.jpg)
سماح القبيلي
جربْتُ منذُ أيّامٍ أن أخسركَ …أن أجرّبَ شعوري حينَ أخسرُكَ..
بكيْتُ …نعم بكيْتُ كثيراً ..استيقظتُ ليلاً وعلى مدار أيّام طويلةٍ وبكيت
كنْتُ أبكي في الحافلةِ دونَ أن أهتمَّ لنظراتِ النّاسِ المتسائلةِ عن سبب بكائي ( ربّما خانها زوجها ربّما والدها مريضٌ أو ربّما
استشهدَ أخوها.)..
كنْتُ أبكي وأنا أشرحُ لطالبٍ قاعدةً لغويةً دونَ أن أهتمَّ لنظراتهِ الخجولةِ حينَ ظنَّ أنّني أبكي لأنّه لم يفهم ما شرحْتُ
كنْتُ أبكي وأنا أساومُ البائع على ثمنِ كنزةٍ خضراءَ ( تعرفني أحبُّ اللّونَ الأخضر) ربّما كان يعتقدُ أنّني لا أمتلكُ ثمنها …هو لا يعرفُ أنني أمتلكُ نقوداً لكنني لا أمتلككَ ..فقد فقدتُكَ في لحظةِ غباءٍ عاطفي
كنْتُ أبكي وأنا أتابعُ تمثيليّةً دراميةً سخيفةً غيرَ عابئةٍ بسخرية أخي الذي لا يعلمُ شيئاً عن كل تلك السّيناريوهات الدّراميّة الّتي تدور في رأسي ولا أستطيع أن أختارَ سيناريو واحداً فقط يليقُ بامرأة مثلي قرّرَت في لحظةِ غباءٍ عاطفي أن تخسرَ حبيبها ..فصارَت تبكي بغزارة حتّى راح بصرها أو ربما دهستها سيارة وهي تمشي في الشّارعِ شاردة اللّب دامعةَ العينِ ،أو ربما قرّرت أن تموتَ اختناقاً بالغاز ..فتحت أسطوانةَ الغاز وفكّرت لمَ لا أدخنُ سيكارةً تكونُ الأولى والأخيرة؟ ..وحين أشعلتها اشتعلَتِ النّيران في المنزلِ وانتهى المطاف بها امرأةً محروقةً القلب والجسد لأنها قرّرت أن تخسر حبيبها في لحظةِ غباءٍ عاطفي ..(أيُّ سيناريو يا ترى يليق بامرأة مثلي ؟)
كنتُ أبكي وأنا أتخيلُ سيناريوهات موتي المأساويّ وكنت أبكي أكثر حينُ أفكّرُ كيف ستتابعُ حياتَكَ بعدي دونَ أن تعبأ بامرأةٍ مثلي قرّرَتْ أن تخسرَ حبيبها في لحظةِ غباءٍ عاطفيِّ ..
فجأةً …..
توقّفَ البكاءُ..توقّفَ تماماً كما يجفُ صدرُ أمٍّ قد مات وليدها منذ أيّامٍ ولم يبقَ منه إلا بقايا الملحِ المترسّبِ في قعر القلب.
وكم ضحكْتُ
حين أخبرني صديقي طبيبُ العيونِ العجوزُ أن عينيَّ الآنَ بعدَ كل ذلكَ البكاءِ صارت أكثرَ صفاءً ولمعاناً وكأنّ سحراً عجيباً قد أبعدَ تلكَ الغشاوةَ عنهما ..قال: ( يمكنك الاستغناءُ عن نظارتكِ الطّبيّة عيناكَ الآنَ صافيتانِ كسماءِ قريتنا وسهامُ لحظكِ ستفتكُ بقلوب الرّجال)
وكم ضحكْتُ
حينَ أخبرني صديقي مصمم الأزياء المعروف أنني قد فقدْتُ مع تلك الدّموعِ كل الغرامات الزائدة في وزني وغدا جسدي الآنَ رشيقاً وجميلاً ونحيلاً كعارضاتِ الأزياءِ… وشوشَ في أذني ضاحكاً:( سأصمّمُ فساتيني الثّمينة على مقاس خصركِ )
و ضحكْتُ أكثرَ
حينَ قال لي صديقي الّذي هجرَ تدريسَ اللّغةِ العربيّةِ إلى عالم الموسيقا بعدَ أن أدركَ أنّ الموسيقا لغةٌ سماويّةٌ ترفعُ وتنصبُ وتجزمُ بإيقاع القلبِ فقط بعيداً عن حروف النصبِ والجزمِ ..ولا تهتمُ بعلمِ الصّرفِ إعلالهِ وإبدالهِ لا تحتاج محسناتٍ بديعيّةً ولا صوراً بيانيّةً هي لغةُ إعجازٍ تتجاوزُ المجازَ …دندنَ في أذني لحناً ناعماً وقالَ:(بحةُ صوتُكَ الآن حلوةٌ كقطعة موسيقيّةٍ نادرةٍ لربّما كان البكاءُ دواءً سحريّاً أخذَ تلك الغصةَ الّتي كانت تسدُّ حلقكِ …سأنظمُ لك لحناً عذباً كصوتِكِ.)
كم وكم ضحكْتُ..
نعم خسرتُكَ لكن انظرْ إلى كلّ تلكَ المكاسبِ الّتي سأجنيها بعد خسارتِكَ
فبعضُ الخساراتِ مكاسبٌ ومرابحٌ ..
لكنّني أحبّكَ ولا أهتمُّ لكلّ تلكَ المكاسبِ التي سأجنيها في لحظةِ غباءٍ عاطفيِّ














