مهند الحميدي – نفحات قلم
أصدرت باحثة الدكتوراه السورية المهندسة ريماز السويحة، دراسة عن تسخير تقنيات النانو والذكاء الاصطناعي في سبيل تطوير قطاع العمارة المستدامة وتأثير المواد النانوية على تعزيز الجانب الإبداعي لغلاف المباني المستدامة.
وفي الأعوام الأخيرة، شهدت تقنيات النانو اهتماماً عالمياً، لما تطرحه من إمكانيات واعدة للتطوير في مختلف مجالات العلوم؛ مثل الفيزياء والكيمياء والهندسة والطاقة وغيرها.. ويساوي النانومتر جزء من مليار جزء من المتر.
وفي قطاع العمارة، حظيت تقنيات النانو باهتمام المهندسين والباحثين، في ظل ما تقدمه من تطبيقات علمية واعدة في المستقبل قد تغير وجه العمارة وتعزز مفهوم الاستدامة والمدن الذكية والخضراء.
وسلطت السويحة الضوء على أهمية استخدام المواد الحديثة؛ مثل المواد النانوية في تصميم الغلاف الخارجي للمباني المستدامة، فضلاً عن تأثير استخدام المواد النانوية -بخصائصها الجديدة- على عملية الإبداع في تصميم الأغلفة
الخارجية، بعناصرها الثلاثة؛ الأسقف والجدران والفتحات.
وفي حديث خاص لنفحات قلم؛ قالت السويحة، إن “الدراسة تهدف إلى تعزيز الاعتماد على تقنيات النانو، لتطوير الإبداع المعماري الشكلي في تصميم المباني المستدامة، دون إغفال جوانب الاستدامة، وذلك من خلال تحليل دور المواد النانوية في تشكيل الغلاف الخارجي للمباني المستدامة وتوضيح مدى أهمية تطبيق هذه التقنية الحديثة في مجال التصميم المعماري”.
وأضافت: “قدمت دراسة نظرية عن أهمية تقنية النانو وموادها، والإبداع المعماري ومنابعه وروافده، وأهمية استخدامها في تصميم المباني المستدامة، ثم تحليل عنصر الإبداع في أنظمة تقييم الاستدامة العالمية والإقليمية والهيئات المحكمة للمشاريع المتميزة عالمياً وصولاً إلى 10 مفردات إبداع أُضيفت إلى آلية التحليل المقترحة للمباني العامة المستدامة المستخدمة لتقنية النانو حول العالم”.
ويهدف استخدام المواد النانوية في غلاف العمارة إلى تعزيز أداء المباني ومتانتها وكفاءتها، والعزل الحراري والصوتي ومقاومة العوامل البيئية، للوصول في المحصلة إلى تحسين جودة الحياة داخل المباني وتقليل الاستهلاك الحراري.
التقنيات المطبقة
ويطبق المهندسون والباحثون في مجال العمارة تقنيات النانو المتقدمة لتصميم وتصنيع المواد المستخدمة في غلاف العمارة؛ ومنها تقنيات نانو الطباعة، والتصنيع الدقيق، والطلاء النانوي، وتطبيقات المواد النانوية في الطلاء.
آلية العمل
وتعتمد آلية عمل المواد النانوية في غلاف العمارة على تحسين الخواص الفيزيائية والكيميائية للمواد على مستوى النانو، ما يؤدي إلى تعزيز الأداء العام للهياكل المعمارية؛ ويمكن -على سبيل المثال- تحسين مقاومة العزل الحراري بواسطة تطبيق طبقات رقيقة من المواد النانوية على السطوح.
التركيبات الكيميائية النانوية
وتشمل التركيبات الكيميائية للمواد النانوية المستخدمة في غلاف العمارة مجموعة متنوعة من العناصر والمركبات؛ منها النانو تيوبات (قضبان الحديد والصلب)، والنانو جزيئات، والنانو بلورات، والنانو مواد الكربونية مثل الغرافين، والنانو جسيمات المعدنية.
أبرز الفروقات بين العمارة النانوية والتقليدية
وتمتاز العمارة النانوية عن العمارة التقليدية بجوانب عدة؛ منها تحسين الأداء الحراري والبيئي للمباني عن طريق استخدام مواد نانوية توفر عزلاً حرارياً وصوتياً فعالاً، وزيادة المتانة والمقاومة للتآكل والعوامل الجوية، فضلاً عن إمكانية تطوير هياكل ذكية تستجيب للبيئة بكفاءة عالية؛ مثل أنظمة التحكم بدرجة الحرارة والإضاءة.
دمج تقنيات النانو بالذكاء الاصطناعي
وتعمل الباحثة حالياً على دراسة أكثر تخصصاً؛ تدمج فيها تقنيات النانو بالذكاء الاصطناعي لتشييد المباني المستدامة في المناطق المتضررة من الكوارث، فضلاً عن استخدامها المتطور في ترميم الآثار.
وتقوم فكرة السويحة على استثمار مزايا مجموعة من التقنيات الحديثة في صناعة البناء والتشييد؛ منها تقنية النانو، إلى جانب تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، والروبوتات والذكاء الاصطناعي، للوصول إلى أفضل النتائج لما تمتاز به عن المباني التقليدية من قوة ومتانة وخفة، وصولاً إلى التنظيف الذاتي، ما يقلل التكلفة ويوفر الوقت والجهد.
توصيات
وأوصت السويحة بتعزيز الاهتمام في العالم العربي بتقنيات النونو، لما تحمله من إمكانيات واعدة تبشر بإحداث تقدم مذهل في الحياة البشرية وتغيير وجهة عالمنا نحو الأفضل، ولما تقدمه من إمكانيات في قطاع العمارة بشكل خاص، من خلال خصائص موادها.
ونصحت السويحة المهندسين المعماريين بضرورة الاهتمام باختيار مواد النانو المستخدمة في المباني المعمارية المستدامة وأماكن تطبيقها لإعطاء تشكيلات مميزة وتصميم أغلفة معمارية مستدامة غير تقليدية.
وركزت السويحة في دراستها على أهمية نشر الوعي بالتقنيات الحديثة والنانوية منها بشكل خاص؛ في أوساط المعماريين.
وأشارت السويحة، في حديثها مع نفحات قلم، إلى قلة التركيز على جانب الإبداع المعماري في أنظمة تقييم الاستدامة العالمية والإقليمية، ما يبرز أهمية التركيز على التقنيات الرائدة لتعزيز جانب الإبداع في المبنى المستدام؛ ومنها تقنيات النانو.
وعلى مستوى الجامعات والمراكز العلمية والمؤسسات البحثية؛ اقترحت السويحة نشر مفهوم تقنيات النانو فيها؛ من خلال محاضرات تعريفية وورشات ومؤتمرات علمية.
إلى جانب تشكيل فريق بحثي متكامل يغطي جميع التخصصات المتعلقة بتقنيات النانو في العمارة لإنجاز سلسلة أبحاث ودراسات متخصصة ومتكاملة؛ للنواحي البيئية والاقتصادية والصيانة والتشغيل. واستنتاج مواد جديدة تساهم في حل مشكلات المباني المتعلقة بالتكلفة واستهلاك الطاقة والجوانب الإبداعية.
وقالت السويحة إن “تقدم الأمم وازدهارها مرتبط بالتقدم العلمي والبحثي ومواكبة جميع التطورات العلمية حول العالم قدر الإمكان، ومن هذا المنطلق؛ أويت من خلال دراستي بضرورة رفع الجهات الحكومية لسوية التوعية بتقنيات النانو، وتكثيف البرامج الإعلامية عنها، وتعزيز خطط النشر للوصول إلى جمهور القراء”.
وأضافت: “من الضروري أيضاً، أن تتبني المؤسسات الرسمية البحث العلمي وإدراج تقنيات النانو كتخصص أساسي في الجامعات، وطرح مناهج دراسية لتقنيات النانو واستخداماتها في العمارة لإيجاد حلول مناسبة لمشكلات المباني المعمارية”.
عن الباحثة
ريماز السويحة؛ باحثة دكتوراه في الهندسة المعمارية قسم تقنيات البناء. حاصلة على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من “جامعة تشرين” السورية، وحصلت على الماجستير في التصميم المعماري من الجامعة ذاتها، وهي باحثة ضمن علوم تكنولوجيا النانو ضمن مجال البناء والتشييد في “كلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجي”، في جامعة “القاهرة” المصرية.
سبق أن شغلت مناصب مهنية وتطوعية عديدة؛ منها مندوبة سوريا لدى مكتب الأمم المتحدة في الجزائر ضمن لجنة ECOSOC الدولية، وسفير السلام ضمن منظمة سلسلة السلام العالمي كممثلة عن سوريا، ومديرة ريادة أعمال في منظمة “الغرفة الفتية الدولية سوريا” ونائب رئيس لنطاق الأعمال في “الغرفة الفتية الدولية اللاذقية”.
أول كلية لتقنيات النانو العالم العربي
وفي العام 2021، افتتحت “جامعة القاهرة” المصرية، أول كلية لتقنيات النانو في العالم العربي؛ تحت مسمى “كلية الدراسات العليا للنانو تكنولوجي” في فرع الجامعة في مدينة الشيخ زايد.
وتتخصص الكلية في علوم بيئية عدة، وتجمع تقنيات حديثة، في استراتيجية معرفية ترمي إلى تمكين قاعدة واسعة من الباحثين والمتخصصين وإعدادهم ليصبحوا نواةً لجيل من المجددين في التخصص الأكثر تطوراً على مستوى العالم.
وتحتوي الكلية على 20 معملاً، و127 جهازاً معملياً، و70 حاسوباً؛ منها حاسوب فائق السرعة هو الأكبر في مصر، وتضم 20 باحثاً ومحاضراً و25 موظفاً وفنياً، على أمل أن تسهم في تطوير البحث العلمي في مصر، وإدخال تقنيات النانو إلى المنطقة، والتوسع في مجالات تطبيقات النانو، وتعزيز اقتصاد المعرفة، وصناعة المستقبل، وتشكيل مستقبل الصناعات المُعتمِدة على مواد النانو.
وتتضمن برامج الكلية المُستحدَثة تخصصات عدة؛ هي برنامج ماجستير العلوم في تقنيات التصنيع النانو تكنولوجي (هندسة النانو)، وبرنامج ماجستير آخر في علوم النانو تكنولوجى الحيوية، فضلاً عن برنامجَين للدبلومات المهنية؛ برنامج دبلوم تصميم أنظمة الطاقة الشمسية وتركيبها، وبرنامج دبلوم النانو تكنولوجي في تقنيات البيئة للوقاية والترميم.