مشروع صامت
نص مونودرامي.
تأليف: خلف عامر
المشهد الأول
*الشخصيات: “بصير”، ممثل وحيد.
*الديكور: قطار يأخذ نصف مساحة خشبة المسرح شبابيكه مطلة على الصالة، فيها صور ركاب من كرتون
وشاشة كبيرة في زاوية المسرح اليمنى يراها كافة الحضور, همهمات غير واضحة بسبب تداخل الأصوات مع موسيقى صاخبة, تارة يغيب الضوء المسلّط على القطار، وتارة يبهت، وتارة يختفي، أصوات مبهمة من ركاب القطار تتعالى، ثم تخمد وتعود بقوة، مع صفير القطار.
أربعة أشخاص فوق القطار في وضعية متعاكسة على تمثل الجهات الجغرافية، تختلط الموسيقى مع الآهاااات والزفرات مع صوت صفير القطار.
الصالة والمسرح في حالة إظلام تام، و”بصير” يركض وهو يحمل” بيل”، ويدور حول الأشخاص الأربعة، يسلّط الضوء على وجوههم، ثم ينزل إلى الصالة، يسلّط الضوء على الحضور كمن يتفحّص الوجوه، ثم يلّسط الضوء على السقف،ويصرخ: ماهذا اللغط، غير المفهوم ؟!
“وهو يهز بعض الحضور من أكتافهم.”
– أتسمعون ما أسمعه؟!
– “يضع يديه على أذنيه وهو يردد”:أم وحدي الذي أسمع هذا اللغط؟!
– أفتوني، قبل أن يظهر جنوني!!!
– السماء تختنق بهذا التلوث السمعي والبصري.
“يتابع صراخه في وجوه الحضور ليحثهم على الإجابة عن تساؤلاته” :
– يااااااااالله ماهذا الأنين ..؟!
– لاروح في جسدي تتحمل كل هذا الوحع!!!
– يا إلهي ماهذا.؟!
-أين أنا.؟!
-لِم أتيت إلى هذه المحطة. ؟!
– مابال القطار لايتحرك.؟!
-أين أنتِ ياحبالي الصوتية.؟!
-أين أنتِ.؟!
“وهو يشير بالضوء لشاشة العرض والشخوص الأربعة فوق القطار”:
– أنا ما أتيت إلا لُاحرككم.
“يصعد على الخشبة ويدور حول القطار،يهز الركاب بيديه،
ثم يتقدم إلى أول الخشبة مخاطباً الحضور”:
– انظروا.!!!!
-انظروا
– يا إلهي لا أصدق.
– الركاب صم بكم .
-“لأحد الركاب”: لِم لا يتحرك هذا القطار ؟!
– صوت هديره وهو جاثم على قلب السكة يزيد نزقي وقلقي!!
“يضع يديه على أذنيه، ثم يحرّك ركاب القطار من الشبابيك كمن يحدث نفسه”:
– انطقوا…انطقوا.
-أهذا هو الحاضر، الذي سينطلق نحو المستقبل.؟!
– هههههههه وأنتم صُناع الحاضر؟!
– أشك …وشكي يقين…
“يضرب بيده على جبينه ويصرخ:”
– عن أي حاضر تتكلم أيها الأبله.؟!
– اِصح!!
وهو يضحك بجنون كمن يخاطب ذاته”: عن أي مستقبل تتحدث.؟!
ينزل إلى الصالة وهو يصرخ:
– أتحدى زرقاء اليمامة أن ترى شيئاً أبعد من أنفها، هذا إذا تمكنت من رؤيته، في جو التغييب الممنهج.
– ياااااااا الله، كأني أرى النهار يرتدي وجه ليل الثكالى.
يحاول دفع القطار وهو يردد:
– تحرّك أيها القطار.
– انطلق نحو النهار.
“يلطم وجهه وهو يضحك ويبكي معاً ويتقول”:
– ههههه أين أنت هااااااا…!!!!
– إن وجدت نفسك دُلني عليها ولك الحلوان، “يتابع وهو يبكي بشكل هستيري.
– إن لم نعمل كيف نودّع الملل والرتابة والقلق والجوع والخوف ووووو….؟!
– مااااالها عيناي؟!
– كما القطار طَلّقت الرؤيا.؟!
“يضع يديه على رأسه، كمن يبحث في جمجمته وهو يردد:
– أين أنا مني.؟!
– أين أنت يا أفكاري.؟!
– عندما لَمَعَتْ الفكرة، رَكَضْتُ نحو القلم.
– ياالله لاحبر فيه، لقد بكى مدوناً بآخر قطراته كلمات شَلّها الأسى.
– يبدو أنها كغيوم الصيف لاتمطر.
“يسلط الضوء بمرافقة موسيقى مناسبة على “بصير” في مقدمة خشبة المسرح وهو يؤشر بيديه ويصرخ:
– “أبا …أبا …أبا، وهو يُخرج من إبطه مسجلة كانت تسرد الحوار بدلاًعنه، كدلالة على أنه مُخَرّس أوسُجِن صوته”.
أبا…
أبااااااااا…
أباااااااااااااااااااااااا.
“بمرافقة الضوء وموسيقى مناسبة، يدور محرك القطار ويُطلق صافرة قوية، ويصدر عنه دخان كثيف، يغطي المكان،
يركض “بصير” كـــــ “دونكيشوت” ملوحا بسيفه محاولاً قطع حبال الوهم، ثم يعود إلى خشبة المسرح وهو يلوح بسيفه الوهمي، ليقطع دخان القطار.
يعود إلى مقدمة المسرح وهو يضرب المسجلة على الأرض عدة مرات بيديه وقدميه وهو يصرخ بحدةٍ”:
– متى يخلعُ الموتى الأحياءُ رداءَ الخوفِ والتّردّدِ، ليعودوا إلى الحياةِ عبرَ نوافذِ الحاءِ والباءُ. ؟
– لم يكن هذا صوتي؟!
– ولن يكون.
– أنا أبا…
– أبااااااااا …
– أبااااااااااااا… بالإيعاز.
الآن …الآن…تذكرت مَنْ أخرسني.
يسلط عليه الضوء حين يجلس وسط الجمهور، يختفي الضوء والصوت.
“ستار”
*(المشهد الثاني)
في القسم الثاني من خشبة المسرح هياكل آدمية متناثرة، تمسك هواتف ذكية وساعات ولابتوبات، شخص يلتقط لنفسه سيلفي.
بصير: “الضوء يسلط على “بصير” وهو يدور حول الهياكل الآدمية المتناثرة على خشبة المسرح بمرافقة موسيقى مناسبة وهو يصرخ بقوة” :
يااااااااهي…
ياناس هل أصابكم الصمم والعمى.؟!
أين حركتكم. ؟!
عجلة الحياة تدور لاتتوقف، وأنتم في غيابة العالم الافترائي.
طاب لكم لطش نتاجات الآخرين، ونشرها على أنها نتاجكم.
والشهادات الممنوحة لكم على الفيس ضخّمت فيكم”الأنا”.
والتناحر في تويتر، وإثارة الفتن، والتخوين.
ماذا نختلف عن القطيع.؟!
ماذا نختلف عن الجمادات.؟!
ياااااهي الحرائق أتتكم، تحركوا كيلا تلتهمكم ألسنتها.
“ينزل إلى الجمهور متسائلاً”: ماذا فعلت بكم العولمة المقيته.؟!
في أي وادي رمتكم؟!
” يرفع الهاتف النقال عالياً بمرافقة موسيقى مناسبة للحالة وهو يبكي ويقول”:
لقد فككت البيت الواحد.
وشاركتنا في لقمتنا.
قدمناك على دواء، وألبسة أولادنا، نستدين، ننصب، كي نطعمك.
أنت الداء الذي تمدّد فينا بشكل مخيف.!!!
متى نستيقظ من سباتنا.؟!
متى نرمم ذواتنا؟!
هناك من سعى لتغييبكم، وفق خطط مدروسة ليشتت المرء عن ذاته.
انظروا: “وهو يشير إلى الشاشة, تعرض صور لأشخاص أشبه بالنيام على الهواتف النقالة”.
ويتابع وهو يبكي:كيف نطوّر المكان، ونحن على هذا الحال.؟!
– كيف؟!
– كيييييييف.؟!
– بعثرتني الريح على جمر الانتظار.
– فلا جواب بصوتي ولا قرار.
“وهو يبكي بحرقة ويصرخ”:
– مُخَرّس أناااااااااااااا.
*ستار