سورية, أهدت العالم أغنى شجرة في أفقر أرض
موسوعة الزيتون العلمية
-شجرة الزيتون ثروة الحاضر والمستقبل-
اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- سورية مهد شجرة الزيتون :
– بينت الدراسات والبحوث, أن أولى أعمال زراعة واستثمار شجرة الزيتون بدأت في سورية منذ أكثر من 6000 عام, حيث عرفتها مختلف ممالك وحضارات المنطقة باستثناء البابليين والآشوريين الذين تأخروا في زراعتها واستخدام منتجها.
– انتقلت الشجرة من شمال وغرب سورية الى تركيا واليونان وبلاد البلقان عبر جبال الأناضول, ومن جنوبها الى فلسطين ومصر فالمغرب العربي… لتنتقل منه الى أوروبا.
– حتى اليوم, هنالك تجمعات برية متناثرة لشجرة الزيتون في غابات سورية (جبل الشوح) وأحراشها (حراش الزبداني والسويداء والقنيطرة وصافيتا والقدموس) وبواديها (قمم جبال البلعاس وعبد العزيز في البادية السورية).
*- الدور الرائد للحضارات السورية في أول انتشار لشجرة الزيتون :
– تروي المكتشفات الأثرية بأن الظهور الأول لبساتين شجرة الزيتون في سورية كان في مملكة ايبلا التي كانت رائدة في العلاقات التجارية والدبلوماسية مع ممالك في بلدان أخرى كمصر وإيران وسومر. وقد ذكرت الموسوعة البريطانية (1985) وكذلك الموسوعة الأمريكية (1986), أن وثائق ورسائل ايبلا العديدة التي تعود إلى الألف 3 ق.م تظهر بأنها كانت منطقة ذات تجارة واسعة ومنها تجارة زيت الزيتون. وقد حملت بعض ألواح إيبلا أول توثيق رسمي في التاريخ حول أشجار الزيتون وإنتاج الزيت, حيث ضم هذا التوثيق نحو 12 لوحة يعود تاريخها لعام 2400 ق.م, وتصف الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون التي تعود ملكيتها للملك والملكة. وبين الأرشيف أن العائلة المالكة وحاشيتها كانت تمتلك 4000 جرة زيت مقابل /7000/ جرة من أجل الشعب، وبحساب أن كل جرة تتسع لنحو 60 كغ من الزيت، فإن كميات الزيت المتداولة كانت كبيرة (700 طن) وهذه تأتي من أكثر من 1465 هكتاراً من الأرض الزراعية.
– تبين الوثائق المكتشفة في مملكة ماري, أنه كان يتم استيراد زيت الزيتون من حلب القريبة من ”ايبلا“, مما يعني أنه كانت هنالك معرفة بالأهمية الاقتصادية لزراعة الزيتون والقائمة على وجود فائض للتصدير وتوفر وسائل النقل. وأن سعر وحدة الوزن لزيت الزيتون كانت تساوي 5 مرات عن مثيلتها من النبيذ و2.5 عن زيت السمسم والكتان. كما أن زيت الزيتون كان يدفع ضريبة للقصر, كما كان القصر يعطي زيت الزيتون مقابل بعض الخدمات (بمثابة النقد). وأن مجتمعات مملكتي ماري وايبلا كانتا تستفيدان من المخلفات الثانوية لشجرة الزيتون كحرق الورق المتساقط والأغصان ومخلفات عمليات العصر (العرجون).
– تشير المكتشفات الأثرية في أوغاريت (نص الوثائق RS8.213 وPRUV27) إلى انتشار حقول الزيتون فيها. بينما يشير نص الوثيقة RS51,75ونص الوثيقة RS20,168 إلى تجارة الزيت التي كانت تتم بين أوغاريت والمناطق المجاورة لها. وقد بدأ الفينيقيون يروجون بشكل تجاري لشجرة الزيتون خلال القرن 16 ق.م, فشحنوا غراسها في سفنهم كما تؤكد العديد من الدراسات بالاضافة الى الرسومات الجدارية المكتشفة في مناطق عدة من اليونان وإيطاليا. وقد نشر الفينيقيون زراعة شجرة الزيتون في شبه الجزيرة الايطالية خلال القرنين 13 و12 ق.م, ووصلوا بها إلى اسبانيا في القرن 11 ق.م خلال أوج سيطرتهم البحرية. كما أنشأ الفينيقيون في القرن 5 ق.م أولى بساتين الزيتون في جنوب فرنسا عند تأسيسهم لمدينة مرسيليا.
– ليست هنالك دراسات نوعية متخصصة بانتشار شجرة الزيتون في قرون الألفية الميلادية الأولى, ولكن تنبئنا الدراسات الخاصة بالأوابد الأثرية لحضارات الألفية الأولى في سورية على سبيل المثال, أن هذه الشجرة شكلت العماد الأول في تشكيل المجتمعات فيها وفي توسع القرى والمدن. فالتنقيب الأثري الذي تم في مناطق الشمال السوري, وبالتحديد في مناطق المدن المنسية التي ازدهرت في الألفية الميلادية الأولى, كشف عن وجود العديد والعديد جدا من معاصر الزيتون في هذه المدن والتجمعات البشرية التي فاق عددها عن 700 تجمعا بشريا.
– كمثال : البعثة الأثرية العاملة في محافظة ادلب اكتشفت 17 معصرة للزيتون في منطقة حارم يرقى تاريخها إلى العصر الروماني في القرن 6 الميلادي.
– مثال آخر : بعثة أثرية أخرى (فرنسية) اكتشفت في موقع "داحس" في جبل الزاوية 20 معصرة خلال تنقيبها بالموقع لأكثر من 20 عاما.
*- محطات في توسع زراعة شجرة الزيتون :
– في القرن 11, اتسعت رقعة زراعة أشجار الزيتون في اسبانيا وخاصة في أشبيلية التي كانت تحتضن كبار المنتجين والمصدرين. وغدت أشبيلية في القرن 12 المركز الرئيس للتصدير.
– في العام 1492 مع اكتشاف القارة الأميركية, خرجت شجرة الزيتون إلى أبعد من موطنها الأصلي وجواره حيث انتقلت أولى غراس الزيتون مع كريستوف كولومبوس من أشبيلية إلى جزر الأنتيل ومنها إلى العديد من مناطق القارة الأمريكية. ولم يحل العام 1560 إلا وعرفتها المكسيك والبيرو وكاليفورنيا والتشيلي والأرجنتين حيث ما تزال حية أولى الأشجار المنقولة وتعرف باسم”اروكو Arauco “.
– في القرن 15 سيطر اليهود في اسبانيا على تجارة الزيت ولم يكونوا من ملاكي الأراضي والمعاصر.
– في القرنين 16 و17 شهدت زراعة شجرة الزيتون في ايطاليا والتعامل التجاري مع منتجها توسعا كبيرا على حساب الزراعات الأخرى حيث بلغت قيمة كل شجرة زيتون مزروعة 5 قطع ذهبية (أكثر من ضعف ثمن أي نوع شجري آخر).
– بين القرنين 18 و19 تراجع انتشار الشجرة بسبب حوادث الصقيع القاسية التي قضت على آلاف الأشجار وعلى إنتاج العديد من المواسم. ويعود السبب في هذه الأضرار إلى أن زراعة الشجرة انتشرت بشكل عشوائي في كل المناطق. وبنتيجة ما حدث, وبهدف تشجيع المزارعين للعودة والاهتمام بالشجرة خصصت مثلا مدينة Florance عام 1859 جائزة لمن ينتج أكثر من غيره من زيت الزيتون, كما أعفي من الخدمة العسكرية من ينتج غلة وفيرة في وحدة المساحة.
– استمر الاضطراب في تأمين متطلبات السوق من زيت الزيتون إلى نهاية القرن 19 وبدايات القرن 20, فطرح في الأسواق زيت عباد الشمس من فرنسا وزيت فول الصويا من أفريقيا كما حل النفط للإضاءة بدلا عن الزيت.
– عاد الاهتمام بشجرة الزيتون خلال الحربين الكونيتين بسبب انعدام التجارة بالنقل البحري والبري الذي يؤمن المشتقات الزيتية والدهنية الأخرى.
– بعد الحرب العالمية الثانية, ومن خلال مشروع ”مارشال“ لإعادة أعمار وتطوير أوروبا عملت الدعاية الأميركية على ترويج الفائض لديها من الزيوت النباتية الأخرى من خلال طرح دعايات تتضمن مساوئ عدة لزيت الزيتون على الصحة, وبالتالي شهد الاهتمام بالشجرة تطورا بطيئا حتى الربع الأخير من القرن الماضي ليزداد الطلب بشكل كبير على الزيت بشكل خاص وذلك بعد أن عممت المراكز والجهات والمؤسسات البحثية والصحية العالمية الدراسات التي تؤكد الفوائد المميزة لمنتج شجرة الزيتون.
– وقد كان لي الشرف أن أكون أول باحث سوري يعمل على شجرة الزيتون, وبالأخص على تناوب واضطراب إنتاجها, في مخابر وحقول قسم الأشجار المثمرة في المعهد العالي الزراعي التابع لمركز البحوث الوطني في وزارة الزراعة الفرنسية ولأكاديمية العلوم والتكنولوجيا في جامعة مونبلييه الفرنسية.