يحتل الجذر الثلاثي (علق) بصياغاته المختلفة مكانة عظيمة في حياة الانسان، فيحيل الى جملة من الاشتقاقات التي ترتبط بشكل جوهري في محطات حياة الانسان إنطلاقا من (العلقة) مرورا ب (العلاقة والتعلق) وانتهاء ب (العلوق).
تفصح هذه المفاهيم عن حالات لها مساحتها الواسعة في حياتنا، ولا ابالغ اذا قلت ان حياتنا بكلها تدور حول الاصل (علق).
تحيلنا العلقة الى الصيرورة والهوية في اضعف محطاتها، وهي تشخص وجودي مستعد لاستكمال مسيرته الإنمائية، حيث نكون بعد تجاوز محطات متعددة ال (نحن)، كما تطبعنا العلقة بمياسمها الوراثية وخصائصها الجينية، ورغم ان النطفة اسبق في التشخص التكويني من العلقة، لكن لا تعد مرحلة من الهوية الخاصة بذات التشخص الذي تحمله العلقة في مسيرتنا.
من العلقة الى العلاقة، حيث تبدأ رحلة الاقتران بالوجودات على انحاء مختلفة عبر شبكة معقدة من الامتدادات والتشابكات، إذ يمكن ان نعرف حياتنا على انها (شبكة من العلاقات)، بل شبكات من علاقات قهرية وطوعية، من علاقات بإختيارنا واخرى تفرض علينا.
طرح في اكثر من حقل معرفي سؤال: ماذا لو كنا بدون لغة او ماذا لو فقدنا اللغة، لكن لم يطرح سؤال : ماذا لو كانت الحياة بلا علاقة؟ او ماذا لو فقدنا جميع علاقاتنا بكل شيء وبقينا فردا مجردا منقطع الصلة عن كل شيء، هل يمكن تصور الحياة في ظل هذه الصورة؟
يأخذنا (التعلق) الى مديات اعمق في ارتباط الانسان بعوالمه المحيطة مادية ومعنوية، وينزلق بنا نحو ارتهان التعلق، فنقع أُسارى العلوق، إذ نغدو عالقين مجردين من القدرة على الحركة او محدودي الخيارات، او خائفين من التداعيات… الخ.
ما بين العلاقة والتعلق والعلوق تنسج سردية الحياة بتفاصيلها والتي لم تنال حقها من الاسئلة الاستكشافية الضرورية، فلماذا العلاقة، وما هي حدود الحاجة لها، وهل ان التعلق مقدمة العلاقة ام نتاجها، ولماذا نتعلق بهذا الوجود دون ذاك، وهل ان التعلق فطرة انسانية ام خيار وجودي، ثم اسئلة العلوق، والتي تحيلنا مباشرة الى اسئلة المسؤولية، فإلى اي مدى نحن معذرون عن علوقنا، واي العلوقات لابد ان نكابد وايها لا بد ان نكافح، وهي ان العلوق ضروريا لكي ندرك فلسفة الخلاص.
الفسلفة الخلاصية بكل ما فيها من فكرة الخلاص ومكانة المخلص وآلية الخلوص، ترتبط جوهريا بالعلاقة والعلوق، وفي ما بينهما تنسج منظومات المسؤولية الفردية والجماعية عن كسر طوق العلوق الى دائرة الخلاص.
وعلى الرغم من ان الجذر (عقل) يحيلنا الى منظومة مفاهيم اخرى إلا ان هناك ترابطا جدليا، ما بين كينونة كل من الجذرين اي (علق وعقل)، فل (عقل) مكانته المحورية في العلاقة والتعلق والعلوق بل والخلاص من خلال التعقل، وهنا يحيلنا هذا التشابك على مكانة التعقل في التعلق والعلوق ثم الخلاص.
يدهشني هذان الجذران لحجم المفاهيم والقضايا التي يحيلان عليها ولها، فيختصران سردية الانسان من اولها لآخرها، فنحن ما بين ال (علق) وال (عقل).
ارجو ان تكون هذه الاضاءة مفتاحا للحظات من تأمل اعمق