قصة قصيرة:
بوزيان موساوي
عاد إلى بيته… دق الباب… فتحت له ابنته… سقطت مغشيا عليها.. سالته زوجته وهي تصرخ من الخوف و الدهشة حتى أصبح وجهها يشبه علامة استفهام:
ـ من أنت؟ .. هل لبست قناع زوجي لتخيفنا؟… لم يكن لزوجي توأم… و قد دفنت أب أولادي بالأمس..فمن أنت؟
أجابها ببرودة قاتلة:
ـ أنا زوجك… خرجت للتو من قبري.. لقد عدت.
أغلقت نصف الباب بعنف، و قالت:
ـ الموتى لا يبعثون إلا بعدما ينفخ في الصور.. و لم يحن الوقت بعد… إن كنت زوجي، اعطني إشارة، أو قل لي سرا لا يتقاسمه سوانا…
و ذاك ما فعل، فاقتنعت… و سألته مرتعشة و علامات الدهشة و الاستغراب و الشك و الرعب بادية علىها:
ـ كيف عدت؟ لا أفهم.. أنت ميت… انتهيت.. الطبيب و الفقيه و الأولاد و الأهل و الجيران و حفار القبور شهود عيان..
أجاب:
ـ لأني لم اجد مكاني هناك… فعدت.
سألته:
ـ هل أنت شيطان مارد؟ أم من الجن الطائر؟ أم سفيه، لعوب، غدار، نصاب و محتال؟
أجاب:
ـ بل لم أدرك حتى أن أكون حيوانا.
سألته:
ـ كيف؟
أجاب:
ـ بعد وفاتي.. انتظرت الحساب.. فما حاسبني أحد.. سلكت طريق الجنة فما وجدت اسمي مكتوبا على لائحة باب الموعودين بها… فقلت لنفسي : لا شك أنني من أهل الجحيم.. فقصدت جهنم، و لم أجد على اللائحة المعلقة على بابها اسمي…. سألت أحد جنود السماء: بالله عليك دلني… لست لا من أهل الجنة و لا النار قبلت بي حطبا.. أجابني: البشر وحدهم يدخلون الجنة أو يلقون سعيرا… قد تكون حيوانا… لكن أحد زملائه قاطعه و كان من المدافعين قيد حياته الأولى عن حقوق الحيوانات… قال: عفوا.. لقد سمعتك تقول عنه حيوان… لا نقبله في جمعيتنا… ليس ملاكا و لا شيطانا و لا بشرا و لا حيوانا… وجوده على الأرض كما هنا في السماء خطأ، ليعد من حيث أتى حتى لا تنتقل عدوى فصيلته لغيره..
لذلك عدت… ربما أسرتي و أهلي و أبتائي يعترفون بي و أعرف أنني منهم و هم مني… و أعتذر … لأستعيد آدميتي..
أجابته:
ـ أن تكون آدميا ليس حقا طبيعيا منذ الولادة.. هي صفة يكتسبها من يستحقها ..أنا الأخرى تساءلت طيلة عشرتنا إن كنت بشرا.. و لم تكن.. بل كانت الشياطين تتبرأ منك.. و حمدت الله أنك رحلت.. و يوم جنازتك أصبح عيدا نحتفل به خلاصا منك… عد من حيث أتيت.. من قتل نفسا واحدة كم قتل الناس جميعا.. و أنت مجرم قتلتني معنويا و قتلت كل من اقترب منك …
و أغلقت باب بيتها… ليرحل… و رحل إلى العدم الذي منه أتى في الأصل.
الكاتب المغربي خالد بوزيان موساوي