ازدحمت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار ظاهرة طبيعية ستؤدي إلى الدخول في عصر جليدي كما حدث عام 1650 وقد تتسبب الظاهرة بتجمد الطقس وحدوث الزلازل والمجاعة، وهي ظاهرة (السبات الشمسي)، كما قام الكثيرون بالترويج لها وجعلوا منها حدثا خطيرا استثنائيا سيؤدي إلى الهلاك عاجلا أم آجلا فهل يستحق الأمر كل هذا التهويل؟ وما هي ظاهرة السبات الشمسي بالتفصيل؟
“السبات الشمسي” هو ظاهرة طبيعية تتكرر في دورات شمسية مدتها الوسطى 11 سنة، وتعني تناقص للبقع الشمسية الموجودة على سطح الشمس إلى الحد الأدنى في كل نهاية دورة شمسية، وتسمى بـ “الشمس الهادئة” بحيث تسبب انحسار لأشعة الشمس، وضعف المجال المغناطيسي المحيط بها.
من المعروف أن درجة حرارة سطح الشمس تبلغ 6000 درجة، حيث تتكوّن الشمس من “البلازما”، والبلازما ذات صفات خاصة جدا، حيث تعد مادة رابعة ليست غازية ولا سائلة ولا صلبة، ولها قدرة واسعة على توصيل الكهرباء، كما أنها تُنتج المجالات المغناطيسية وتتفاعل معها بسهولة أكبر. ويحدث أن تتنقل البلازما بين طبقات الشمس العليا في حركة مستمرة، حينما تصعد تيارات البلازما للأعلى فتتبرد لتصبح درجات حرارتها أقل وتصبح أثقل من التيارات السفلى، بالتالي تعود من جديد للأسفل وتصعد مكانها تيارات أسخن على نفس مبدأ غليان الماء.
قد يحدث في بعض الأحيان أن تتشابك الحلقات المغناطيسية الخاصة بتيارات البلازما معا، وهنا تكون قوية كفاية بحيث تمنع البلازما من النزول للأسفل، بالتالي ستبرد البلازما مقارنة بسطح الشمس المحيط صانعة ما نسميه “بقعا شمية” (Sun Spots) وهي مناطق درجات حرارتها أقل من بقية سطح الشمس (1500-2000 درجة) فتبدو لنا سوداء لكنها ليست كذلك.
في بعض الأحيان قد تنفجر واحدة من تلك الحلقات الخاصة بالوهج الشمسي مطلقة كمًّا هائلا من الطاقة والمادة إلى الفضاء بسرعات كبيرة جدا، يحدث ذلك في صورة نسميها “انفجارا شمسيا (Solar flare) وصانعا ما نعرفه باسم الرياح الشمسية (Solar Wind)، والتي تصل إلى كواكب المجموعة الشمسية وتتفاعل مع أقطابها المغناطيسية لتصنع إحدى أجمل الظواهر التي يمكن أن نراها، وهي “الشفق القطبي” (Aurora).
خلال العامين الفائتين كانت الشمس بلا بقع شمسية نحو ثلاثة أرباع الوقت، لكن هناك ملاحظة مهمة هي ما أثارت انتباه الباحثين للوضع الحالي في الشمس، فعلى الرغم من تسجيلها لأقصى نشاط قبل ست سنوات، فإن هذا النشاط الشمسي -في أقصاه- كان ضعيفا مقارنة بالدورات الشمسية السابقة، في الواقع لقد كان الانخفاض الأدنى في مئة سنة مضت.
في تلك النقطة تردد اصطلاحا “منخفض دالتون” (Dalton Minimum) و”منخفض موندر (Maunder Minimum) في الأوساط العلمية والعامة على حدٍّ سواء، ويُشير إلى فترتين من تاريخ رصدنا للشمس كان فيها عدد البقع الشمسية قليلا جدا في حالة النشاط الشمسي الأعلى، الأولى كانت نحو عام 1800 والثانية استمرت بين 1645 و1715، تزامن الانخفاضان مع ما نسميه بالعصر الجليدي الصغير (The Little Ice Age)، ويعني فترة من تاريخنا المعاصر واجهت انخفاضا ملحوظا في درجات الحرارة، كانت هناك ثلاث فترات باردة بشكل خاص: واحدة بدأت نحو عام 1650، وأخرى نحو عام 1770، والأخيرة في عام 1850 فصلت بينها فترات من الاحترار.
أن هناك بالفعل افتراضات تقول إن انخفاض النشاط الشمسي إلى هذا المستوى كان مرتبطا بانخفاض في متوسط حرارة الأرض، لكن الفرضية الأكثر قبولا حاليا هي أن سبب هذا الانخفاض كان متعلقا بكثافة النشاط البركاني في تلك الفترات، خاصة حينما نعرف أن الطقس البارد في أوروبا كان قد بدأ بالفعل قبل وصولنا لمنخفض موندر بنحو 50 سنة. من جهة أخرى، فإن الصيف بين موجات البرودة القاسية في العصر الجليدي الصغير، وهو اصطلاح أدبي أكثر من كونه علميا، كان في بعض الأحيان لا يختلف كثيرا عن سابقيه.
أخيرا
لا صحة ولا وجود لأي مؤشرات تدل على دخولنا في حقبة جليدية، لأن حدوث تلك الظاهرة يعني أنه لا وجود للنشاط الشمسي على الإطلاق، حيث أنه في كل نهاية دورة شمسية تخفت أشعة الشمس وهي ما يطلق عليها “النهاية الصغرى”. ولا بد من الإشارة إلى أن أسباب العصور أو الفترات الجليدية تعود إلى أسباب عدة أخرى أبرزها زيادة النشاط البركاني، وانخفاض دورات أشعة الشمس، وتغير في مدار الأرض، وكل هذه الأسباب نحن أبعد ما نكون عنها حاليا، ولذلك فلا خوف ضعف أشعة الشمس، ولا علاقة لها بأزمة فيروس كورونا الحالي، وحتى الآن ليس هناك سبب واضح لحدوثها حتى نتجنبه.
وبحسب ناسا فإن الانخفاض المفترض الذي قد يُسبّبه السبات الشمسي لدرجة الحرارة على سطح الأرض والذي يُقدّر ب 0,1 درجة مئوية- لن يكون له تأثير أمام الارتفاع الذي يُسببه الاحتباس الحراري الذي يُقدّر ارتفاعه ب 6 أضعاف الانخفاض المزعوم، خاصة وأنّ الاحتباس الحراري يحصل بشكل مستمر، أي أنّ أثره في ارتفاع درجة حرارة الأرض مستمر الحدوث خلاف السبات الشمسي الذي له مدّة محدودة فقط، حتى وإن دام أثر السبات الشمسي في تبريد الأرض 100عام، فهو لن يتغلب على الارتفاع في درجة الحرارة الذي يسببه الاحتباس الحراري.
تبين الصورة الأولى دورة كاملة للبقع الشمسية ابتدأت عام 1996 وانتهت عام 2006 والصورة الثانية توضح أن الاشعاعات الناجمة عن النشاط الشمسي لم تساهم في ارتفاع حرارة الأرض كما فعلت غازات الدفيئة بل حتى لم يكن لها دور مؤثر، والصورة الثالثة تبين أننا سنبدأ بدورة جديدة للبقع الشمسية ذروتها ستكون في تموز 2025 ثم تعود للتراجع حتى عام 2030. وتبين الصورة الرابعة أهم النشاطات الشمسية خلال 1000 عام وكان منخفض موندر بين 1645 و1715 هو الأطول والذي تسبب بعصر جليدي مصغر ولكن مع ذلك كان الصيف طبيعيا مثل أي صيف.
د. رياض قره فلاح
أستاذ علم المناخ
قسم الجغرافية- جامعة تشرين
#عن_الطقس_والمناخ_في_سورية
#رياض_قره_فلاح