د . / . عبد الله أحمد
لقد أصبح الإنسان سلعة رخيصة الثمن، في زمن التفاهة والانحطاط”
قد نتفق ما قاله لان دونو عن التفاهة وامتداداها وسيطرتها على العالم، فعصر التفاهة نعيشه اليوم بكل تجلياته، حيث تزداد فيه التفاهة تجلياً من خلال ظاهرة الانحطاط الكبير الذي وصل إليه العالم سياسياً وفنياً وأدبياً. بدءاً من الحقل السياسي وصعود شخصيات شعبوية تافهة أخلاقياً، وتصدّرها للمشهد السياسي العالمي العام، مثل دونالد ترامب أميركا وبوريس جونسون بريطانيا، وبقية شخصيات الشعبوية السياسية الحاكمة للمشهد السياسي الراهن في معظم بلدان العالم الديمقراطي.
في هذا العصر، يا لسخرية القدر ، لا لزوم لهذه الكتب المعقدة. لا تكن فخوراً ولا روحانياً، فهذا يظهرك متكبراً. لا تقدّم أي فكرة جيدة، فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة، وسع مقلتيك، أرخ شفتيك، فكر بميوعة وكن كذلك. عليك أن تكون قابلاً للتعليب. لقد تغير الزمن، فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة.
، فالعالم كله مُقدم على عصر التفاهة الكبير، كما تنبئ بذلك كل التوقعات التي أمامنا، وفي القلب من ذلك بلاد العرب ما بعد الربيع العربي، والنتائج التي آلت إليها الثورة العربية الديمقراطية الكبرى. كما تجلّى استمرار تجليات هذا المشهد العام للتفاهة اليوم خليجياً أيضاً، في صورة الأزمة الخليجية وتجلياتها، السياسية والإعلامية، والفنية. وما نشاهده على وسائل التواصل الاجتماعي عن حجم السقوط والانحطاط والتفاهة التي تتسيد هذه اللحظة، من شخوص وأفكار وتوجهات وسياسات.
ما تشهده البشرية اليوم من سقوط على كل المستويات، وتراجع في قيم ومكتسبات فلسفية
كثيرة، وقد أصبحت تطبيقاتها القانونية والأخلاقية والسياسية، اليوم في محل اختبار حقيقي أمام موجات التافهين الذين أصبحوا مسيطرين على قمرة القيادة، ودفة السفينة البشرية المعاصرة.
يقول لان دونو : “وفي القلب من عاصفة التفاهة الراهنة يقع العرب، ويقدّمون أنفسهم وذواتهم وحاضرهم ومستقبلهم بأحط أنواع التفاهات والانحطاط، من ضياع وانهيار دولهم الوطنية، حتى موت قيمهم العروبية والإنسانية تجاه بعضهم بعضاً، وتجاه ذواتهم ومصالحهم، ففي عصر التفاهة لم يعد أحد يفرّق بين مصلحته ونقيضها. الكل يعمل ضداً حتى لمصالحه الخاصّة، في ظل شيوع حالة السطحية والتفاهة الحاكمة للأفكار والأذواق والأنساق والأنماط المعاصرة للتفكير والقرار .انظروا من حولكم ماذا ترون في عالمكم العربي الكبير، المقسم والمجزوء، والغارق في حروب داحس والغبراء. العربي وحده اليوم مادّة وحيدة لأخبار الحروب والكوارث والمجاعات والصراعات. وحده اليوم مادّة للتندر والسخرية، فما بالكم والعربي نفسه هدف لكل هذه التفاهة الحاكمة من حولنا من واشنطن، مروراً بلندن، وصولاً إلى عواصم عربية محكومة بعصر الميديقراطية المزدهرة.”
انظر إلى الإحداث المحيطة بنا والى الفوضى والعبثية والسفسطة على مواقع التواصل ، صبي تافه يعيش في قبو في أوروبا يقود جمعاً من المعجبين اللذين لم يتعلموا القراءة بعد، لكنهم قطيع يصفق …وكلمة من راقصة تلقى الترحيب و التصفيق بينما لا يهتم أحد بالفكر والمعرفة والفلسفة ، وتاجر ديني هناك،ومبشرة لدين جديد في مكان آخر…..يتكلمون في أشياء سطحية وتافهة ، ويصفقون للشيء وضده ….وهكذا يهمل كل شيء ذو قيمة ….ويسود عصر التفاهة والبدع .
لكننا بدأنا بهدم الهيكل …هيكل التفاهة بكل أبعاده الدنية والفكرية والسياسية…و إعادة تشكيل الوعي الجمعي حتمية …فالمعرفة طريق ووسيلة .