أحمد عبد الرزاق عموري
رسالة بمناسبة يوم الشعر العالمي
الشعرُ و الحبُّ بيتنا ..هما رحلةٌ ظنيّةٌ..غابةٌ مداريّة..ونهرٌ طويلُ المسار…أسنانه ضفاف البكاء..
وقود مركب وجدانيّ الجدال ..وعصا للوقت ..وميناءٌ صخريّ التلاقي..ولحظة افتراضيةٌ في بحر الظلام الدامس ..تلاطمُ رصيف الغياب…فيه الأجفان ملتهبةُ الخجل..تخشى عطور زهرة برية..الحبُّ والشعر هما رائحة القهوة المغمسة في فضيحة شفاه تعشق القبل..والقصائد ربطاتُ عنق للكلمات الشواذ في تصريف النحو ..وملهى الأصمعي راقصهم في مسرحه.. وأنا مدمنٌ حارس حدائق العشّاق لا وردة لي..شبحٌ ضمَّ ناي قلبي وانتهى في كهفه الشاعر..فوز الموت راية الوقت عندي ..أوله عن كتابة قصيدتي ..وثان بعد نهاية طوفانها المحطّم..يلتهمنا في برودة شفتين باردتين كالصقيع.. عروة معطفي وحدها في ضحكة هستيرية ..كانت مسكناً لوردة بلاستيكية في ثوبها الليلكي..لم يغدر بها الوقت الذكريّ..الشاعر.
إضاعتي لوقت الموشّى في كبرياء القصب ..رياحي لم تنادم مشاعرها الواثبة على جرف النغمة الحبلى.. أراني سؤالاً بلا ظلال التغنّي..غلطتي شجرةٌ عاريةٌ بالربيع ..أزهارها دودٌ ونملٌ لاحمٌ..خلّابة الإبعاد لكلّ عاشق العجب..
شهيةٌ الحربُ لي قالتْ في غنجها حين مرّتْ..نعم فالحربُ لم تحترم إلا النساء الساقطات..لهنّ تفتحُ المعابر ..ومخازن المساعدات العينية والمادية..هكذا قال الموتُ ..وحدي أغلقتُ الأبواب أمامهن حتى يتطهرن ..فالطّهر أفق مائدتي. صمتٌ عتيقٌ كرجل أسود يسكن على هامش اللغة..يداعبه لسان المعنى بإشارة استفهام من عارضة أزياء مسنة الفصاحة..و الشاعرُ ممثلٌ ساذجٌ يقيسُ كصانع ملابس للحقيقة ..وحرائقها كعارية ممددة على شاطيء رمليّ تحت الشمس..ونابُ اللغة لبني المجاز..لا يطحن قفلَ الوقت.. والقراءُ في حفل جليديّ مبعثرون بعد أفخاخ التناص والاستعارات ..والحبرُ الدمويُّ كاليتيم فوق سخونة الأمل.. مجراه الملحيّ بقايا هياكل عظمية لجريمة قابيل الأولى.
والقلمُ المثقوب البراءة يتنفسُ غبار بكارته..عينه متعبة من الرمد الربيع الحال..ودالية العورات في أرق منه..وأبواقُ أوراق التوت عانقها صوت الرصاص الأخوي..
الهرمُ الداخلي هزمني.. رائحتي كرجل عجوز العاطفة..وجسدي التابوت اليانع الشّباب خسر من ذئب يرصدني بين الحاء وبين الباء..وعزائي هو دفتر الذكريات ذو الورق الأصفر…يواسيني بفاكهة الذي كانَ من رغبة الحياة.
شاعرٌ فطريٌّ ينشقُّ عن صخرة لم يذبّها بركان الغواية..يحصدُ نعشَ الدّخان السّرمديّ من أبجديّة الفطرة حتّى دمى مصطلحات الصّلصال..مسكونٌ في خوذي جندي شهيد..وفي وجه الحسن يوسف..مسكونُ في مقتل هابيل..مسحور من يمامة أرملة فوق قبر طفلها .. مرقوم الخيال مع حدائق بابل المعلقة ..منساقٌ نحو وردة تحت نقاب منسية.. موشوم في تراب أجنحة البراق..مشتاق للعذوبة سلوان والمسرى…
وبقائي بكرٌ متوجٌ في مراسيم حلمي..عفتي أغنية الحمائم..ومجرى النّهر المغازل عذراء الصفصاف..ربّما كنتُ تحديقُ عانس في ميراثها الجمالي العتيق..بعد معزوفة من سفر التقاليد..وحدها قصيدتي الراهبة رموشها بقرية الطول كنصل لفصاحة الحواس..والمقبرة الخائبة تخرسني للأبد في عناقها المجهول الشعور..خنجر في قلب الرؤيا..وجلد القصيدة في تجاعيد الفحوى قبورٌ تأكل بعضها لهواً..و الشعرُ ذنبٌ خارج السيطرة..شظاياهُ القصيدة السوداء.. مغفلٌ وُزَنَ القصيدةَ في غربال الجاهليّة ..وفرح بخريف المعنى..علقتْ في حواف شفاهه غبارها…وعبثاً حاول تجميعها ثانية ..ولكنها بكت هاربةً..وغدت مثل تنورة طارت بالرياح..والأعمى وحدهُ رأى جسمها المنقوش بالنمش .. أصدقائي الذين عاشوا على فتات ما ألقى الموج الحيّ..ضلّوا على هامش الحياة
هذا ما قرأتُ على قبر نملة عاملة.أ ثناء عبثي في تربة القصيدة.. فكلّ الكلماتُ بقايا أصنام هبل ..جفّتْ في فم التكرار..رمت غربانها معاني حالكة المعنى.
آثمٌ وآثمةٌ هنا..قديسٌ وقديسةٌ هنا..لا فرق حين يسبينا طوفانُ الشهوة العابر ..فالسوقُ الدنيوي هو جنازة الطّهارة..و عرّابُ الحبّ فقيرٌ باع ريش القصيدة الغزلية للصّدى..كاهليّ غبارها اليتيم.. ربّما يلتقطني بؤبؤ عين لأنثى ذات حين..وتغسلني ثانية في دمع الحياة…هي القصيدة
الشاعر العربي الفلسطيني أحمد عموري