صديق عمري سلاما لروحك يطيب السلام
ودودا محبا سموحا ….يشهد لك الانام
*الأعلامي سعدالله بركات
جمعتنا بلدة ومدارسها ، آختنا طفولة ، ومرابعها ، ومبكرا باعدتنا سبل دراسة وعمل ، ولكن ما انقطع حبل ودّ وأمل ، بل راح يشتدّ ويقوى ، بتواصل وتشارك رؤى وطموحات ، هو الذي اخذته بعد الإعدادية ، مدرسة البريد والهاتف إلى دمشق ، وأنا التي جذبتني دار المعلمين بحمص ، لكن ذلك زادنا تقاربا ،فليست الصداقة البقاء مع الصديق وقتاً أطول، الصداقة ھي أن تبقى على العھـد حتى وإن طالت المسافات أو قصرت.
كان موقنا أن الصداقة مظلّة تظلك من لهيب إشكالات حياة ومن أشواكها . وأن الصداقة وردة وفاء وحب، كان متمثلا لها مقولة حياة ، وأن الصداقة تحتاج أن نسقيها بالاهتمام حتى لا تذبل . وهانحن نفتقده بصداقة وفية من أهم ّ كنوز الدنيا طالما تمسك به،وهانحن نفتقد عبود صديقا حقيقيا رفيق كل وقت، مساندا في الشدة قبل الفرح.
كم كان فرحا حين ساقتني تعيينات العمل إلى دمشق ، وكم كنت مغتبطا بعودة تلاقينا ، وتسامرنا ،لكنها فترة لم تطل ، حين أعاده العمل إلى حمص وراح يشقّ طريقه في الحياة ، طامحا مكافحا كما كل أبناء جيلنا ، لم نكتف بشهادة تأهيل لكسب الرزق ، وإنما أخذنا من وقت راحة لتحصيل معيشي ، ودراسي جديد .
عبود سركيس درّوج راح يروي شغفه بالتاريخ ، حين ولج بابه في جامعة دمشق ، وهو القارى النهم له ولمنابع ادب وثقافة ، شاغلته الحياة في متاعبها ، فتحداها وحقق حلمه ببيت وعائلة رائعة ، لم يهنأ حتى عاد لصدده ،عملا أو منزلا ، طالما أشركني غبطته بسهرات سمره ، أو متعته بحديقة منزل ابتناه وجمّلها بعرق الجبين ، ومنّن نفسه بأواخر عمر هانئا فيهما ، حتى حين طالته الحرب وإرهابها ، لم ينكسر ، ولم يقنط ، رمّم النفس قبل جدرانه ، لولا أن سكتة عاجلته ، فتركت آثارها على ابتسامة طالما احببناها ، وطالما لاقانا بها فرحا مرحا.
كيف لا وأبو سميرة ، ديدنه حبّ ومودة ، غيّرية على قربى أو صداقات ، بل على بلدة عشقها وأرادها نموذجا لتطور ونماء ، لبناء وعطاء ، لتحابب وإخاء ، عبود لم يعرف الحقد سبيلا إلى نفسه ، ولم يقاربه تفكير بأذى لأحد ، كريم اليد والنفس كان أبو سميرة ، مؤمنا بحق ، وحين التزم واجبات كنيسته ، فعن قناعة وتمثل لرسالة إيمانية سمحاء ، وصداقاته المتعددة في حمص وحيث عمل تدلّ على روح محبّة تشبّع بها منذ الصغر في بيت إيمان ومودّة …..
نشتاقك أبا سميرة بحجم استحالة رؤياك ، ولا زلت أتخيل أن وفاتك مجرد حلم، وأنك على قيد الحياة، أتذكرك فأبتسم مرة وأبكي ألف مرة ، وأنا استعيد في الذاكرة تفاصيل وجهك الطيّب، ضحكاتك، أيامك أفعالك أقوالك، خفّة الوقت معك .
ما أبهاك ، وأنت تستقبلنا ! ما أروعك وأنت تسامرنا ! كم كنت محبا وأنت تستوضحنا اطمئنانا ،أو مواسيا ومشجعا، أو مشاركا لحظة فرح ، تراها عابرة في خضمّ الحياة ، فتعبق من أريج محبتك ، وإن بكلمات .
نفتقدك أبا سميرة ، ونفتقد برحيلك كل تلك الصفات ، فإلى جنّات النعيم ، رفقة الأبرار والصالحين ، نستودعك الله ، رحمة ومغفرة وسكينة مشتهاة ، فقدر الرحيل لامفرّ منه ، وفي كل لحظة لابد آت آت ، ترانا نبكيك وفي قولة الشاعر بعض عزاء :
“تبكي عيون الأنام قرّتها. ونورها بينهم وبهجتها
أحقا إن ،،عبود ،، غادرنا. لبقعة أسكنتْه تربتَها
فلا تلمْ في القلوب منكسرًا. فحبـُّه قد أصاب حبتَها”
عزاؤنا سيرتك العطرة ، من جد وكفاح ، فيما حقّقت وتجاوزت من خيبات بنجاح، فإلى زهراتك الخمس ، صادق المواساة ، وطيب التحايا إلى رفيقة دربك ، شريكة عمرك ، أمّ سميرة ، على مساندتها وتحفيزها لك ، وما بذلته من جهد من قبل محنتك ومن بعد ….وأما أسرتك الكبيرة ومحبوك وعارفوك فنشاطرهم الأسى واستمطار الرحمات لك ولمن سبقك من أحبة ومثلك بلا وداع رحلوا آمين