كعادة ملتقى عشتار في متابعة وتسليط الضوء على الإبداعات واستمرارا للعمل الثقافي الكترونيا أيضا
و بادارة د أسية يوسف مديرة ملتقى عشتار الثقافي
( نصٌّ تحت المجهر)
قصيدة الشاعر تمام حمود
هذا زمنٌ
تتراكضُ فيه هزائم هذا العالمِ
تلهثُ فيه الأنباءْ
زمنٌ
يتمطّى القاتلُ فيهِ أمامَ عدالتكمْ
ويضيعُ المقتولُ هباء
زمنٌ يصعدَ قمّتَهُ الدّجالونَ
ويُوطؤ فيه الشرفاءْ
زمنٌ
من بينِ عجائبهِ
أن نبحثَ عن أفعى موسى وعصاهْ
عن رجلٍ يركضُ فوق الماءْ
عن رجلٍ يوقظُ موتاتنا الأحياءْ
عمن سيقول لتلك النّار التّلفحنا
كوني برداً وسلاما
عفواً يا إبراهيمُ
فلسنا أصناماً كي تكسرنا
لكنّا نحنُ أردنا أن نبقى أصناما
إن كُنتَ نبيّاً في عصرِ القهرِ
وعصر القتلِ فإنّا نكّسنا من أجلكَ
يا أنتَ الآتي الأعلاما
أتلفنا بعدكَ كلّ عجائب دنيانا
بيزا المائلَ والأهراما
عفواً يا إبراهيمُ
فأنتَ نبيُّ الأمةِ
كُن في القومِ إماما
من قلّدَ يعقوباً حيث ابيضّت عيناهُ من الحزنِ
لفقد عروبتهِ
هل يبصرُ حين يجيءُ قميصُ عروبته
أم إنَّ الصّرخةَ سوفَ تموتُ بجوف رغامى
خرّاصٌ هذا ليس بأعمى
لكن يتعامى
إن ناجى موسى خالقهُ من فوق الطّور
فلمن ألتجئُ الآنَ لأطلُبَ كِسرة خبزٍ
أطلبُ من أيّوبَ فيعطيني قرَحاً جلديّاً
يحرمني نعمَ الصّبر
عُرياناً آتي
عُرياناً أذهب
مقروحاً أُبعَدُ في هذا العالم
مثل بعيرٍ أجربْ
أينَ العدلُ
ولا يعرفُ أيٌّ منّا كيف سيصلب
طفل دللناه وسميناه الفقرْ
بادلنا اللقمة والغصة والقهرْ
وفراشَ الأرض وأحزان نهايات الشهر
قد كنتُ أراهُ يسيرُ وراء جنازتنا ويعزينا
ويقول مع العسرُ اليسرْ
ويقول لنا
صبراً حتى يأتي حينٌ من دهرْ
صبراً حتى يأتي حينٌ من دهرْ
تعليقات وقراءات متعددة مهمة حول القصيدة نوردها كما هي وحسب ورودها في برنامج السجال
الشاعر :سيف الدين راعي كتب :
من اجمل ماقرات منذ مدة
قصيدة استطالت قامتها وعرت اوجاعنا واقامت الحد حيث يجب ان يقام
مبارك لعشتار هذا النص
بالتوفيق شاعري
د. آسيا يوسف مديرة الملتقى ومديرة هذا السجال قدمت قراءة وافية متخصصة جاء فيها :
القصيدة تنتمي للشعر الحرّ الحداثي.. فهو تفعيلي على
تفعيلة المتدارك
فاعلن تصبح جوازاً فعْلن أو فعِلن
وتُلتزم حتى آخر القصيدة
فالموسيقى الخارجية متغيرة وفق طول الأسطر الشّعريّة فقد يتضمن السطر تفعيلة واحدة أو أكثر أو عدة تفعيلات لاستيعاب الدفقة الشعورية و للتحرر من القيود الخليلية للبحر العروضي
و يستمر المبدع في تحديد اللوحات الجزئية للتعرف على هذا الزمن فمن بين عجائبه أن نبحثَ عن تحقيق المعجزات فها هو يتناص مع قصة سيدنا موسى عليه السلام منتاصاً مع قوله تعالى
( فألقى عصاه فإذا هي حيّةٌ تسعى) أو ربّما هو يبحث عن سيدنا الخضر الذي يركض فوق الماء أو عن معجزة السيد المسيح عليه السلام حين أعاد عازار إلى الحياة من جديد.. و لربّما أراد تحقيق المعجزة الإلهية كما حصلت لسيدنا إبراهيم عليه السلام فقد أراد الخالق أن يقدم للبشر دليلاً إلهياً فقال:(يا نار كوني برداً و سلاماً على ابراهيم)
و لكن المبدع يكتنز كل هذه الرموز الدينية ليؤكد ان عصر المعجزات ولى.. فنحن بشرٌ خطاؤون و لسنا تماثيلاً و اصناماً ليكسر الضعف و الجهل و الخرافة فينا… لكن الأصنام أفضل منا لأننا نحن من أراد الجمود و الصمت أمام أهوال كل ما يحدث
زمنٌ
يتمطى القاتل فيه أمام عدالتكم
ويضيع المقتول هباءً
يسعى المبدع لإيضاح سمات و خصائص الزمن.. فهذا الزمن يتمطّى القاتل ومن يتمطّى دلالة على الارتياح و السأم فالقاتل لا مبالٍ لأن العدالة عمياء فالقاتل لا يهابها يمطمط نفسه في سأمٍ لأن العدالة لن توقفه عند حدّه بينما يضيع حق المقتول و هنا يجوز لنا الإسقاط على المجتمع الدولي و الرأي العام العالمي الذي يتصنع الإنسانية و يصم الأسماع و يغض الأبصار عن مأساة الطفولة في غزة…
ومن أسوء سمات هذا الزمن أن الدجالين المنافقين الذين يتاجرون بالأفكار يصلون إلى قمم النجاح في السيطرة على عقول البشر.. بينما يتمّ وطءَ الشرفاء مما يذكرنا
بقصيدة الشاعر العراقي جميل صدقي الزهراوي حتام تغفل:
فترفع بالاعزاز من كان أهلاً
وتخفضُ بالاذلال من كان يعقلُ
شريفٌ ينحى عن مواطن عزه
و آخرُ حرّ بالحديد يكبلُ
فالشاعر يحدد مساؤى و عيوب الأمة العربية التي أوصلت الأحوال إلى ما هي عليه حالياً
البناء الدرامي في قصيدة( هذا زمنٌ) :
جعل المبدع العنوان و القصيدة نسيجاً واحداً فما أن نقرأ العنوان حتّى تأخذنا القصيدة إلى أجوائها الغرائبية و كأننا نشاهد فيلماً فتنازياً تتداخل فيه الايحاءات و الرموز الدينية و الأسطورية
فنرى حلماً مفزعاً للعالم تتراكض فيه الهزائم في تجسيدٍ مخيف إذ تتجسد الهزيمة إنساناً يركض.. ثم نشاهد الإخبار تلهث مثل الإنسان أما تعباً أو إعياءً أو رعباً في تشخيص…
و البدء باسم الإشارة حدد الزمن فهو نكرة سُبق باسم الإشارة لتعريف النكرة المحضة ( زمنٌ)
ليصرح بصورٍ متواليةٍ سمات الزمن الحالي الذي يعنيه
أتلفنا بعدك كل عجائب دنيانا
بيزا المائل و الأهراما
فالشاعر يؤكد ان الإنسانية تتراجع في منجزاتها فبدل من التطور نحن نتلف و نخرب فالعجائب سبعة منها بيزا المائل و الهرم الأكبر في الجيزة و تمثال زوس بأولمبيا و هيكل ارتميس و تمثال أبولو رودس و ضريح موسولوس
و منارة الإسكندرية فقد تأخرت الحضارة البشرية بدل أن تتطور
ويقدم لسيد الأنبياء إبراهيم عليه السلام اعتذاره و يطلب إليه أن يكون إماماً ليعيد القدوة الصالحة للبشر…
ثم يتناص مع قصة نبي الله يعقوب الذي ابيّضت عيناه من شدة حزنه و بكائه على سيدنا يوسف لكن يعقوب الحكاية فقد عروبته و ليس نظره… في تقريع و توبيخ للحكام العرب و تخليهم عن عروبتهم.. فيعقوب عليه السلام اسمه في التلمود إسرائيل و رغم ذلك لم يتخلى عن ربه و انسانيته
فهو نبي يهودي و ليس صهيوني
و يتساءل هل سيرتد إليه البصر بعودة العروبة؟
بأخذ اللوحات الجزئية المكملة للوحدة العضوية في البناء الدرامي… الشاعر يقدم الإعتذار لسيدنا إبراهيم لأننا إناس جبناء التزمنا الصمت و عشنا حالة الجمود الفكري و المعيشي… و يستحث الهمم بأسلوب الشرط
( إن كنت نبيّاً في عصر القهر
و عصر القتل فإنّا نكسنا من أجلك
يا أنت الآتي الأعلاما)
الأنبياء جاءوا في عصر القهر و الظلم و المفترض و نحن على أعتاب الألفية الثالثة أننا وصلنا إلى تطورٍ فكريٍّ و حضاري فنعلي من شأن الإنسان و الإنسانية لكن يبدو ان الزمن يجعلنا عاجزين عن رفع أعلام الفكر و الحرية
وكتبت الشاعرة مناهل حسن :
قصيدة حداثية متقنة أبحر فيها الشاعر على أنغام البحر المحدث
وأبحر بقاربه وأشرعته ليصل ألى ما يريده حيث رسم صور بيانية ببراعة
حيث تراه في بعضها غاضباً وفي حينٍ آخر معاتباً يبحث عن إجابة شافيه لتساؤلاته الكثيرة
لقد صوّر الواقع صور دقيقة واضحة
صور التناقضات وتكلم عن الآذان الصمّاء التي لاتريد ان تسمع وعن العيون التي لا ترى إلا ماتريد رؤيته
وعن الناس التي ضاعت حقوقهم
الناس المظلومة ولا يهتم لشؤونهم أحد ثم طلب التحلّي بالصبر لعلّ القادم افضل
نعم أيها الشاعر لقد أبدعت التصوير
بحرفية عالية
سلمت أناملك على جميل ما صوّرت
وبوركت حروفك المشرقة
كل التقدير والاحترام
حياك الله
والشكر للدكتورة الناقدة المبدعة
دكتورة آسيا على حسن اختيارها
ودقة تحليلها للنص