وفي مقهى الحجازِ جلستُ وحدي
أراقبُ دورة الساعاتِ عندي
وأفكاري مشرّدة الأماني
تشاكسُني على قلقي وتبدي
ولما أنْ أتيتِ وضاعَ نشرٌ
ضحكتُ وعضّتِ الأنفاس جلدي
وأمطرتِ السماء بكل حبّ
وفاض بناره في القلب وجدي
وأقلق دربُنا خطواتِ صمتي
ولفّ رذاذهُ بتلاتِ وَردي
أتتني حين غابّ الصبرُ عني
وكسّرتِ الملالَ وجورَ سهدي
وفي يدها بقايا كأسُ ليلٍ
به كتبَ الهوى إنجيل ردّي
وبعض قصائد تحكي رؤاها
بها يبكي البكا لرحيلِ سَعدي
وكانت تحتسي فنجانَ شعري
وفيها أحتسيني دونَ قصدِ
تدورُ عيونها حولَ انبهاري
وحولي أرتمي فيثورُ حدّي
أضيع بجزرِ عينيها وأصحو
ويخفيني الجنونُ بثوبِ وَقدي
وتسكرُ لحظتي ويدي تناهتْ
صلاة القربِ من يدِها تؤدّي
تبوحُ عيونُها وأنا ارتقابٌ
وتغرقُ مقلتي ويجيشُ مدّي
أحاولُ أنْ أقولَ بما اعتراني
وتنطقَ عينها قبلي بجدّ
أنا الحبّ المعتقُ من زمانٍ
نساهُ بحانةِ الأيام قيدي
أنا نهرُ الضفائر حين يجري
تفيضُ بمائه عتباتُ سدّي
أنا جيدٌ أجيد لكل فنّ
ويمنحُ خمرة الألوان نهدي
وبي روحٌ معطلةٌ بهمٍّ
وعشريني انتهت من عهد جَدّي
شبابي لفتة نظراتُ شوقٍ
تحدّق بي ويفضحُها التصدّي
أنا ضيّعت من زمني زمانا
به كان الزمانُ يحوك بُردي
وكنتُ أقلّبُ الدنيا بكفي
وأطردُ عن مسارِ الروحِ بَرْدي
وأسعى في مطاردةِ الأماني
وأشرب منْ معين الحرف شَهدي
رسمتُ حدودَ ذاتي واتّجاهي
لأبني في سماءِ اللهِ مَجدي
وأكتبُ من صراع الروح شعري
وأفرشُ للنهارِ الحلو قدّي
أنا هذي مواسمُ من عطاءٍ
لكلّ جميلةٍ بالخير أهْدي
بروحي قد تغلغلتِ الخفايا
ولوّحَ في بريقِ الجيدِ عِقدي
وظلّ الشعرُ يمطرُنا سجالاً
وعيني صرّحت بجميلِ قصدي
وكانت بي تحدّق وهي خجلى
وأقلقها الحضورُ وطولُ رصدي
رنَتْ لهفى وحمرة وجنتيها
خلتْ ما كنتُ أعرفه بِرَدّي
سرحنا حيثُ ضِعنا في مدانا
وصاحَ بهيكلِ الأضلاعِ رَعدي
وضِعنا في جذاذاتِ الثواني
وأبصرنا المدى بعيونِ صدّي
أقولُ تقرّبي وتقول أخشى
ولا أهوى سواها في التحدّي
لها صلّى العبيرُ على الروابي
وفاضَ بطيبهِ في الكونِ رَندي
أسبّحُ باسمك الأغلى بروحي
ولا يثني نداءَ القلبِ حمدي
لمثلكِ منْ لها بالوصلِ أسعى
فمثلي أنتِ بالتقريب جدّي
أريدكِ أنت أمنية اعتكافي
وغيركِ لا يروقُ لذاتِ خُلدي
ولما أنْ مشينا في زقاقٍ
وطوّقَ خصرَها بالطوقِ زندي
وفارتْ لحظة وعوى اشتعالي
وصاحتْ غيمة يا أنتِ شدّي
وقفنا وانتبهنا أنْ سنمضي
وأني لنْ أظلّ الوقتَ وحدي
*
٢٩/١٠/٢٠٢٢ دمشق