حوار مع نزار قباني
بقلم: غريد الشيخ
سرتُ في حارات دمشق الضَّيِّقة، ووصلتُ إلى سوق البزوريَّة؛ أكثر أسواق دمشق تأثيراً في الأنف والنفس معاً..
تعبقُ روائح الفلفل والقرفة والورد والعُصفر وعشرات الأعشاب الطَّيِّبة الرّائحة واللّون.
اقتربتُ من البوَّابةِ الخشبيّة الصّغيرة، وقبل أن أطرقها انفتحَت دالة أنَّ أحداً ما في انتظاري..
سمفونيّةٌ من الضّوء والظّلّ والرّخام بدأت تستقبلني.. ها هي شجرة النارنج كما حَدَّثَ عنها تحتضنُ ثمارَها.. والدَّاليةُ حامل.. أمّا الياسمينة فقد ولدت ألفَ قمرٍ أبيض وعلَّقَتْها على قضبان النوافذ..
اقتربتُ من البركة في وسط الدّار، ما زالت أُسُودُ الرّخام تملأ فمَها بالماء وتنفخه.. وردٌ بلديٌّ أحمر، وليلكةٌ تُمَشِّطُ شعرَها، وعشرات الورود الدّمشقيّة المُتَنوِّعة الألوان والعطور تفاجئني من زاوية إلى أخرى.
نزلتْ بضعُ حمامات إلى السّاحة، وبدأتْ تتجوَّلُ باطمئنان وسكينة..
سعلةٌ خفيفةٌ صدرَتْ من وراء أحد الأبواب، دخل نزار قباني مُرَحِّباً: أهلاً بك.
قلتُ وأنا أنظرُ بإعجابٍ حولي: أخيراً رأيت الدَّارَ الدّمشقيّةَ التي طالما قرأتُ عنها في شِعْرِك ونثرك.. نظر حوله باستمتاع كليٍّ وهو يقولُ مفتخراً:
وُلِدْتُ في دمشق
بين خصاصِ الفلّ
والخبّيزة الخضراء
والنّرجس
والأضاليا
ولم يزلْ في لُغَتي شيءٌ من القرفة والكمون، والبهار
نعم.. ضمن هذا الحزام الأخضر ولدتُ وحبوتُ ونطقتُ كلماتي الأولى، تَخَيَّلي أن يكونَ قَدَرُ الإنسان أن يصطدمَ بالجمال يومياً.
سألني فجأة: هل تظنّينَ أنَّ في العالم عطراً يفوقُ عطرَ بَيتنا؟!
هززتُ رأسي بإيجاب، فقال: بيتنُا هو واحتي، مشتايَ ومصيفي.. إنَّه صديقي الدائم.
قلت: مظلَّةُ الفيءِ والرّطوبة كما تُسَمِّيه؟
نزار: بالضبط.. هذا البيت المظلَّة تركَ بصماته واضحة على شِعري، كما تركت غرناطة وقرطبة وإشبيلية بصماتها على الشِّعر الأندلسيّ.
سألته: والعالم الخارجي، بماذا أثَّرَ فيك؟
نزار: المنزلُ كان بالنّسبةِ إليّ هو حدودُ العالَم، لقد استحوذَ بيتُنا الجميل على كلِّ مشاعري وأفقدني شهيّةَ الخروجِ إلى الشارع.
قلت: إذن فالدّارُ هي المفتاحُ لشِعرِك، والمدخل الصحيح لفهمه.
نزار: نعم إن اللّغة الشّاميّة التي تتغلغلُ في مفاصل كلماتي، تعلَّمْتُها في البيت المظلّة، فقد امتلأت طفولتي رطوبة، ودفاتري رطوبة، وامتلأت أبجديتي رطوبة.
قلت: إنَّ قصائدَكَ هي حدائق مليئة بالألوان والعطور والهمسات.
نزار: لأنَّ آلاف النباتات الدمشقيّة، هذه التي ترينها أمامك، ما تزال تتسلّقُ على أصابعي كلّما أردتُ أن أكتبَ.. إلى كلّ فنادق العالم التي دخلتها حملت معي دمشق، ونمتُ معها على سرير واحد.
قلت: كتبتَ كثيراً للشّام وطبيعتها؟
قال: أنا أعشقُ الطبيعة، وخصوصاً طبيعة دمشق التي انتقلت معي في كل مكان أذهب إليه، لكنَّ الطبيعة كعالم منفصل لم تلعب في شعري دوراً هاماً، فالإنسان بالنسبة إليّ أهم منها وأقوى حضوراً.. اسمعي ما قلت:
لقد كتبنا.. وأرسلنا المراسيلا
وقد بكينا.. وبلَّلنا المناديلا
قل للذين بأرضِ الشّامِ قد نزلوا
قتيلُكم لم يزلْ بالعشقِ مقتولا
يا شامُ.. يا شامةَ الدنيا، ووردتها
يا من بحُسنِكِ أوجعتِ الأزاميلا
وَدِدْتُ لو زرعوني فيك مِئذنةً
أو علَّقوني على الأبواب قِنديلا
يا بلدةَ السبعةِ الأنهار.. يا بلدي
ويا قميصاً بزَهْر الخوخ مشغولا
ويا حِصاناً تخلَّى عن أعِنّتِهِ
وراحَ يفتحُ معلوماً، ومجهولا
هواك يا بَرَدى، كالسيف يسكنُني
وما ملكتُ لأمر الحُبِّ تبديلا..
.. يا من على ورق الصفصاف يكتبني
شِعراً.. وينقشني في الأرض أيلولا
يا من يعيدُ كراريسي.. ومدرستي
والقمحَ، واللوزَ، والزُّرْقَ المواويلا
يا شامُ.. إنْ كنتُ أُخفي ما أُكابدُهُ
فأجملُ الحبِّ حبٌّ – بعد – ما قيلا
قلت: رائع هذا الشعر كما روعة دمشق وبساتينها وطبيعتها.
سألت: ولبنان؟ تحبُّه؟
قال بحرارة ودون تردد: كيف لا أحبُّه، ولبنان هو الإناء الذي احتوى شعري وأعطاه شكله ولونه ورائحته.. في أرضه زرعت بذور قصائدي الأولى، فاحتضنها وأطعمها وسقاها حتى صارت غابة كثيرة الشجر ممدودة الأفياء.
صوتي مبعثرٌ على كل الترابات اللبنانية، فما من قرية معلقة على رأس جبل أو مستلقية على ذراع البحر إلا حفرتُ على صخورها بعضاً من حروفي.
فمن بيروت إلى جونيه إلى طرابلس إلى صيدا إلى النبطية.. كنت أتنقل كشعراء التروبادور حاملاً قيثارتي وأوراقي.. أحسست دائماً أنني أنتمي إلى العائلة الشعرية اللبنانية.
قلت: لقد قلت مراراً إن قراءاتك اللبنانية في الأربعينيات، من التأثيرات المُهِمَّة في ثقافتك الشعرية.
نزار: نعم، بتنقّلي من مفكّرة أمين نخلة الريفية إلى بساتين بشارة الخوري وإلياس أبي شبكة وسعيد عقل، تعلّمت الخروج من البرّ الشعري الذي لا يتحرك إلى البحر الكبير، بكل احتمالاته ومجاهيله.
طلبت منه أن يقرأ لي قصيدة عن بيروت، فأخرج ورقة من جيبه وبدأ يقرأ:
انتقي أنت المكان..
أيّ مقهى، داخل كالسّيف في البحر،
انتقي أيّ مكان..
إنني مستسلمٌ للبجع البحري في عينيك،
يأتي من نهايات الزمان
عندما تمطر في بيروت
أحتاج إلى بعض الحنان..
ليس في ذهني قرار واضح
فخُذِيني حيثما شئت..
اتركيني حيثما شئت..
اشتري لي صحفَ اليوم .. وأقلام رصاص..
.. هذه كلّ المفاتيح.. فقُودي أنت..
سيري باتجاه الريح والصدفة..
سيري في الزواريب التي من غير أسماء..
أحبّيني قليلا..
واكسري أنظمة السير قليلا..
واتركي لي يدك اليمنى قليلا..
فذراعاكِ هما بر الأمان..
*
ليس للحب ببيروت خرائط..
لا ولا للعشق في صدري خرائط..
قرِّري أنت إلى أين..
فإن الحب في بيروت.. في كل مكان
قلت: رائع، أجدُ أنك تقرأ قصائدك ولا تحفظها؟
نزار: إنني أجد صعوبة كبيرة في تذكر شعري وروايته، وأنا أشعر بغيرة حقيقية من الشعراء الذين ما إن يضغطوا زراً من أزرار ذاكرتهم حتى يبدأوا بالغناء بدقة شريط مسجل.
سألته: ألا تعتقد أن الذاكرة الشعرية شرط أساسي من اللعبة الشعرية؟
نزار: أنا أتصور أن كتابة القصيدة شيء وتلاوتها أو استحضارها شيء آخر. فالكتابة برقٌ لا عمر له، والحفظ مَلَكَةٌ مُكتَسبةٌ ورياضة ككل الرياضات التي تكتمل بالممارسة.
قلت: في عالم التكنولوجيا الحاليّ وعلم الأرقام والحسابات، نظنّ أن الشعر قد ضاع وانتهى، لكن عند حضور أمسية شعرية لك أو لبعض الشعراء المميزين، نحس أننا ما نزال تحت سيطرة عالم الشعر والشعراء!
يبتسم ويقول: الشعر يا عزيزتي لا ينتهي إلا إذا انتهت الحياة نفسها على هذا الكوكب الدائر، ونشفت البحار وانطفأت الكواكب، أما ما دام هناك بحار تغزل الزُّرقة، ونجوم تهرب من خيمتها لترقد على مخدتي، مادامت هناك مشاوير لم تُمشَ ومواعيد لم تعطَ.. مادامت هناك رياح تثور وشموس تدور ونجوم مفروطة عناقيد نور.. مادام الإنسان السؤال منتصباً على وجه هذه الأرض، يحب ويكره ويبكي ويضحك فلا فرار من الشعر ولا انفلات من أصابعه الساحرة.
يا عزيزتي الحجارة في أرض الحجاز كانت بقيت حجارة لو لم يمسحها الشعر العربي بأنامله المنعشة، فيكسر كلّ حجر غلالة شوق، ويسقي كل ذرة رملٍ حجر غلالة شوق، ويسقي كل ذرة رملٍ حمرة جرح من شرايين موعد.
قلت: والجمهور؟ ما دوره في الإبداع الشعري للشاعر؟
نزار: الشعرُ إفراز جماليٌّ، نزيفُ حروفٍ ونجومٍ تتوالدُ في شق ريشة..
قدرُ القصيدةِ أن تُقالَ وتُسمَعَ، فنيسان لا يستحي بأخضره وأحمره، نيسان لا يقيم معارضة تحت الأرض. إنّ الفنون بأشكالها هي الجسور التي تربطنا بالآخرين هي السلالم الحريرية التي تتسلّق عليها لنعانق الآخرين.
قلت: أظن أن سلالمك الحريرية قد استطاعت بإبداع أن تربط بالجمهور دائماً ضحك.
قلت أريد أن أسمع قصيدة ثانية عن بيروت
نزار: اسمعي:
سمَّيتُكَ الجنوب
يا لابسًا عباءةَ الحسين
وشمس كربلاء
يا شجر الورد الذي يحترفُ الفداء
يا ثورة الأرض التقت بثورة السماء
يا جسدًا يطلعُ من ترابه
قمحا وأنبياء
اسمح لنا…
بأن نبوس السيف في يديك
اسمح لنا..
أن نعبد الله الذي يطل من عينيك
يا أيها المغسول في دمائه كالوردة الجورية
أنت الذي أعطيتنا شهادة الميلاد
ووردة الحرية..
سمَّيتكَ الجنوب
يا مَنْ يصلّي الفجر في حقل من الألغام
لا تنتظرْ من عربِ اليوم سوى الكلام…
لا تنتظر منهم سوى رسائل الغرام
لا تلتفتْ إلى الوراء يا سيدنا الإمام
فليت في الوراء غير الجهل والظلام
وليس في الوراء غير الطين والسخام
وليس في الوراء إلا مدن الطروح والأقزام
حيث الغني يأكل الفقير
حيث الكبير يأكل الصغير
حيث النظام يأكل النظام..
سمّيتك الجنوب
سمّيتك المياه. والسنابل
وشتلة التبغ التي تُقاتِل
ونجمة الغروب
سمّيتك الفجر الذي ينتظر الولادة
والجسد المشتاق للشّهادة
يا آخر المدافعين عن ثرى طروادة
سمّيتك الثورة، والدهشة والتغيير
سمّيتك النقي، والتقي، والعزيز، والقدير
سمّيتك الكبير أيها الكبير
سمّيتك الجنوب
سمّيتك الجنوب
يا أيّها الطّالعُ مثل العشب من دفاتر الأيام
يا أيّها المسافر القديم فوق الشوك والآلام
يا أيّها المضيء كالنجمة، والساطع كالحسام
لولاك ما زلنا على عبادة الأصنام
لولاك كنا نتعاطى علنا
حشيشة الأحلام
اسمح لنا بأن نبوس السيف في يديك
اسمح لنا أن نجمع الغبار عن نعليك
لو لم تجئ يا سيدي الإمام
كنا أمام القائد العبريّ
مذبوحين كالأغنام…
يا سيّدي: يا سيد الأحرار:
لم يبقَ إلا أنت.
في زمن السقوط والدمار
في زمن التراجع الثوري..
والتراجع القومي،
والتراجع الفكري،
واللصوص والتجار
في زمن الفرار..
الكلمات أصبحت، يا سيدي الجنوب ،
للبيع والإيجار
والمفردات يشتغلن راقصات
في بلاد النفط.. والدولار..
لم يبق إلا أنت
تسير فوق الشوك والزجاج
والاخوة الكرام..
نائمون فوق البيض، كالدجاج
وفي زمان الحرب، يهربون كالدجاج!
يا سيّدي الجنوب :
في مدن الملح التي يسكنها الطاعون والغبار
في مدن الموت التي تخاف أن تزورها الأمطار
لم يبق إلا أنت..
قلت: نزار قباني، والتهمة الموجّهة إليك أنك شاعر الحب والمرأة ولكن الوطن موجود في حنايا قصائدك..
نزار: سنوات وأنا أحمل بلادي في صدري، أخبئها في جفون كل حرف كتبته، في كل نقطة حبر سفحتها على الورقة.
الوطن مرسومٌ في كلّ فاصلة.. رائحة الوطن هو رائحة مدادنا وشواطئه وجباله وأقماره ونجومه هي بعض أبجديتنا، بلادنا مجموعة كلمات جميلة..
كلمة منك، وكلمة مني.. قشّة تحملينها أنتِ وقشّة أحملُها أنا.. هكذا يصنع الربيع.
قلت: ورغم حبك الكبير لبلادك فأنت بعد نكسة حزيران 1967 قد أنزلت غضبك كله على هذه البلاد التي تحبها، وتصرفت بسادية وكأنك ترقص فوق جراحاتها؟
نزار يقول:
يا وطني الحزين
حوَّلتني بلحظةٍ
من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين.
يا عزيزتي.. لقد كتبت “هوامش على دفاتر النكسة” في مناخ من المرض والهذيان وفقدان الرقابة على أصابعي، لذلك جاءت بشكل شحنات متقطعة وصدمات كهربائية متلاحقة تشبه صدمات التيار العالي التوتر.
قلت: إذن فقد كتبتَها وأنت بقمّة العصبية والتوتّر والتهيج، وأنتَ تعلمُ أن التهيُّج هو ضد الشعر؟!
نزار: أعرفُ ذلك، ولكن هل كان عَلَيَّ يا ترى، انسجاماً مع منطقي الفنيّ، أن أنتظرَ انحسار مياه الطوفان حتى أكتب عن الطوفان!! وبالتالي هل كان على الأدب العربي شعرًا ورواية مسرحاً أن يضع أعصابه في ثلاجة حتى ترحل العاصفة وتنحسر الغيوم الرمادية وينبت للشجر المحترقة أوراق جديدة.
هذا المنطق صحيح من الوجهة النظرية، لو أن أعصاب الفنان مصنوعة من القطن، ولو أن الجرح المفتوح في لحم كبريائنا يقتنع بالانتظار:
يوجعني أن أسمع الأنباء في الصباح
يوجعني ..
أن أسمع النباح ..
ما دخل اليهود من حدودنا ..
وإنما ..
تسربوا كالنمل .. من عيوبنا
قلت بأسى: نعم.. لقد دمَّروا حزيران كل الأحلام الجميلة فانهارت الآمال التي صنعها العرب طيلة سنوات عديدة.. انهارت في لحظات بل ثوان قليلة
نزار:
نريد جيلاً غاضبًا
نريد جيلاً يفلحُ الآفاق
و ينكشُ التاريخَ من جذوره
و ينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلاً قادمًا مختلف الملامح
لا يغفرُ الأخطاء .. لا يُسامِح
لا ينحني .. لا يعرفُ النفاق
نريد جيلاً .. رائدًا .. عملاق
يا أيّها الأطفال
من المحيط للخليج، أنتم سنابل الآمال
و أنتم الجيل الذي سيكسر الأغلال
ويقتل الأفيون في رؤوسنا ..
و يقتل الخيال …
يا أيّها الأطفال، أنتم، بعد، طيبون
و طاهرون، كالنّدى والثّلج، طاهرون
لا تقرأوا عن جيلنا المهزوم يا أطفال
فنحن خائبون ..
ونحن ، مثل قشرة البطيخ، تافهون
ونحن، منخورون .. منخورون كالنعال
لاتقرأوا أخبارنا
لا تقتفوا أثارنا
لا تقبلوا أفكارنا
فنحن جيل القيء، و الزهري، و السعال
و نحن جيل الدجل، و الرقص على الحبال
يا أيها الأطفال
يا مطر الربيع، يا سنابل الآمال
أنتم بذور الخصب في حياتنا العقيمه
وأنتم الجيل الذي سيهزم الهزيمه
تنطلق أغنيات من تأليف الشاعر من المسجل في الحديقة..
سألته فجأة: ألا تلاحظ أنك في اشعارك رغم أنك تكون غارقاً في الحب، تنظر إلى أنفسك على أنك أصل الحياة والجمال فأنت تقول:
اتركيني ابنيك شعراً وصدراً
ودعي لي تلوين عينيك
قلت: وأنت أيضاً تكرِّرُ أن حبك للمرأة هو الذي يجعلها أهم النساء..
نزار بعد تفكير:
خارج صدري.. أنت مفقودة
خارج شعري .. أنت مجهولة
مدفونة تحت جليد السنين
.. وصرت بعدي
.. صرت كالآخرين
قلت وتقول:
لأني أحبك..
أصبحت واحدة من أهم النساء
وأسّست عصراً جديداً
وأصبحت في كتب الشعر محفوظة
نزار: ألم يتحوَّل حبي ووصفي لها إلى أدب باقٍ؟!
إذا تصفّحت يوماً يا بنفسجتي
هذا الكتاب الذي لا يشبه الكتبا
تباركي بحروفي .. كل فاصلة
كتبتها عنك يومًا .. أصبحَت أدبا
كتبت بالضوء عن عينيك، هل أحدٌ
سوايَ بالضوء عن عينيك قد كتبا
وكنت مجهولة حتى أتيت أنا
قلت: وهذه النظرة ألا تنمُّ عن التعالي؟!
نزار بفخر:
أنا اهدم الدنيا ببيت شاردِ
وأعمر الدنيا ببيت شارد
سألته: وما دور المرأة إذن؟
قال: عندما أحبُّ تُعشِبُ دفاتري وتتغيّر حياتي:
لماذا .. لماذا .. منذ صرتِ حبيبتي
يضيءُ مدادي .. والدفاترُ تعشب
تغيّرتِ الأشياء منذ عشقتني
وأصبحت كالأطفال .. بالشمس ألعب
قلت: لكن في كلّ مرّةٍ تبدأ من جديد وكأن الحب لم يطرق بابك من قبل:
عشرين ألف امرأة أحببت
عشرين ألف امرأة جربت
وعندما التقيتُ فيك ياحبيبتي شعرت أنّي الآن قد بدأت.
نزار: لأنَّ كلَّ امرأة تشكّل تجربةً خاصة بالنسبة لي:
أشكوكِ للسماء
أشكوكِ للسماء
كيف استطعت كيف، أن تختصري جميع ما في الأرض من نساء”
قلت: وأنت حزين لاختصار النساء في امرأة واحدة؟!
نزار: أنا لا أعترضُ بأن تكونَ لي حبيبة واحدة، ولكن لا بدَّ من وجودِ حبيبة في حياتي ليزيد جمالي ولتضيء أصابعي، فبالحبِّ أصبح ملكاً مُتَوَّجاً على عرش القصيدة والشعر:
قولي “أحِبُّكَ” كي تزيدَ وسامتي
فبغيرِ حبّكِ لا أكـونُ جميـلا
قولي “أحبُّكَ” كي تصيرَ أصابعي
ذهباً… وتصبحَ جبهتي قنـديلا
الآنَ قوليهـا… ولا تتـردّدي
بعضُ الهوى لا يقبلُ التأجيـلا
سأغيّرُ التّقويمَ لـو أحببتـِني
أمحو فصولاً أو أضيفُ فصولا
وسينتهي العصرُ القديمُ على يدي
وأقيـم ُعاصمة النسـاءِ بديـلا
مـلكٌ أنا.. لو تصبحينَ حبيبتي
أغزو الشموسَ مراكِباً وخيولا
لأكونَ بين العاشقين رسولا
قلت: تحبُّها وتعرفُ تماماً أنكَ تصبحُ أجمل إذا صارَحَتْك بحبها، ولكنك دائماً تحاول إقناعها بأنّك المميز والمتفوِّق على الناس جميعاً بقدراتك الفريدة التي تبزُّ بها الملوك
أتحدّى كلَّ عشّاقك يا سيدتي
من ملوكٍ، ومشاهير، وقواد عظام
أن يكونوا صنعوا تختك من ريش النعام
أتحدّاهُم جميعاً..
أن يخطّوا لكِ مكتوبَ هوىً
كمكاتيبِ غرامي..
أو يجيؤوكِ -على كثرتهم-
بحروفٍ كحروفي، وكلامٍ ككلامي..
أتحدّى..
مَنْ إلى عينيكِ، يا سيّدتي، قد سبقوني
يحملونَ الشَّمسَ في راحاتهمْ
وعقودَ الياسمينِ..
أتحدّى كلَّ مَن عاشترتِهمْ
من مجانينَ، ومفقودينَ في بحرِ الحنينِ
أن يحبّوكِ بأسلوبي، وطيشي، وجنوني..