قبل الدخول الى فحوى المقالة .. نتساءل هل تخلق القناعة بما نكتبهُ وحدها بطلاً ، ام ما نقدمه هو نتاجات عينية مشروطة بطابع الجدل فقط ، ضمن استعارة المتحولات المضللة .. ؟؟
هنا تغدو المسافة بين ما يقوله المثقف وما يمارسه شاسعة الرؤى وبحكم فقر تقاليدنا الثقافية والدمار والخراب الروحي والفكري الذي حل بمثقفينا خلال سنوات التلفيق والتشتت التي اعقبت الانقلابات والصراعات الفكرية وتأزم الموقف الثقافي والأدبي بشكل عام وعدم وجود الشروط المادية الأولية في نشوء ثقافة ثورية مستفيضة بفعل عدم تكامل صيرورة الجدل الفكري الصحيح بين أطراف الطبقات الإجتماعية وضياع الطبقة الفاعلة في المجتمع وهي الطبقة النخبوية المؤثرة التي عملت ضمن سلسلة التعقيدات السياسية بين هذا الحزب وذاك . وبما أن المجتمعات قد عجزت عن السيطرة لذا أصبحت الابجديات في جمود وركود فكري مضمحل وباتت في هشاشة ، واصبحت ابجديتها في اطار الاستبداد ، وبالتالي اضحت الثقافة المسماة بالثورية تصنع في مراكز محو الأمية ومدارس واكاديميات المال ما يمكن تسميته بالثقافة التلقينية المختومة بطابع الإيمان السابق للمعرفة ، واقول معقباٌ أن هذه الثقافة تموت فيها الصورة الحية وهي التعبير الناجز عن الحقيقة والممارسة ، لا تثق بالنتيجة المتلازمة . وتبرز الصورة التقريرية الرسمية سواء في العلم او الفكر او الأدب .. لقد مارست هذه الثقافة وصايا حصرية على الآخرين ، وبخاصة على المثقفين غير المتعاملين رسميا ، فاستخدمت الأساليب التي تمهد الطرق والأسس لإيجاد ثقافة سطحية محددة ، كما أن لدى الشخص المعين القوة المحركة لأفعاله – الدافع – التي لابد أن تمر في ذهنه وتتحول إلى – فعل – أو محركات لإرادته ، كذلك الأمر بالنسبة للثقافة الرسمية فأن جميع النتاجات ينبغي ان تمر بأراده الدولة المتزنة التي فرضت نفسها وصياً شمولياً . وهذا هو الجانب الذي يجعلنا نفهم لماذا أصبحت نقابات الكتاب والأدباء والصحف والمجلات ووزارة الثقافة والإعلام ، تكايا للمبتدئين والباحثين عن النشر ومكافآته.
وقد يعترض معترض على طرح المسألة بهذا الشكل ، ويتهمنا بالعمومية والتجريد الشديد ، فهو يرى كما لو أن هناك بعض الاستثناءات . والواقع أنه هناك استثناءات عدة ، بيد أن المسائل كما يقال لا تؤخذ بجماعها ( والواقع أن اللحمة الاساسية للثقافة منسوجة من العلاقات والتفاعلات بين مصالح الطبقات ذاتها ) .
المثقف العربي في درجة معينة من المواقف التزم وضعه في خانة المصالح والغايات تاركاً غذاءه الصحيح في معطيات وحيثيات الضرورة وكأنه جنيناً يبحث عن مشيمة اخرى ، صحيح أن الفكر لا ينفصل عن مادة الحياة ، ولا يبقى معلقاً في الهواء ، لأنه يستمد من التجارب والاتصال بالتاريخ وبالمطالب اليومية للناس ، إلا انه صحيح ايضاً ان تجاوز فترات التاريخ وتعاقب الحوادث ، جعل الأخيرة تتلو بعضها إلى ما لانهاية ، هو منتهى انفصال الفكر عن عثراته وأخطائه . ووقوع في الفكرانية اللا ادارية ومساواة بين الوعي واللاوعي . ( لقد استطال الزمن اللاوعي وما نزال لحد بعيد فيه ) . ان العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع ، الوعي والمادة ، واعتبار التاريخ والمجتمع جدلاً لا ينقطع ، هي مهمة الوعي وقاعدته ، وايجابية المثقف تنبع من المساهمة في تعميق الوعي في عملية التطور عن طريق كشفهم عن الظروف الموضوعية ووقوفه وجه الاستبداد والاستحواذ السلطوي الدكتاتوري ، الثقافي الذي يريده المثقفون الرسميون وبذلك يعطي الإنسان إمكانية التحرر الفعلي . فماذا فعل المثقف المعاصر الرسمي ازاء ذلك . أنه ادرك ضرورة تجنيد قلمه للحكام والمصالح والمكاسب النفعية ، من خلال سعيه لخدمتهم ، فأسهم في مصادرة الحرية . والحرية هي وثيقة اتصال بالموقف ، واعطاء للمصالحة الشخصية مسوغات فرضياته التي ينادي بها ، فالصحفي والشاعر والكاتب والأديب الضالع في اللعبة معزول جماهيرا ونفسياً وفكرياً عن الشعب . وتشير إليه أصابع الاتهام بالخيانة والتواطؤ ، وفي اقل الفروض بالمحسوبية ، اما الآن ،
وفي عهود التحرر والاستقلال والديمقراطية والشعارات المبرزة تصنف الأمور كما يلي ( الملتزم ، الصديق ، الحليف ، المناضل ، الموهوب ، الوجه الادبي … الخ ) وعليه فان تطور الوعي ينكشف في مسألة واحدة ، هي الحقيقة ، ولما كانت تلك الحقيقة مفقودة ، بل ضائعة. يصبح الوعي أداة زور او ينعزل . لكل مالم ينشر في الصحف والمجلات الرسمية وغير الرسمية ومواقع التواصل الاجتماعي هو معزول قهراً وجبراً ، وكل من لم يصفق مع الجوقة ولا يسهم في الواقع الظاهري على السطح ، أو الواقع الباطني (أعمال خاصة ) لا يستطيع ان يكشف وعيه وبالتالي يعزل عن الممارسة ، فيسقط شاء ام ابى في حجره بالقدر الذي تحدث فيه التناقضات داخل البنية السلطوية والبنية الاقتصادية ، تبرز على السطح بالقدر نفسه تبرز المبررات لدى المثقفين ضمن لعبة إتقان مقولات جاهزة مسبقة ( نسخ ولصق )
#مازن جميل المناف
كاتب و شاعر عراقي