وَجد الإنسان القديم في الأرض ومحيط الكون الذي يعيش فيه , تجسيدا ً لفكرة القوة الكبرى المهيمنة والمسيطرة والتي تمتلك بيديها مفاتيح كل شيء من سعادة ٍ وعطاء وخوف وقدرة وجبروت ..الخ.
كذلك وجد في القمر نفس القدرة ومن خلال نفس المنطق والنظرة, وأنهما ينتميان لمصدرٍ واحد.. فأخذ ينظر للأرض والقمر على أنهما الأكثر نقاءا ً وشفافية وأنّ هناك صلة خفية تجمع ما بينهما , وقد عبّر عمّا يجول في فكره ووجدانه وما يعتقد به وما يراه بعينه , من خلال أساطير الميثيولوجيا القديمة.
وعَمد من خلال ذلك الى إظهار الجوانب المختلفة للقدرة القمرية في ثنايا ووقائع الأساطير التي حاكها وأنتجها بنفسه , فنراه في الأسطورة السومرية يصوّر لنا اشتياق ربة السموات "إنانا" إلى زيارة عالم الظلمات وتخلّيها وتركها لعرشها الإلهي , ومن ثم موتها وتغلّبها على الموت , من خلال أروع نتاج وإبداع ٍ جمالي وضع فيها الخبرة البشرية الطويلة وتاريخه الطويل التي يمتد الى أغوار الماضي السحيق.
كذلك أثارت الشمس الإنسان القديم بشروقها وغروبها وحركتها الرتيبة المنتظمة وقوّتها العظيمة المتمثلة بالنور والنار والحرارة.
أما حكايته مع الليل والقمر فكان لها شأن ٌ آخر…..
فقد وجد في التغيير الدائم لمكان شروق وغروب القمر وأشكاله وأحجامه المتعددة , حتى في اختفائه وظهوره مجددا ً, فضاءا ً فسيحا ً لخياله , فراح يربط ما يراه في القمر من تبدّلات بأخرى يلمسها ويراها في شريكه على الأرض ألا وهو المرأة.
والتي عَرف عنها أيضا ً تبدلات عديدة من إشراق وتعب وحزن وحنان واقتراب وابتعاد , وأوجد الشبه بينهما حتى من خلال التبدلات والتغييرات الطبيعية لجسد المرأة , فأخذ ينظر إليها على أنها أم الكون والأرض الخصبة , وأنها تلك التي تجلّت بشكل ٍ يعرفه تماما ً وهو القمر.
ويعتبر الهلال الخصيب وأرض مصر من أقدم مسارح الحضارات اعتقادا ً بالأسطورة القمرية وتجسيدا ً لها ليس فقط في أساطيرها بل في دياناتها أيضا ً, كذلك هو الحال لمعظم الثقافات البدائية كالهنود الحمر في أمريكا والثقافات الافريقية .. فقد كان سكان بلاد الرافدين يعتبرون تمام البدر يوما ً تحيض فيه عشتار وتستريح فيه من أعمالها الكثيرة فأطلقوا عليه اسم "يوم الراحة".
و بذلك كان مشهد الليل الجليل وقبة السماء الحالكة بنجومها وشهبها المضيئة و المتلألئة من أكثر المشاهد تأثيرا ًفي الإنسان القديم.
ولا يزال القمر حتى يومنا هذا مصدر إلهام الكثيرون وراحتهم ومن أفضل الأوقات التي يعمدون فيها الى إلتقاط الأنفاس وإستعادة الراحة والأمل والثقة وإطلاق العنان للمشاعر والعواطف والشعور بالسعادة.
المهندس : ميشيل كلاغاصي .