الفنان التقليدي يصور من الطبيعة مايحب أما المبدع فهو من يستحضر في لوحاته عوالم ذاته وعوالم يتمم من خلالها حياته يتواصل مع عمله التشكيليّ مخلصاً لتلك اللحظات المقدسة التي لاتشوبها أية تنازلاتٍ تفرضها حاجة السوق التجارية ورغم عمله السابق في مجال الديكور فهو لايساوم على عمله الفني الخاص الذي يكمن سحره عبر إيقاعه التراكمي المفتوح وغير المنتهي وعبر الخطوط التلقائية غير المبالية ليصير الرسم لعبة الفنان وتصير الشفافية كما الصدق هي السمة المميزة للألوان هو الفنان عصام المأمون الذي يسعى للخروج عن المألوف عبر إدخالات الكولاج متجاوزاً المفاهيم السطحية ومتجرئاً على مسطرة الناقد التقليدي يقوده حسٌّ تعبيريٌّ وجمالي ليحرك عجينة الأساس على سطحٍ قابل لامتصاص ما في الطبيعة من لحاء الأشجار إلى التراب والأحجار وربما فرضت تلك الإدخالات ذلك الغياب الشفاف كما التعتيق أو الحف أو كما انسكاب الماء على ألوانه كما يبدو في لوحاته ذلك التأكيد على التكوينات المتساندة لأشكالٍ فقدت هويتها فبدت أليفةً متحولة إنسانية وحيوانية في آن أما أعمال البورتريه والوجوه فتجد فيها أيضا ذاك الضجيج المتناغم والمتماسك عبر وحدة التكوين رغم التضادات اللونية في بعضها إلا أن شفافية الطرح هي المعيار وهي المرتبطة بخصوصية الفنان وفرادته عصام المأمون مجربٌ من الطراز الأول يعرف متى يعود لعمله وكيف يقتنص اللحظات الإبداعية التي يتماهى فيها مع الجسد الكوني مؤكداً أن الإبداع لا يتحقق إلا إذا استطاع الفنان التخلص من العقل والمنطق ومن كل التعاليم الأكادمية التي يمكن أن تقف عائقاً حين لا تشبه شيئأ سوى التكرار وتلك هي الميزة التي لا ينتمي إليها الفنان الأصيل والصادق فالإبداع لايمكن تعلّمه بل على العكس تماماً يمكن أن تكون
الأكاديميات كما العقل عائقاً حين يرتبط فكر الفنان بالمنطق فيصير أجبن من الخوض في تجربةٍ جديدة أو الغوص في أعماق ذاته لاكتشاف العالم من خلالها وإذا عدنا للوحة عصام المأمون للخوض بها تشريحياً لأمكن لنا أن نتصور تلك اللعبة التراكمية من أين تبدأ ومتى يقرّ صاحبها أنه قد آن الأوان للتوقف النهائي ضمن لعبة كرّ وفرّ قد تنتهي في لحظتها أو تطول لأيامٍ وشهور فهو يغني سطحه بكل ما يخدم التصورات السابقة والمرنة للموضوع من إدخالات يثبتها مع عجينة الأساس الخشنة التي تتحرك وفق إيقاع غنائي متواصل يخدم ذلك النفس التعبير اللاحق لخطوط وخيوط تمضي بلا قرار ضمن عملية تكثيف تغطيها عائلة لونية ذات طبيعة إكريلية ومائية تخدمه حتى حين يلجأ إلى التضادات في بعض لوحاته فتبدو أكثر انسجاماً عبر تلك الشفافيات التي يقدمها وعبر ذاك المسح الذي يظهر من خلاله قيمة السطوح ومدى غناها ويمكن أن نؤكد هنا على وعيه لقيمة الألوان الحيادية الأسود والأبيض في قدرتهما على تأكيد التكوين وتقديم الشكل والألوان بكامل سطوعها ورونقها عصام المامون صاحب تجربة غنية لاتقبل التكرار والنمطية وتسعى كل حين للتجديد عبر ادخالات لايطرحها بشكل عشوائي انما يستفيد منها ويفيد تسيره وتلهمه ادخالاته لتقوده لاتمام عمله بروح المادة المستخدمة التي تتلاقى مع نفسه الابداعي سواء كانت اوراق جرائد او حجارة اوخيطان وهو لايتوانى عن الرسم على الجدران بيته مملكته وهو يستدعي ارواح من رحلوا ويصور الام من دخلوا فيبدو ذاك النفس التعبيري عبر الملامح والخطوط الرمادية والارواح النقية المستحضرة و الموشحة بغطاء خمري شفاف يرسم ثم يلون مستفيدا من تأثيرات السطح المهيأ مسبقا
في أعمال المأمون تسير حالة عدم الرضا إلى جوار توقه النقي للغوص في عمق الحالة وإلى جوار الرغبة الملحّة للوصول إلى عمل فيه كل المقومات التي تقرّبه من المثالية .. وهذا ما يجعله دائم التجريب من ناحية ويجعل من عمله مهدداً بالتغيير في كل مرحلة من مراحله من ناحية أخرى وهو حين يترك بعضاً من أعماله على قارعة الطريق أوعند باب البهو المطلّ على القصر متجاهلاً ذلك الإلحاح للدخول وتلك الرغبة للمثالية والكمال يكتشف أن ذلك البهو ماهو إلا الحديقة التي هي أجمل من القصر بحد ذاته