الباحث والخبير الجيو سياسي : عبد الله احمد
تحرير العقل …
إنها المسألة الاكثر اشكالية في التاريخ الانساني ، الكل نظريا يسعى الى تحرير العقل ، الا أن منظور هذا التحرر يبدو مختلفا أو متناقضا في معظم الاحيان …
هل حقا نريد تحرر الذات ، في رؤية مع الوعي او الحقيقة العارية ،وهل من وصفة سحرية تجعل التحرر من أغلال جهلنا ممكنا ؟ قد تكون الوصفة بسيطة أنه التدريس والمعلم والمجتمع ..
– من الواضح أن التدريس ذو أهمية قصوى. إنها بذرة التحرير التي ستزهر في يوم من الأيام ، في ظل الظروف المناسبة ، في شجرة المعرفة والحكمة.
– المعلم بمثابة دليل، شخص يعرف الطريق و يمكن أن تذهب بحرية ذهابا وإيابا كما يشاء،و بدون دليل ، لن يتمكن سوى عدد قليل من المحظوظين من العبور إلى الجانب الآخر.
– المجتمع أيضًا مهم جدًا لأنه يتكون من أشخاص ذوي تفكير مشابه يسيرون في المسار إلى جانبك. البعض مبتدئين وبعضهم ممارسين أكثر تجويفا قد غامروا في المجهول ..
ولكن ما هو العائق الذي يحول دون أن يحرر هذا الشرق عقله ليحجز حيزا تحت الشمس ؟
الاساطير الاولى ولدت في الشرق وكذلك المعتقدات والاديان ، الا أننا ما زلنا نطارد بعض وننقض على بعض ، ومازالت رائحة الدم تجعلنا نتحارب كقطيع من الذئاب،لم تنفع معنا الاساطير ولا الاديان ولاعقلانية الحوار القريب والبعيد …
هل الدين والاعتقاد هو العائق امام تحرر العقل العربي ؟
من الفطرة الاولى ندرك أن الانسان يحاول ان يجيب عن اسئلة وجودية ، فدهشة الطفل تشير الى أنه يبحث عن هذه الاسئلة الوجودية ، وضحكته وبكاءه يشيران الى بذور المحبةوالخوف ، ونرى في مراحل اخرى أن الدين او الاعتقاد هو خلاصة تفكير عقلاني منبثقة من معرفة الذات ، وبكلام أخر ..نحن لم نخلق أنفسنا ولابد من وجود خالق ،وهنا تبدا رحلة الايمان واليقين ، وتنسجم مع جوهر الاديان أي الدعوة الى المحبة واطلاق العنان للعقل من أجل التفكر والبناء ، وبأننا جميعا اي البشر متساوون ، ولا فرق الا بما نقدم…
ولكن لماذا أصبحت الاديان وبالا علينا ؟
أنها طبقة الكهنة وما يسمى رجال الدين والمؤسسات العلنية والسرية للدين السياسي، هولاء نصبوا أنفسهم فوق مستوى البشر ، واستخدموا الدين من أجل الهيمنة والسيطرة ، وافرغوا الدين من محتواه،وحولت هذه الطبقىة الدين الى حالة من الهذيان .
واصبح الاختيار بين التفكير العقلاني و والهذيان، وتعلم الناس اليوم بفضل العلوم والتكنولوجيا ماهي المعايير الحقيقية و ما هو اليقين ، وبالتالي على الأفكار التي تريد أن تقنع أن تكون جلية وواضحة ومفهومة وقابلة للإدراك بالعقل والتصديق وبأنها يمكن أن تكون حقيقية.
هناك في التراث الإسلامي المعتمد خاصة كتب الصحاح والحديث كصحيح البخاري وصحيح مسلم مواضيع لايتجرأ أحد من المسلمين على تقبلها على أنها وقائع حدثت وحقائق موجودة، ولا على إنكارها خوفاً من التكفير والاتهام بالارتداد، من قبيل التشبيه والتجسيد للذات الإلهية، وأن لله عينين يرى بهما، وهو يضحك، ويعلم بهفوات أنبيائه ويسكت عنها، وإنه قام بفضح موسى أمام قومه، وموافقته على أن يقدم إبراهيم زوجته للزنى بها، وأن محمد فكر بالانتحار،وحاول تحريف بعض آيات القرآن إرضاءاً للكفار لاستمالتهم، وصولا الى الخرافات والخزعبلات التي وردت في الكثير من المراجع الاخرى كبحار الأنوار والكافي وغيرها .
من جهة أخرى كانت الحضارة الإغريقية حضارة عقل في حين أن الحضارة الإسلامية حضارة نص كما قال المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد. فلكل حضارة بصماتها ولها إنتاجها، المادي والعلمي، أولا، من علوم طبيعية ورياضيات وتكنولوجيا الخ ، وثانياً ، إنتاج معنوي، من سياسة واجتماع وفلسفة وأدب وفن الخ …
ومع أن العلم اهتم بالتعامل مع القوانين المادية والعالم الطبيعي والفيزيائي المحض تاركاً للدين قضية التعامل مع المسائل الأخلاقية والإيمانية ،بيد أن الدين "الكهنة ورجال الدين " هو الذي حشر نفسه في أمور جوهرية ليست من صلب اختصاصه تمس الطبيعة والمادة ، علماً بأن أغلب العلماء في العالم يفضلون ابتعاد العلم عن الشؤون الدينية وتجنب النزاعات الخطيرة القائمة بين العلم والدين التي أشعلتها المؤسسات الدينية نفسها.
من جهة أخرى ، تسعى المؤسسات الدينة (الكهنة ورجال الدين ) الى تعميم الجهل ، أو جعل المجتمعات تدمن الجهل ، الكبت الجنسي والكبت الفكري ، فالجنس في الارض فاحشة وجريمة كبرى ، واللباس والحجاب وكبت الفكر والتواصل هو أداة التخدير الجمعي كمقدمة لقيادة القطيع لخدمة طبقة النبلاء الجدد (الكهنة) ، كل ذلك ، وصولا الى الجوهر ، أي التبشير بالوصول الى جنة موعودة ماجنة ، فكل ممنوع أصبح مباحا ،إلا انه للوصول على القطيع أن يدفع الثمن من خلال الالتزام بما سبق، وصولا الى قتل الاخر الذي يخالف هذا الرأي ، أي أن هذه الطبقة الجديدة القديمة هي من انقلبت على المنهج الاخلاقي وجوهر الاديان وانتجت تنظيمات تكفيرية تقتل وتذبح وتدمر ،وكانت السبب في تخلف المجتمعات الاسلامية وتشكل العائق الحقيقي أمام التطور والتقدم ، وتحارب اي محاولات وجهود لتحرير العقل (تتدخل في المنهج التعلمي وتحاول ترسيخ وعي مجتمعي يضمن لها استمرار السيطرة والهيمنة ) .
فنحن بحاجة ماسة وبأسرع وقت ممكن لتحرير العقل من الخرافة وترسيخ العقل العلمي ونشر حرية التفكير والمعتقد والكلمة والعمل على فصل الدين عن السياسية ، بل وعن كافة الشؤون اليومية والزمنية والواقع المعاش يومياً خاصة التربية والتعليم، وجعله علاقة خاصة بين الفرد ومن يؤمن به. مع عدم إغفال حقيقة هي أن هذه الطبقة جعلت الأديان عامل تفرقة وتعصب ومرتع للخرافات والتسلط والعنف والوحشية والقسوة بإسم الله كما في مثال محاكم التفتيش المسيحية وجرائم داعش الإسلاموية .
نحرر العقل ، عندما نجعل مكانته هي الاسمى ، عندما نعود الى الجوهر ، عندما نندهش لكي نعرف أنفسنا أكثر ،أنها العودة الى الفطرة ، أي استخدام العقل لكي نعرف من نحن ولما نعيش ، لكي نبتسم ونضحك في اعتراف بأن محركنا الاول هو المحبة ، واننا خلقنا لكي نعمل ونبني ونرتقي ..