-الاستاذ الدکتور حسین تکتبار جامعة قم
-مهدی عزيزي /طالب الدکتوراه في الادب العربي
*مقدمة
يتطلّب الوعي بأي تجربة شعرية مقاربتها مع تجارب أخرى في السياق الشعري العمومي الذي ظهرت فيه، لرصد حالات نفورها عمّا جاراها، وبيان حالة تفرّدها بنيويّاً وموضوعيّاً من التجارب الشعرية الأخرى التي عايشتها. ومن هنا سنحاول في هذه المقالة، رصد تجربة الشاعر السوري نزار قباني (١٩٢٣ – ١٩٩٨) موضحين: نشأة شعره والتحولات السياسية والاجتماعية التي أثرت فيه، وأثر أبعاد البيت الدمشقي في شعره، وكذلك الانقلاب النثري في قصائده ما قبل المقاومة وما بعدها.
*نزار قباني والنشأة الشعرية :
بدأ نزار قباني كتابة الشعر في سن السادسة عشر، وصدر ديوانه الأول (قالت لي السمراء) عام ١٩٤٤ عندما كانت دمشق مملوءة الأسماع بأشعار شعراء كُثر طُبعت أشعارهم بالحسّ الوطني، في الفترة التي عاشها قباني وبزغت فيها تجربته الشعرية كان السياق الشعري السوري الكلاسيكي هو السائد. ((ففي العقود الأولى من القرن 20 نجد في سورية إنتاجاً شعرياً يتميز بصحة اللغة والشكل والصور التقليدية، وبذلك التوازن الكلاسيكي بين الشكل والمحتوى، أكثر مما يتميز بإبداع حقيقي))¹
فولادة تجربة نزار الشعرية في ذلك السياق الأدبي الذي تميز الشعر فيه ((ببزوغ الحس القومي لا الحس الاجتماعي، فقد كانت الأشعار تنظر إلى استعادة المجد القومي الغابر لا تقويم الظروف الاجتماعية الحاضرة)) ²
ومن هؤلاء الشعراء: شفيق جبري، خليل مردم بك، محمد البزم.
في الوقت الذي ظهرت فيه المدرسة الكلاسيكية كان هناك مدرسة أخرى من أبرز شعراءها عمر أبو ريشة. وعليه، كانت تجربة نزار المولودة خلال النصف الأول من القرن العشرين (١٩٢٣ – ١٩٩٨) في ظل السياق السابق خروجاً عنه واستحداثاً جديداً في منظومة الشعر العربي ((كان الشعر في سورية قد التزم طريقاً وسطاً، أي أنه بقي معتدلاً إلى حد كبير، ولم يعرف أياً من الطفرات المفاجئة التي ستغير مساره)) ³
وكان ما جاء به نزار الشاب الدمشقي وهو يترجم خلجات النفس ويضخّ فيها روحه النثرية معتمداً اللغة المتداولة القادرة على مخاطبة الناس باختلاف ثقافاتهم ودرجة وعيهم وأماكنهم، الطفرة في المسار الشعريّ السائد في تلك الفترة، وهو يسعى للانعطاف نحو الجديد، فكانت تجربة نزار الأولى في ديوانه (قالت لي السمراء ١٩٤٤) كحجرة في بركةٍ راكدة، شكّل صدمة للمحافظين المحكومين بالعادات العرفية والثقافة الساكنة التي لا تحاول الخروج من حوارها مع الماضي وتشخُص للحوار مع الغد والدخول من بابه للمستقبل، أو حتى أنها تعتبر الجديد جنوناً وكفراً، أشار نزار لذلك بقوله :
(( كان الشعر العربي قلعة من الحجر تشبه قلاع القرون الوسطى، وكان اختراق القلعة عملاً جنونياً بل كان أقرب إلى التجديف والكفر )) ⁴
لم تكن رغبة نزار وحدها من أظهرت ملامحَ شاعر بهوية متمايزة من هويات شعرية في زمانه، بل أثر في ذلك شخصيات ذات أبعاد ثقافية وأدبية عاصرت عمل نزار الأول وفتحت أفق الرعاية أمامه، منها د. منير العجلاني الأستاذ في كلية الحقوق – التي تخرج فيها نزار – حيث وجدت هذه الشخصية في النتاج الشعري لقباني في أوراق (قالت لي السمراء) رافداً لمشروع التجديد والخروج من أَسر القديم والجمود، فسارع لدعم وإحاطة الديوان.
فشكلت مقدّمة كتابه بقلم د. العجلاني خطوة شاعرية بكثير من الألق والرشاقة أظهرته مكتمل العناصر الشعرية، يقول العجلاني مقدّماً، بلغة أسلوبية تشدّ القارئ وتلقي في مسامعه الانتباه والتحفيز :
(( لا تقرأ هذا الديوان فما كُتب ليقرأ، ولكنه كُتب ليُغنّى ويشمّ ويضمّ.. وتجد فيه النفس دنيا ملهمة. ديوان صغير صغير مثل “حبيبنا حسن” الذي يخص له موسّيه فتونه بهذه الكلمات (( خلقه الله صغيراً ليأتي أملح وأجمل وأنفذ سحراً )) 5
أيضاً، يعود إتقان نزار للعناصر الشعرية إدراكه لحركة تطور الشعر العربي من الجاهلية لسائر العصور، أسهم في ذلك دراسته في (الكلية العلمية الوطنية) بدمشق، والتي كان فيها مدرّسون متقنون أكثرهم كتّاباً وشعراء وأعضاء المجمع العلمي، وفيهم الشاعر خليل مردم بك الذي ربط نزار بالشعر وألهمه ووجّهه، يدلّه على مساكن الشعر ويأخذه في نُزهاتهِ المسحورة، يقول نزار في كتابه قصتي مع الشعر: (( إنني أدين لخليل مردم بك بهذا المخزون الشعري الراقي الذي تركه على طبقات عقلي الباطن، وإذا كان الذوق الشعري عجينةً تتشكل بما نراه ونسمعه ونقرؤه في طفولتنا، فإن خليل مردم بك كان له الفضل العظيم في زرع وردة الشعر تحت جلدي، وفي تهيئة الخمائر التي كوّنت خلاياي وأنسجتي الشعرية، وأضيف إليها قراءاتي اللبنانيّة في الأربعينات لأمين نخلة، وبشارة الخوري، وسعيد عقل، وميشال طراد، ..))
تبدّى تأثُّر نزار بمعلّمه مردم بك، الذي كان له توجّهات شعره الجماليّة والتفاتاته في جوانب الحياة.
فوجّهه وشجّعه وسبر أغوار عالمه الأدبيّ الفتيّ الواسع بثوابتَ في شعره ووجدانه، وما أن تمكّن حتى لوّن ذلك بعلبة ألوانه الخاصّة، ومن هذه الثوابت: ((الجمال: الغزل والنسيب، الطبيعة: غوطة دمشق، السياسة: فكرة وحدة العرب الكبرى والإصلاح الاجتماعي)) 6
اقتفى نزار خطا أستاذه مردم بك في طلب الصّلاح الاجتماعي، معالجاً القضايا بحسٍّ عال ومسؤولية، كمنظومته (خبز وحشيش وقمر)، التي خلّفت أصداءً في الأوساط السياسية والاجتماعية العربية، كان من إثرها ارتفاع أصوات في (البرلمان السوري) حول آثار سلبية رجع الصدى في سورية وخارجها. يقول في منظومته :
عندما يولد في الشرق القمر
فالسطوح البيض تغفو
تحت أكداس الزهرْ
يترك الناس الحوانيت ويمضون زُمَرْ
لملاقاة القمرْ
يحملون الخبز والحاكي إلى رأس الجبالْ
ومعدّات الخدَرْ
ويبيعون ويشرون خيال وصور..
ويموتون إذا عاش القمر.
لم يكن النصّ النزاريّ بمقصده البعيد ومغزاه في منأى عن نقد الشعراء والدارسين، فهم يرون أن إسهاب نزار في وصف الجسد الأنثوي نيلاً من مكانة المرأة وقيمتها، دون أن يقرؤوا قصد نزار الذي أراد تحرير المرأة من عبوديتها، يقول نزار:
(( وليس من باب التبجّح والغرور القومي أن أقول إن تجاربي، وأبطالي، وخلفية شعوري، كانت عربية مئة بالمئة، والنساء اللواتي يتحركن على دفاتري هنَّ عربيات، وهمومهن، وأزماتهن، وأحزانهن، وصرخاتهن، هي هموم وأزمات وصرخات الأنوثة العربية )) 7
لم يتوقف قباني عند حال المرأة العربية وما تعانيه من استعباد ودكتاتورية تمارس عليها، وتجعلها كيساً للتقيؤات النفسية، لا بل إن جمال الأنثى كان غالباً ما يذكره بتاريخه والآباء والأجداد، فكان كما يفكّ ضفائر القصيدة، يزهو بشِعره في خصلات شَعر الحبيبة ويصبغها بلون القمح، فخصلاتها تذكّره بسنابل حقول بلاده.
فتجد سير النبلاء، ومغزى التاريخ في ذلك النصّ الغزليّ للوهلة الأولى، وتجد تراجم الرجال، سير الأبطال، كقصيدته (غرناطة) التي يصف فيها لقاءه بتلك الفتاة الأسبانية :
غرناطةٌ ؟ وصحتْ قرونٌ سبعةٌ
في تَيْنَك العينين بعد رُقادِ
وأميةٌ راياتها مرفوعةٌ
وجيادُها موصولةٌ بجيادِ
ما أغربَ التاريخ كيف أعادني
لحفيدةٍ سمراءَ من أحفادي
وجهٌ دمشقيٌّ رأيتُ خلالَه
أجفانَ بلقيسٍ وجِيْدَ سعادِ .
البيت الدمشقي:
تعشُّق المكان، صورة نزار الشعريّة :
يبرز المكان في شعر نزار سيرة تتجاوز الفردية ليُدرَك من خلاله مثول المكان بتلقائية أصلية، عندما يدفع المكان إلى أعماق ذواته ويصبح بصورته الشعرية أي جماليته، فيعيش لحظة الصفاء والشفافية، ومن هنا كان تميز شعر نزار، فالمكان عنده ليس بأبعاده فحسب، بل هو دمشق بمكوناتها الكثيرة والمتشابكة ذات الخصوصية، الجمال وتاريخية المكان، سحر البنيان المعماري، رموز الحضارة والفكر والثقافة. عاش نزار في دار عربية شامية العمارة في حي (مئذنة الشحم) وهي دار واسعة فيها إيوان وغرفتان تحيطان به في صدرها، وبركة ماءٍ يحلّق فوقها رفيق أحلام قبّاني تقطع السكون بنغمٍ مؤنِس، فكان البيت الدمشقي الذي أوى فيه كثيراً، القريب من سوق الحميدية، وأسواق دمشق الشعبية القديمة كسوق البزورية وسوق الخيّاطين، ونفحات البخور والعطر المنثور صباحاً مفاتيح شعر قباني، الذي قال:
هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟
بيتنا كان تلك القارورة، إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر وإنما أظلم دارنا !
الورد البلدي سجاد أحمر ممدودٌ تحت أقدامك، والليلكة تمشط شعرها البنفسجي، والشمشير والخبيزة، والشاب الظريف، والمنثور والريحان والأضاليا وألوف النباتات الدمشقية لا تزال تتسلق على أصابع نزار كلّما أراد أن يكتب).
تجلّت قيمة المكان أبعد من ذلك، عندما تندمج ألفةً فيه فيتحوّل المكان إلى جزء من الطبيعة والتكوين البشريّ، ليتردد صداه في نزار ويغدو يأويه دون أن يسكنه، ما يجعل اختلاط الحروف مزيجاً من الحبّ الرومانسي ذي الجوى، جوى المكان وجوى الحبّ، ويصبح المكان ليس شيئاً بل قيمة. ((احتفظ نزار بذلك في وجدانه وصدر هذا في مواقفه الشعرية، وذكره حين أعادته حسناء غرناطة إلى دمشق وبناتها وأهلها وإلى داره وأمه تحنو وترعى الأسرة، وترصف أصيص النباتات العطرية في أطراف البيت كلها )) 8
فيقول:
ما أغرب التاريخ كيف أعادني.. لحفيدةٍ سمراءَ من أحفادي
ورأيت منزلنا القديم وحجرة.. كانت بها أمي تمدُّ وسادي
والياسمينة رُصِّعت بنجومها.. والبركة الذهبية الإنشادِ.
وعن أثر بيته في دمشق في شعره يقول:
عندما يولد الطفل في قارورة عطر فإن الرائحة تطارده حتى آخر يوم من أيام حياته، تطارد طفولته وتطارد كتبه ودفاتره وأقلامه، بل تطارده ثقافياً وشعرياً وحضارياً، إنّ صوت نافورة الماء في باحة بيتنا الدمشقي لا يزال يهدر في أذني، رغم أن نافورة بحيرة جنيف أراها من نافذتي، عندما يقول ناقد عن لغة نزار قباني إنها (لغة مائية) يكون قد وضع يده على أهم مفاتيحي، أنا شاعر (الأكواريل الدمشقي).
أقول كما يقول بيكاسو إنه شاعر التكعيبية، وكما يقول سيلفادور دالي إنه شاعر السيريالية، إن طفولتي، باختصار، كانت علبة ألوان، فإذا كنت قد (رسمت بالكلمات) فلأنَّ البيت الشامي الذي ولدت فيه، كان بمثابة (الأتيلييه) الذي جهزني بكل المواد الأولية من فراشي، وألوان، وقماشات، لأضع لغة فيها كثير من تشكيلات قوس قزح، فأنا محصول دمشقي مئة في المئة، وأبجديتي تحتشد في مآذن الشام وحمائمها، وياسمينها، ونعناعها، وخوخها، وعنبها، ووردها البلدي، وبين كل فاصلة وفاصلة من قصائدي تضيء عينان دمشقيّتان).
التحوّلات السياسيّة والاجتماعيّة في شعر نزار: ثنائياتٌ ضدّية، عشق بيروت أنموذجاً :
من العناصر المشكّلة للظاهرة في شعر نزار الصرخة الاجتماعية، والسياسية، وهي في حقيقتها انعكاسٌ لروحه الوطنية والقومية؛ ولأن لغة المثقفين في جميع البلاد العربية – عند نزار – هي القاسم المشترك الصحيح والمادة الأولية التي يجب استعمالها في كلّ ما يُكتب، شعر، قصة، مقالة، نقد
كان للتحوّلات السياسية التي عاشتها المنطقة العربيّة، والاجتماعية التي عاشها نزار كوفاة زوجته بلقيس أثر هذه التحولات أيضاً، بالغ الأثر في شعره.
من قضاياه الأساسية منظومة (هوامش على دفتر النكسة)، وهي تبدأ دون تقديم أو تمهيد، يقول فيها:
أنعي إليكم يا أصدقائي اللغة القديمه
والكتبَ القديمه
أنعي لكم كلامنا المثقوب…
يجوبُ بعدها في أحوال الدنيا بعد حزيران ١٩٦٧، ويدور إلى بلاد العرب، راحلاً يخاطبُ سكانها:
مالحةٌ في فمنا القصائد
مالحة ضفائر النساءْ
والليل والأستار والمقاعد
مالحة أمامنا الأشياءْ
يا وطني الحزين
حوّلتني بلحظةٍ
من شاعر يكتب شعر الحبِّ والحنين
لشاعرٍ يكتب بالسكين…
ويطلب من الأمة أن تنهض، وأن يقوم جيل جديد يجدد التاريخ ويمتن نصّه بروح المجد، فيقول:
نريد جيلاً يفلح الآفاق
وينكش التاريخ من جذوره
وينكش الفكر من الأعماق
نريد جيلاً قادماً مختلف الملامح…
تجاوزت دمشق في شعر قباني حدود الوصف فأصبحت هوُيّة عشقيّة يحملها في حقائب سفره أينما حلّ وكيفما ارتحل، ينطلق بعشقٍ جامعٍ للوطن الكبير من بيروت، ليفتح ذراعيه للأفق حيث عبق الحرّية بكل معانيها، هناك حيث منفاه الاختياريّ المتشبّع بمدن الحبّ والجمال، الذي مارس فيه مطلق الحرّية التي ينشدها، تلك الحرية التي لم يركن إليها في مسير عمله الدبلوماسيّ الطويل، وكأنها من زقاقٍ يُطبِق على منتعله، فيكون بذلك خارج المدن التي تدور كالأفلاك في مداره الوجدانيّ المشبّع عروبةً ووطنيّة.
فيقول:
الله يفتّشُ في خارطة الجنة عن لبنان
والقمر الأخضر
عادَ أخيراً
كيف يتزوجَ من لبنان
أعطيني كفك
يا جوهرة الليل، وزنبقة البلدان. 11
في بيروت “معشوقته”، وهبته أعزّ ما قد يملكه الحبيب العاشق، أجنحةً يحلّق بها في فضاء الإبداع، فيها لا تُرسَم حدود للكلام أو يشقى الحب بالقيود، فيجد المعشوقة وقد انداحت الخفافيش في هطول صباحها نوراً بين وردِ الحب ونار الحرب، فيلقي في مسمعها، ويقول:
آه يا عشاق بيروت القدامى
هل وجدتم بعد بيروت البديلا
إن بيروت هي الأنثى التي
تمنح الخصب وتعطينا الفصولا 12
وما يلبث الحبّ المدفون يرثي القلب الوَلِه على مدينةٍ تمرَّغ عشّاقها في حضنها، ولم يلتفتوا لجمالها، إلا بعد أن غُرست أنياب الطائفيّة في رقبتها، يقول، في قصيدة (يا ست الدنيا يا بيروت) :
يا ست الدنيا يا بيروت
يا حيث الوعد الأول والحبّ الأول..
يا حيث كتبنا الشعر.. وخبأنا بأكياس المخمل..
نعترف الآن بأنا كنا يا بيروت
نحبك كالبدوِ الرّحّل..
ونمارس فعل الحبّ.. تماماً
كالبدو الرّحّلْ..
نعترف الآن بأنك كنت خليلتنا
نأوي لفراشك طوال الليل..
وعند الفجر نهاجرُ كالبدو الرّحّلْ 13
ولثنائيات، الحب والحرب، الجمال والقبح، الحياة والموت، حالة تناقض شعرية يعشها قباني في مدينةٍ أمدَّته بالحب والجمال.. ليقف على أطلالها تارةً ينعي الأمس القريب، وتارةً أخرى يضع الورد على ضريحها زائراً، تلك الثنائيات التي اجتمعت في مدينةٍ تُستَحق أن تُعشق، يقول:
ليس سهلاً في زمان الحرب أن يسترجع الإنسانُ
وجه امرأة يعشقها..
فالحرب ضد الذاكرهْ..
ليس سهلاً في زمان القبح..
أن أجمع أزهار المانوليا..
والفراشاتِ التي تخرجُ ليلاً من شبابيك العيون الماطرهْ
قذفتني هذه الحرب بعيداً عن محيط الدائرهٍ..
ألغتِ الخط الحليبيّ الذي ينزل من ثديكِ..
نحو الخاصرهْ 14
*الطبيعة والتراث عند نزار: الياسمين في الشعر
تحتض الرؤية النزاريّة الطبيعة والتراث ببعديهما المادي وغير المادي، ليس كموضوع قائم بحدّ ذاته في أشعاره، بل أن ما يرتبط فيهما يتخطى حالة الوصّف الشعريّ الملتزم بالحرفية والحياد.
قال نزار: (( إن الطبيعة كعالم منفصل لم تلعب في شعري دوراً مهماً. كان الإنسان أهم منها وأقوى حضوراً. صحيح أنني كتبت عن النجوم، والغيوم، والينابيع والبحار، والغابات، ولكنني كنت دائماً ما أربطها بعلاقة إنسانية ما.. وبتعبير أوضح كنت أضع كل هذه الأشياء الجميلة تحت تصرف المرأة التي أحبها، وفي خدمتها.)) 9
وللتراث في فكره وأشعاره، حضور خاص كمفهوم، بعناصره: كالبيت الدمشقي، ومطحنة البن، ونافورة البيت، ومظلة الفيء، والياسمين. (التراث مرحلة أولى، يقول نزار، كالطفولة مثلاً، لا بد من المرور فيها للوصول إلى مراحل الشباب والكهولة والشيخوخة، ولا يمكن القفز فوق رقبة الزمن بشكلٍ بهلواني، كما لا يمكن قطع حبل السرّة، كما تقطع حبل الغسيل)) 10
جعل الياسمين الدمشقي هوُيّته العشقيّة فبرز في شعره الوجدانيّ الغزليّ، فيسلّم عليه ويقول:
سلامٌ على ياسمين دمشق
يعربشُ حيناً على كتفي
وحيناً على شرفات الغمام
ويجعلني ملكاً أموياً
ونافورة في بيت الشام
فيها شيء من زغب الحمام
وطفولة الياسمين
وبكاء النوافير الدمشقية
عندما تكون في حالة عشق.
للأعناب الداليات، أو العريشة، في البيت الدمشقي خصوصيةٌ في شعر نزار، ليس ليخمّرها فيسكر ليكتبْ، بل لتلحق بالقصيدة وتختمر في أحرفها وتسكبها في كأس من ألقى السمع في شعره فيسكَر، يبثّها الشجون والعواطف، قائلاً:
زاولت ألف مهنة ومهنة
في زمن الشباب
أسست جمهورية للعشق
لا تغرب عنها الشمس
فيها النخل، والرمان، والأعناب
وكان عندي دولة كبرى
من الشفاه، والعيون، والأهداب.
للقهوةِ الدمشقيّة طقوسٌ خاصة، تأخذ حضوراً بهيّاً في ظلال الياسمين وصعود الأدراج الرّخامية، بألوان الهيل وطريقة إعدادها، فيقول في (قصيدته الدمشقية):
طاحونة البنِ جزء من طفولتنا.. فكيف ننسى؟ وعطرِ الهالِ، فـوَّاحُ
هذا مكان (أبي المعتز) منتظر.. ووجه (فائزة) حلو ولمَّـاحُ.
تظهر العلاقة بين دار قباني والجامع الأموي الذي يتردد الأذان في مآذنه الثلاث ويصغي نزار بولَهٍ لأداء المؤذنين المميز الذين ينطلق منهم الصوت الجماعيّ، وهذه تقاليد دمشقيّة في شعره عندما يقول:
مآذنُ الشام تبكي إذ تعانقني
وللمآذنِ كالأشجارِ أرواحُ.
أصبح قرّاء نزار يعرفون البيت الدمشقيّ بكل تفاصيله وباحته السّماويّة وصورته التي زخرفت أحرف نزار ونُقشت في قلبه، وتبدّت نغمةً ساحرةً على شفاه حروفه ممتزجة في انفعالات روحه وتعلّقه بالوطن كلّه.
ورغم المتناقضات التي يعيشها نزار في شعره عن بيروت، يؤكد حبه لها، رغم ما لحق فيها من صورٍ للدمار والعنف، يقول في قصيدة (يا ست الدنيا يا بيروت) :
ما زلتُ أحبكِ يا بيروت المجنونه
يا نهرَ دماءٍ وجواهر
ما زلتُ أحبكِ يا بيروت القلب الطيّب
يا بيروت الفوضى..
يا بيروت الجوع الكافر، والشبع الكافرْ
ما زلتُ أحبكِ يا بيروت العدل
ويا بيروت الظلم
ويا بيروت السّبي
ويا بيروت القاتل والشاعر 15
يتجلى بعدٌ نفسيٌّ آخر لنزار، يتهم بيروت بالقسوة، القسوة التي تبدّت حرباً أهلية كانوا فيها أهلها الجلّاد والضحية. فيقول:
من أين أتتك القسوة يا بيروت
وكنت برقّة حورية..
لا أفهم كيف انقلب العصفور الدوريّ..
لقطة ليلٍ وحشيّة..
لا أفهم أبداً يا بيروت
لا أفهم كيف نسيتِ اللَّه..
وعدتِ لعصر الوثنيّة..
ولحادثة رحيل زوجته العراقية بلقيس في تفجير السفارة العراقية في بيروت، دلالات سلبية خلقت تحوّلاً اجتماعياً في حياته ترافقَ مع التحوّلات السياسية أيضاً، تلك الأخيرة التي اغتالت معشوقته الأولى، فكيف لبلدٍ غفت أجفان نزار فيه عشقاً وهياماً أن يَقتُلَ معشوقته وحبيبة قلبه، فظهرت الدلالات السلبية بشكل أوضح في موقف جدليّ تجلّى بالصّراع الذي عاشه نزار ما بين النقمة على المدينة والتعاطف معها، يقول:
بعد عامين طويلين من الغربة والنفي
تذكرتك في هذا المساء
كنت مجنوناً بعينيك
ومجنوناً بأوراقي.
وجرّت النقمة حروف رثاء الحبيبة، فيقول في قصيدته (بلقيس) :
وبيروت التي قتلتك لا تدري جريمتها
وبيروت التي عشقتك تجهل أنها قتلت عشيقتها
وأطفأت القمر. 16
ويوغل في نقمته على من حرمه حبيبته :
بيروت تقتل كل يوم واحداً منا
وتبحث كل يوم عن ضحية..
قتلوك في بيروت مثل أي غزالة
من بعدما قتلوا الكلام.
يحمّل نزار العرب مسؤولية فتك الوحش الطائفي بجسد بيروت الغضّ، فهي تدفع ثمن جمالها الوادع، وحرّيتها الكبيرة، لتكون أضحية أعياد الأعداء، بينما ينتظر العرب لقمةً من موائد فيقول:
آه.. يا بيروت،
يا صاحبة القلب الذهبْ
سامحينا..
إن جعلناكِ وقوداً وحطبْ
للخلافات التي تنهش من لحم العربْ
منذ أن كان العربْ!!
و لـ (نحن) النزاريّة أبعادٌ تتعدى خصوبته الشعرية، أو لغته المائية، إنها عجز عشّاق بيروت عن رد مكيدة ذبحها، وعدم القدرة على حمايتها مما دبّر لها، يقول:
يا ست الدنيا يا بيروت
من باع أساورك المشغولة بالياقوتْ
من صادر خاتمك السحريّ،
وقصّ ضفائرك الذهبيّة؟
من ذبح الفرح النائم في عينيك الخضرواين؟
من شطّب وجهك بالسكّين،
وألقى ماء النار على شفتيكِ الرائعتينْ
من سمّم ماء البحر، ورشّ الحقد على الشّطآن الورديّة؟
ها نحن أتينا.. معتذرين ومعترفينْ.
*الانقلابية عند نزار: المقاومة وفلسطين
كان للشعر الوطني والقومي الذي اشتملت عليه دواوين نزار قباني المساحة الأكبر في مطولته (هوامش على دفتر النكسة) ١٩٦٧ وما بعدها.
يرى نزار أن الكتابة عمل من أعمال العنفوان، ومن البديهي أن تكون المقاومة كعمل تكاملي حاضرة في الشعر النزاري، ذلك أن العلاقة بين الوعي الفكري والإبداع الأدبي تتنامى وتتناسب طرداً؛ كون العدوان على الأمة يصنع التحدي ويكون الأدب أحد أشكال رد العدوان، الذي يستنهض الهمم والقدرات المختلفة ومنها الشعر الذي تحول نثراً فيما بعد كما سنوضح عند نزار.
شكّل الفارق المفصلي في تاريخ الأمة العربية (نكسة حزيران) أو ما يعرف “بحرب الأيام الستة”، مدرسة نثرية لدى نزار، يُخرج فيها اهتمامه والأصح انشغاله بالسياسة في بعدها القوميّ – العربيّ، وكانت فلسطين مقياس كرامة العرب عند نزار، وهو يكتب لها بأصالة وطنية تعكس عمق الانتماء والإيمان بعدالة القضيّة الفلسطينيّة.
نكسة الأمة كانت الجمرة التي أحرقت فؤاد الشاعر، والرصاصة التي أدمت قلبه أيضاً، فلم يجد سوى الكلمات تطفئ لهيب جمر الحسرة، وتقطّب الجراح، فيقول في منظومته (هوامش على دفتر النكسة) منتقداً واقع العرب:
كان بوسع نفطنا الدافق بالصحارى
أن يستحيل خنجراً..
من لهبٍ ونار..
لكنه..
واخجلة الأشراف من قريشْ
وخجلةَ الأحرار من أوس ومن نزارْ
يراق تحت أرجل الجواري
تحول نزار للنثر ليس اكتشافاً لشيء جديد في الأدب، أو شق طريق ربما، بل اكتشاف لهواجس اعتلجت صدره فترجمها في مقالاته، في مجلة (الأسبوع العربي) اللبنانية إذ اعتبر:
(( الشاعر لا يعبر إلا عن عشرة في المائة عن فكره، أما التسعون في المائة فلا تقال إلا نثراً )) 17
ومع تطور أحداث الصراع العربيّ – الصهيونيّ طبع شعر نزار بطي الأفق الذي يؤشر بالاقتراب من الحرب التي يُستعاد فيها الزمن المجيد من تاريخ الأمّة العربيّة، فقد أعلن في مطلع تشرين الأول/أكتوبر، أنَّ:
(( المكان الطبيعي للكاتب العربي هو صفوف الانقلابيين، والقاسم المشترك بين كل من يكتبون هو الثورة، والرغبة في تغيير جلد العالم العربي ونغير دمه )) 18
الحرب الولّادة تغمر روحه وتحمل جنين الفرح الذي أعاد للأمة عزتها وكرامتها وماء وجهها الوضيء، بل يلد هو أيضاً فيها، يقول:
(( إنني أشعر أن حرب السادس من أكتوبر هي لحظة ولادتنا الحقيقية التي أشعرتنا أننا لا نزال قادرين على الإخصاب والإنجاب )) 19
تلك الولادة تكون من رحم الماضي والحاضر لبناء المستقبل، الفعل الثوري المتحرر من طغيان الاستبداد والسيطرة، يرى نزار ويقول:
(( أول شرط من شروط الثورة هو أن يكون وراءها قضية، وأهم ما يميز الثائر أنه يحمل تصوراً واضحاً للمستقبل، وفي غياب مثل هذا التصور يصبح الانقضاض على التراب بصورة مجانية وغوغائية عملاً من أعمال التخريب )) 20
القارئ لنزار وشعره يسمع من خفقات الحروف عبق التاريخ وفلسفته شعراً، ولأن الثورة تكون من أجل قضية – كما سبق وأشرنا – كانت فلسطين حاضرة عنده ولها النصيب، وكان هو فيها البارز ثورةً ومقاومةً، لأن السبيل الوحيد لتحرير فلسطين عنده هو المقاومة والكفاح المسلح إذ يقول:
(( مفاتيح فلسطين موجودة في جيوب الفلسطينين ومعلّقة في رؤوس بنادقهم )) 21
يتجاوز شعر نزار عن فلسطين وصف الأدب الملتزم؛ لأنه ينبثق من حالة وجدانية عميقة اتصلت بالتاريخ ومحاكاته، بل وكانت تتفاعل مع كلّ مجريات القضية الفلسطينية، تصبغ ضفائرها مرةً بحناء الفقد، وأخرى تلبسها أساور البهجة والسعد.
فحظيت بقدر كبير من قصائده التي حفزت الهمم وشدّت العزم، وعالجت في أبعادها تفاصيل متعددة مكوّنة للقضيّة الفلسطينيّة، حيث تنبّه الشاعر لخطورة الهجرة اليهودية لفلسطين في قصته (راشيل شوارزنبرغ) :
فليتذكر الصغار
العرب الصغار حيث يوجدون
من ولدوا منهم ومن (سيولدون)
قصة إرهابيّة مجنّدة
يدعونها (راشيل)
حلّت محل أمي الممدة
في أرض بيارتنا الخضراء في الخليل
أمي أنا الذبيحة المستشهدة
وليذكر الصغار
حكاية الأرض التي ضيّعها الكبار.
وبحرقة، يكتبُ فلسطين بمحبرة القلب المفطور، وبالجرح الذي لم يبرأ بعد. يقول في مهرجان دمشق الشعري كانون أول ١٩٧١ :
من ((مفكرة عاشق دمشقي)) :
سقوا فلسطين أحلاماً ملونةً..
وأطعموها سخيف القول والخطبا.
وخلّفوا القدس فوق الوحلِ عاريةً..
تبيح عزة نهديها لمن رغبا.
أيا فلسطين… من يهديكِ زنبقةً ؟
من يُعيد لكِ البيت الذي خربا ؟
مراراً، يؤكد أن الخلاص لا يكون إلا بالمقاومة والكفاح المسلّح، فالطريق عنده واحدٌ، مفروش بالبارود، يمرّ من فوهة البندقية، فلا يمكن أن يُستعاد الحق إلا بالقوّة كما أُخذ.
يقول (في طريقٍ واحد) :
يا أيُّها الثوار..
في القدس في الخليل في بيسان في الأغوار
في بيت لحم..
حيث كنتم أيّها الأحرار
تقدّموا..
تقدّموا..
قصة السلام مسرحية
والعَدْلُ مسرحية
إلى فلسطين طريقٌ واحد
يمر من فوهة بندقية.
وفي منشوراته ((فدائية على جدران “إسرائيل”))، يوضّح نزار ويبيّن جذرية ارتباط الفلسطيني بأرضه، فلا يمكن للتهجير أو القتل وإن أفنى الجسد وبدد رماده أن يَنفي الفلسطيني.. الذي يملك السؤال وإجابته؛ وإن شرّده الاحتلال ورمى به في هاويات المنافي، يعود حيث ترك روحه أول مرّة، فيقول:
أنا الفلسطيني بعد رحلة الضياع والسرابْ
أطلع كالعشب من الخرابْ
أُضيءُ كالبرقِ على وجوهكم
أهطِلُ كالسحَاب
أطلعُ من رائحة الترابْ
أفتحُ بابَ منزلي…
أدخله من غير أن انتظر الجوابْ
لأني أنا السؤال والجوابْ.
وفي غزة هاشم، يدعو نزار شبابها وأطفالها أن يعطوا من مدرستهم دروساً للرّجال حتى يصبحوا رجالاً، وليمضوا في طريق رجولتهم دون أن يجعلوا (رجال) عصرهم المفترضون مرجعاً، يقول:
يا تلاميذ غزة علمونا
بعض ما عندكم
فنحن نسينا
علّمونا
بأن نكون رجالاً
فلدينا الرّجال
صاروا عجيناً
أضربوا بكل قواكم
وأحزموا أمركم ولا تسألونا.
*النتيجة
في ضوء ما سبق، نلحظ أن التجربة الشعرية لنزار قباني الناضجة في وقت مبكر من حياته، عكست إبداعاً كبيراً أثرت فيه طبيعة النشأة والتربية، وارتبطت بأصالة قيمه ووطنيته التي تربّى عليها في بيته الدمشقي الذي حمله في حقائب سفره، وما أكد أصالة وجدانه هي النقلة النوعية في مساره الشعري منذ ما بعد نكسة حزيران، فنجده الشاعر الذي يصلح شعره لكل زمان ومكان، اللغة المائية، الخصوبة الشعرية، الطفولة، المرأة، والوطن في دفاتره، كلّها جعلت من قصائد نزار صوتاً حرّاً بعفوية تخلو من الزخرفة والتكلّف.
*قائمة المراجع :
– نزار قباني في السياق الشعري السوري، ص٣٨، مجلة المعرفة، عدد ٧١٧ – ٧١٨، تموز آب – ٢٠٢٣
– المرجع السابق نفسه ص٣٩
– الجيوسي، سلمى خضراء، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، ص٢٧٢
– قصتي مع الشعر، نزار قباني، ص٢٦٨
– رعاية وفتح للأبواب، المعرفة، ص٣٠
– نزار قباني ظاهرة في الشعر العربي المعاصر، المعرفة، ص٧٦
– عن الشعر والقصيدة والتجربة، نزار قباني، المعرفة، عدد ١٣١، ١٩٧٣
– قباني ظاهرة في الشعر العربي المعاصر، المعرفة، ص٧٥
– عن الشعر والقصيدة والتجربة، مقالة نزار قباني في المعرفة، عدد ١٣١، كانون ثاني ١٩٧٣
– البيت الدمشقي مظلّة الفيء والرطوبة قراءة في أدب نزار قباني، غسان كلاس، دمشق دار المقتبس ٢٠٢١
– نزار قباني، الأعمال السياسية الكاملة، ص٥٨٨
– المصدر السابق نفسه، ص٦٢٧
– المصدر السابق نفسه، ص٥٨٤
– المصدر السابق نفسه، ص٥٩٤
– المصدر السابق نفسه، ص٥٨٩
– نزار قباني، الأعمال الشعرية الكاملة، ص٣٦
– نزار بين الحداثة والجاهلية: الموقف الأدبي، العدد ٤٤٩، ص٤٢.
– مقالة نزار: الكتابة عمل انقلابي، مجلة الأسبوع العربي، ص١٢، ١٩٧٣
– المصدر السابق نفسه، مقالته، يموتون عن العرب بالوكالة، ص١١، ١٩٧٣
مقالته، الهيبيون يكتبون الشعر، ص٢٤، ١٩٧٤
– مقالته، ماذا بعد إسحق الموصلي، ص٤٦، ١٩٧٤
– فلسطين في شعر نزار قباني، غسان كلاس، المعرفة، ص ١٩٨، عدد ٦٧٨، آذار ٢٠٢٠