بعد ان كان الجدل محتدما حول تأخر ايران لتنفيذ ضربة وعدت بها عقب اغتيال الشهيد ه-نية، ومن ثم صمتها عن اي رد عسكري حتى مع الضربات المؤذية التي طالت كل محور المقا-و*مة وفي مقدمتهم الجبهة اللبنانية، وقد تزايد هذا الجدل، بل تحول الى التخوين المباشر بعد الضربة التي استهدفت السيد الرجل ورفاقه، إذ صار الشائع على الالسنة ان ” ايران باعت ح*ز*ب ال… وايران باعت ن*ص*ر ال…”، يتبدل ذاك الجدل والتخوين و… الى نعوت جديدة ومقولات مختلفة، مرة تسفه الرد الايراني الاستثنائي بوصفه عملا استعراضيا “مسرحية”، لم يصيب او يضر أي هدف اسرائيلي، ومرة تتطور التحليلات لتجعل منه، عملا متفقا عليه بين ايران من جهة و امريكا/اسرائيل من جهة اخرى، وهذا الاتفاق، تقدم له سرديات مختلفة، منها: انه جزء من صفقة بين الطرفين او لعبة تم السماح من خلالها لايران ان تحفظ ماء وجهها امام المنتظرين والمعتمدين عليها بشرط ان تكون ضربتها غير مؤذية، وهكذا، تتفتح قريحة “الجبناء والعملاء والسذج” في ابتداع اشكال مختلفة من السرد التي تجتمع على ان ايران:
– لا تعادي الكيان الغاصب حقيقة.
– تتصرف بأنانية.
– افعالها استعراضية وغير مؤثرة.
– غير معنية بفلسطين.
– لا تمتلك اية قدرات مؤثرة.
ومقولات اخرى تتفرع من هذا التوجه.
قبل ان استعرض معطيات ونتائج الضربة الايرانية، أبين مجموعة حقائق، اعتقد جازما، ان المشكك بها باطل ويجانب الحق، وهي الاتي:
– منذ اكثر من نصف قرن لم تعد فلسطين قضية العرب المركزية بناء على مضمون الشعار او الوصف الذي اعطي للقضية، إذ صارت تغيب تدريجيا من الادبيات العربية تحت حجج مختلفة، الى الحد الذي باتت فيه الجامعة العربية عاجزة في قممها ان تصدر بيانات جدية ومؤثرة في مشهد القضية.
– تحولت مشاريع المصالحة والتطبيع مع الكيان من وسيلة بحسب “سردية كامديفد”، (نظّر لها البعض على انها السبيل الافضل لتحقيق الدولة الفلسطينية) الى غاية وهدف تتسابق وتتبارى عليه الانظمة، إذ صار الملوك والزعماء يتفاخرون امام شعوبهم بمنجز مهم هو بناء علاقات مع الكيان.
– ان هذا التماهي مع الكيان وسلوكه لم يقف عند حدود الزعامات والرؤوساء، بل وصلت عدواه الى الشعوب، وصار السلام والصلح مع اسرائيل مفتاح الوصول الى التنمية والتطور، بل هو السبيل الافضل لضمان الامن والسلامة من وجهة نظر الكثيرين.
– انزلت اسرائيل (تكتيكيا واستراتيجيا)، (عمليا وآيدلوجيا)، (عسكريا وثقافيا)، (حاضرا ومستقبلا) من صدارة قائمة الاعداء للعرب والمسلمين، ووضعت مكانها ايران بوصفها العدو الاول والاوحد للعرب والمسلمين عقب نجاح الثورة الاسلامية فيها.
– تطور هذا الانزال الى شطب اسرائيل كليا من قائمة الاعداء، ووضعها في قائمة الاصدقاء الاستراتيجيين.
– اعيد توجيه وتصميم كل الجهود السياسية والعسكرية والامنية، بل الثقافية والاجتماعية، على اساس هذا التحول، وهكذا صارت القمم والجبهات والسياسات والاجهزة والنشاطات في عدد كبير من الاوطان، مكرسة لمواجهة ايران ومصاحبة الكيان.
– في الاتجاه المقابل تماما، وتحديدا منذ نجاح الثورة الاسلامية في ايران، تبنت ايران نهج المواجهة المباشرة للكيان ودعم فلسطين وقضيتها، بل كل قضايا التحرر، وقد كلفها ذلك اثمانا باهضة، ولا تزال تدفع اثمانا اكبر.
– من المنطقي والصحيح، ان تقارب ايران الكثير من القضايا المتعلقة بهذه المواجهة في ضوء مصالحها العليا، فالابقاء على الوجود والمحافظة على الكيان والنظام الذي يقود هذه المواجهة له اولوية مقدمة على الكثير من المعطيات الاخرى، وهذا الامر يحتاج قراءة واقعية وموضوعية لتقيمه.
نفسيا وعاطفيا، تمنى كل مح*ور الشرف وانصار الحق واصحاب الضمائر، ان يأتي الرد الايراني قبل هذا اليوم، وهو امر طبيعي ومنطقي، وربما يوافق هذا التوجه، بل من المؤكد انه يتوافق معه الجانب النفسي والعاطفي للقيادات الايرانية، لكن التحديات والظروف والمتطلبات السياسية والعسكرية والامنية، تفرض اوضاعا خاصة ومنها التوقيتات، ولا بد من مراعاتها.
اجمل بعض من معطيات ومكاسب وصفات الضربة الا-يرانية للكيان في الآتي:
– انها اول عمل عسكري جاد وواضح وصريح بهذا الحجم والقوة، يستهدف الكيان في مناطق مختلفة منه وخاصة تل ا’بيب.
– انها المرة الاولى التي يتخذ فيها الكيان اجراءات وقائية واحترازية بهذه السعة والشمول، بحيث (اختفى/لبد) كل الاسرائيلين في الملاجيء، بما في ذلك قادة الكيان ورجال العسكر والاستخبار.
– ان صورة الهلع والخوف والانكسار التي سادت الاسرا*ئليين لا نظير لها من قبل مطلقا.
– بددت الضربة نشوة النصر لنتنياهو وشلته، واعادت الاصوات الرافضة والانقسام المجتمعي بقوة، بل فتحت سجالا في اصل توريط اسرائيل في هذا المستوى من المواجهة.
– فكت الحصار عن كل الجبهات، واعطتها زخما قويا من اجل استعادة المبادرة، وقد ظهر ذلك جليا في اكثر من جبهة.
– اعادت الثقة الى نفوس المؤمنين والم*قاو’مين، وعززت الامل بالنصر على الكيان بعون الله.
– الاهم، اوقف وعطلت مقولة نتنياهو التي هي مقولة امريكا/اسرائيل “نحن امام مسارات ومرحلة جديدة في منطقة الشرق الاوسط”، واجبرتهم على العودة الى التعاطي وفقا للتوازنات القديمة، ما قبل انفلات العقال الاسرائيلي.
– شكلت ردعا تكتيكيا واستراتيجيا لحماية كل الجبهات، وستجبر الكيان ومن معه للجلوس الى شروط العزة والقوة.
– يعرف القاصي والداني، ان الكيان لا يردعه ولا يلجمه ولا يوقف حماقاته إلا الضربات القوية وهذه هي الاقوى.
– بخصوص النتائج الميدانية والواقعية مهما كانت وكيف كانت فهي غير مهمة في المنظور الدقيق لفهم معطيات هذا التوازن، ومع ذلك، فإن الاخبار الدقيقة وغير المضللة او المزيفة او الخائفة او المنافقة والعميلة، تؤكد بلوغ الضربة اهدافها بنجاح تام.
– اخيرا، حتى وان صدر ردا احمقا من الكيان، فهذا لا يقدح في معطيات هذه الضربة.
#العزة_للشرفاء