على الرغم من الاعتقاد السائد بأن كثيرين باتوا يتجنبون تناول منتجات الألبان، سواء بسبب حساسية الأمعاء تجاه اللاكتوز أو رغبة في حماية البيئة وتقليل استهلاك المنتجات الحيوانية، ومع انتشار استهلاك “الحليب النباتي” الذي وصلت مبيعاته إلى 15% من إجمالي مبيعات الحليب، متجاوزة ملياري دولار، فإن مسحا أجري في عام 2023، شمل 2121 بالغا في الولايات المتحدة، أظهر أن 79% منهم لا يزالون يشترون حليب الأبقار، لكنهم يشربون منه كميات أقل بكثير، حتى انخفض استهلاك الفرد بنسبة 28% في السنوات العشرين الماضية، وفقا لوزارة الزراعة الأميركية.
وذلك يدعم فكرة أن “حليب الأبقار لا يزال يُشكل جزءا أساسيا من مفهوم النظام الغذائي الصحي لمعظم الناس وكذلك منتجاته”، كما قالت اختصاصية التغذية راشيل وارين، الحاصلة على ماجستير في علوم التغذية، في مقال يحاول حسم الجدل حول “مدى احتياج البالغين إلى حليب البقر ومنتجاته”، نشرته صحيفة “واشنطن بوست” حديثا.
حياة صحية من دون منتجات الألبان
يحتوي الكوب من حليب الأبقار على 8 غرامات من البروتين، وربع المقدار الموصى به يوميا من الكالسيوم، و14% من المقدار الموصى به يوميا من فيتامين “دي”، ويوفر المغنيسيوم والبوتاسيوم وفيتامين “بي12″، ومُغذيات أخرى، بحسب المتحدثة باسم أكاديمية التغذية لينا بيل.
ورغم أهمية هذه العناصر الغذائية التي يوفرها حليب الأبقار ومشتقاته، فإننا لسنا بحاجة إلى الحليب ومنتجاته بالذات للحصول على هذه الفوائد، إذ تؤكد تشاوبينغ لي -رئيسة قسم التغذية في كلية الطب بجامعة كاليفورنيا- أنه “لا بأس من تجنب منتجات الألبان تماما إذا كنت تتناول مجموعة متنوعة من الأطعمة الصحية التي تحتوي على العناصر الغذائية نفسها؛ مثل سمك السلمون والسردين والصويا والخضراوات الورقية الداكنة”.
ويقول كريستوفر جاردنر عالم التغذية بجامعة ستانفورد “رغم أن حليب الأبقار ومنتجاته يُعدّ مصدرا ممتازا لجميع العناصر الغذائية، فإن هناك خيارات أخرى مثل الطحينة والكرنب واللفت للحصول على الكالسيوم، واللحوم الخالية من الدهون والفاصولياء والصويا للحصول على البروتين، والسلمون والسردين المعلبين للحصول على كليهما”.
وتوضح فاسانتي مالك، عالمة أبحاث التغذية في كلية “هارفارد تي إتش تشان” للصحة العامة، أن “منتجات الألبان ليست ضرورية لصحة مثالية، ولكنها طريقة سهلة للحصول على الكالسيوم وفيتامين دي والبروتين، للحفاظ على صحة القلب والعضلات والعظام”.
هل يجب الاكتفاء بتناول منتجات الألبان الخالية من الدسم؟
تؤكد الدكتورة بيث برادلي، المحاضرة في علوم الأغذية بجامعة فيرمونت، أن ” الأبحاث الحالية تشير إلى أن الدهون الموجودة في الحليب لا ترتبط بزيادة الوزن أو مرض السكري من النوع الثاني أو أمراض القلب أو الالتهابات”.
فرغم أن جمعية القلب الأميركية توصي البالغين “بالالتزام بتناول منتجات الألبان الخالية من الدهون، أو القليلة الدسم”، فإن الأبحاث الجديدة تشير إلى أن “منتجات الألبان الكاملة الدسم قد لا تشكل تهديدا كبيرا على صحة القلب”، وفقا لنشرة هارفارد الصحية.
وبعد مراجعة 20 دراسة شملت نحو 25 ألف شخص، أظهر تقرير نُشر في عام 2018 أنه “لا يوجد أي ارتباط بين استهلاك معظم منتجات الألبان وأمراض القلب والأوعية الدموية”.
وباستثناء نتائج أظهرت أن “استهلاك الحليب المفرط جدا فقط -بمعدل ما يقرب من لتر في اليوم- كان مرتبطا بارتفاع خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية”.
كما أظهرت أبحاث شملت ألفي شخص أن “أولئك الذين تناولوا كثيرا من منتجات الألبان المخمرة مثل الزبادي والجبن، “كان لديهم خطر أقل للإصابة بأمراض القلب، ممن تناولوا كميات أقل من هذه المنتجات”.
لذا، ينصح الخبراء بشرب الحليب الذي تفضله من حيث المذاق، إذ تشير الأبحاث الحديثة إلى أن “الفرق بين كوب من الحليب العادي وكوب من الحليب الخالي الدسم يقدر بنحو 20 سعرا حراريا فقط”.
لماذا نواجه صعوبة في هضم منتجات الألبان؟
يعاني العديد من البالغين من الانتفاخ والغازات ومشاكل أخرى في المعدة عندما يشربون الحليب لأنهم غير قادرين على هضم اللاكتوز، وهو السكر الموجود بشكل طبيعي في الحليب.
وتشير بعض التقديرات إلى أن “ما يصل إلى 70% من سكان العالم قد يعانون من عدم تحمل اللاكتوز”، كما أن عدم تحمل اللاكتوز يُعد أمرا شائعا لدى كبار السن، بسبب تراجع إنتاج اللاكتاز مع تقدم العمر (إنزيم في الأمعاء الدقيقة يساعد في هضم اللاكتوز)، كما تقول كريستين واي لي اختصاصية أمراض الجهاز الهضمي في “كليفلاند كلينك”.
وتوضح اختصاصية التغذية الرياضية روكسانا إحساني أن منتجات الألبان قد تسبب بعض الالتهابات لدى من يعانون من حساسية تجاهها مثل أي طعام أو شراب قد يسبب الحساسية. لكن خبراء التغذية يؤكدون أن منتجات الألبان “يمكن أن تكون جزءا من نظام غذائي صحي، وأنه حتى الأنواع الكاملة الدسم لها تأثير مضاد للالتهابات”، وفقا لمراجعة أجريت عام 2017 وشملت 52 تجربة بشرية.
وأوصت إحساني من يعانون من هذه المشكلة “بتناول الحليب ومشتقاته بالتدريج وببطء، أو شرب الأنواع الخالية من اللاكتوز، أو تناول مكملات اللاكتاز”.
هل الحليب النباتي يُعادل الحليب الحيواني؟
وفقا للأبحاث، فإن “ما يقرب من نصف الأشخاص الذين يشترون حليبا نباتيا يفعلون ذلك لأنهم يعتقدون أنه يحتوي على مزيد من العناصر الغذائية التي يحتاجون إليها من حليب الأبقار”، لكن العديد من الخبراء يقولون “إن الحليب النباتي ليس أكثر صحة من حليب الأبقار”.
فعادة ما يكون الحليب النباتي -مثل حليب اللوز والشوفان وجوز الهند- مدعما بالكالسيوم وفيتامينات “إيه” و”دي”، لكنه لا يحتوي على فيتامين “بي12″، ولا على ما يكفي من البروتين (باستثناء حليب الصويا الذي يحتوي على 7 غرامات من البروتين لكل كوب)، كما أنه أقل في المغنيسيوم والبوتاسيوم والفيتامينات والمعادن الأخرى.
وفي ما يتعلق بالطعم والمذاق، تقول اختصاصية التغذية إيمي كيتنغ “إن طعم الحليب النباتي ليس كطعم الحليب الحيواني غالبا”، وتؤكد أن “بدائل الحليب الجديدة لا تتطابق تماما مع حليب الأبقار، عندما يتعلق الأمر بالسعرات الحرارية والدهون والبروتينات والعناصر الغذائية الأخرى”.
ففي كل كوب، تحتوي جميع أنواع الحليب النباتي على سعرات حرارية أقل من حليب الألبان (70 إلى 90 سعرا حراريا مقابل 122)، كما يحتوي كوب من حليب الأبقار على 3 غرامات من الدهون المشبعة، بينما يختلف محتوى الدهون في الحليب النباتي بحسب مكوناته، “بالإضافة إلى ما قد تحتوي عليه الألبان النباتية من سكريات مضافة”، وإن كانت بكميات صغيرة (أقل من ملعقة صغيرة لكل كوب).