل لم يثر أي استنكار حتى من شعوب العالم المحسوب على التمدن . كل هذا الحشد والتوحش مرده إلى الأهمية التي كانت تتوخاها أمريكا من الانتصار في حربها على سورية .
.
……………………لمــــــــــاذا كـــل هـــــذا التوحش ؟
يجب أن نعترف أن شعوب العالم كل العالم تعيش حالة خمول سياسي ، وصل إلى حالة اللامبالاة ، وعدم الاحساس بالمسؤولية ، مع سيطرة فردية ونزعة استهلاكية عامة أوصلت المواطن إلى حالة من التشيء ، وبخاصة بعد أن خاضت أمريكا جميع حروبها بنجاح وبكل يسر ، والتي أوصلت شعوب العالم إلى قناعة أن ما تريده أمريكا لابد محققته فلا راد لقضائها ، ولأسباب شتى أخرى لسنا بصدد مناقشتها الآن .
.
……………..هل حولت الحرب على سورية وجهة التاريخ ؟
واهم من يعتقد أن أمريكا كانت تهدف من خلال حربها على سورية تفتيت سورية وتدميرها فقط ، مع أن هذا بحد ذاته كان هدفاً هاماً ، ولكن أهمية الحرب على سورية ، كان لها أهداف استراتيجية أكثر أهمية منها : تأكيد وحدانية القيادة الأمريكية للعالم ، وذلك بسحق حزب الله عدو اسرائيل الوكيل الحصري لأمريكا في المنطقة ، والتضييق على ايران وقطع أزرعها في المنطقة ، ولكن الأهم من كل هذا السيطرة الكاملة على البحر الأبيض المتوسط ، لأن سيطرتها على البحر الأبيض المتوسط ، تعني حصار روسيا وحرمانها من مجرد التفكير بخروجها من محيطها الإقليمي ، وتطلعها إلى إعادة التفكير بتشكيل القطب العالمي الثاني المنافس ، الذي قد يوقف جنوح وجموح أمريكا .
.
كل هذه الانتصارات تسهل عليها الانتقال إلى حربها الثانية ، في بحر الصين حيث هناك المعركة الخاتمة ، التي تكون من خلالها قد أنجزت أمريكا كل غاياتها ، وذلك بتأبيد سيطرتها على العالم كقطب عالمي واحد أوحد .
.
………………………ولكــــــــن مــــــا الـــــذي حـــــدث ؟
[ بحجم الهجمة ] التي لم يلحظها التاريخ ، وبحجم الأهداف والغايات المأمولة الاقليمية والدولية ، التي كانت أمريكا تتوخاها من خلال اجتياحها الكبير لسورية ، [ كان حجم الخسارة وأكبر ] ، انتصرت سورية برغم ما أصابها من تدمير وموت وعذاب ، وتأكد صمود حزب الله ، بل تعززت قدراته القتالية ، وتفلتت ايران من حصارها بل ازدادت تحالفاتها رسوخاً ، والأهم من كل هذا ، رسخت الحرب وأكدت قيادة روسيا الاتحادية للقطب العالمي الجديد بما لا مراء في ذلك ، وقاربت الحرب بين روسيا والصين والهند وغيرها ، والتي تكاد تشكل حلفاً هو الأقوى اقتصادياً وعسكرياً .
.
………………عقــــابيل الحـــــرب الأخــــــرى ؟
تكاد أوروبا تخرج من القيد الأمريكي ، وذلك بسبب احساس الأوروبيين أن أمريكا لم تعد سيدة العالم ، وخسارتها الحرب على سورية عملت على ترسيخ هذه القناعة ، فضلاً على تصرفات ترامب الاقتصادية تجاهها .
أما اسرائيل ورغم عربداتها ، هي أضعف من أي مرحلة تاريخية منذ تأسيسها ، فهي أولاً باتت متيقنة أن أمريكا لم تعد سيدة العالم ، وأن أمريكا قد تتخلى عن حمايتها بسبب التحولات التي ستتم في المنطقة ، وأن أعداءها باتوا على حدودها .
.
………. ………حجم الرئيس بوتين في مفاوضات هلسنكي .
بوتين سيفاوض من مواقع القوة ، فهو لم ينتصر في سورية ، بل سبق ذلك لجمه للتمرد في جورجيا الذي فجرته أمريكا ، ومعاقبتها بفصل أوسيتيا عنها ، والضربة الثانية واجه التمرد الأوكراني ، بضم جزيرة القرم إلى الدولة الروسية ، وتحويلها إلى أهم قاعدة روسية في البحر الأسود ، والتي باتت ترتبط بالقاعدة البحرية في طرطوس ، مما يسهل على الأسطول البحري الروسي الحركة والتنقل في البحر الأبيض المتوسط ، ومنه إلى جميع المحيطات . كل هذا يصب في رصيد بوتن التفاوضي .
.
………………….. وضع الرئيس ترامب في مفاوضات هلسنكي ……………..
وبالمقابل خسر ترامب حربه في سورية ، وسقط حلمه في حصار روسيا والصين ، وهذه الخسارة الاستراتيجية ، أعطت وستعطي منعكساتها السلبية على تحالفه مع أوروبا ، كما أنها أضعفت جميع محمياته في الخليج والتي باتت مهددة بالسقوط ، أما اسرائيل فيدها الآن باتت مغلولة إلى عنقها ، وأنا أجزم أنها باتت مضطرة للبحث عن وسيط لتحريك الحوار مع سورية بشأن الجولان المحتل .
.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
العالم كله تغير وأمريكا لم تعد سيدة العالم ، تقتل من تشاء وتعاقب من تشاء ، وروسيا أكدت قدرتها على المنافسة ، وأنها باتت تمسك بلجام تسيدها على القطب العالمي الثاني .
نعم العالم كله في حالة تغير دراماتيكي ، يمر الآن بفترة توازن بين القطبين ، ثم ينتقل إلى مرحلة انكفاء القطب الأمريكي ، وتمزق تحالفاته وذلك بخروج أوروبا من تحت الوصاية الأمريكية ، أما التغير فسيكون عميقاً في منطقة الشرق الأوسط .
…………………….كل هذه التحولات ستجعل يد بوتين هي العليا …