جمالية القبح في رواية النباتية للكاتبة الكورية الجنوبية هان كانغ الحاصلة على جائزة نوبل للآداب عام 2024 .
أحمد جوني _روائي سوري
يوجد حول العالم 1.5مليار نباتي وينقسمون إلى :
نباتيو Vegan و Vegetarian
* نباتيو الفيجن : يمتنعون عن تناول كافة أنواع اللحوم ومشتقاتها ولا يرتدون الجلود والصوف والفرو .
* نباتيو الفيجتريان : يمتنعون أيضا عن تناول كافة أنواع اللحوم لكنهم يتناولون مشتقاتها ” البيض – الألبان بأنواعها – العسل ” ولا يترددون بارتداء الجلود والصوف والفرو ، ويتعايشون مع اللحمين ويتقبلونهم ويشاركونهم مائدة الطعام إن كانت تحوي أصنافاً نباتية صرفة.
يشترك النباتيون ( الفيجين والفيجتريان ) بنظرة الاحترام والتقدير للحيوانات و رفضهم التعامل معها لغرض التسلية والترفيه فهم لا يترددون على حدائق الحيوانات والسيرك ، ويقومون بتربية الحيوانات في المنزل ويتعاملون معها على أنها من أفراد الأسرة .
فالنباتيون أقل عرضة للأمراض المزمنة كالقلب والأوعية الدموية وتصلب الشرايين والضغط والسكري والسرطان ، لكن تتفاوت نسبة الكالسيوم بين ( الفيجن والفيجتريان ) .
فنباتبو الفيجن تنخفض عندهم نسبة الكالسيوم كل يوم إلى 738 ميللغرام أي أقل من الحد الطبيعي 1000 ميلليغرام .
بينما ترتفع نسبة الكالسيوم عند نباتيو الفيجتريان إلى 1470 ميللغرام .
يعاني نباتيو فيجن من نقص في الحديد وفيتامين D وB12 والكالسيوم ، مما ينعكس سلباً على مؤشراتهم الحيوية، لهذا يلجأ نباتيو الفيجن إلى المتممات الغذائية لتعويض الفاقد من الفيتامينات الآنفة الذكر.
في رواية النباتية هنالك بطلان يحكمان قبضيتهما على هذا العمل هما لغة الجسد والقبح ، في بداية الرواية تطرق الزوج إلى أن زوجته هانغ يونغ هيه لاتردي حمالة الصدر وهذه إشارة إلى بداية التغيير في شخصية زوجته فعدم الرغبة بارتداء حمالة الصدر هو التوق إلى الحرية ، أن تترك نهديها على سجيتهما دون أية قيود ..فحمالة الصدر هنا تشير إلى التقييد وليس لها أية صفة تجميلية للصدر في هذا الموضع ، كان الزوج يشعر بالانزعاج لتصرفها هذا ولكن هي تعده شرارة للتغيير الذي سيحدث فيما بعد .
التغير الذي طرأ على هانغ يونغ هيه أنها تحولت إلى نباتية ( هكذا ظننا ) بين ليلة وضحاها بعد رؤيتها لحلم يحوي مشاهد دموية ، على أثرها امتنعت نهائيا عن تناول اللحوم ومشتقاتها وأيضا لم تعد ترتدي ملابس مصنوعة من الجلد أو الفرو أو الصوف ، حيث قامت بالتخلص من المنتجات التي تدخل في صناعتها الحيوانات أي تحولت إلى نباتي فيجين ( هكذا اعتقدنا )وصارت تنفر من زوجها وامتنعت عن ممارسة جنس معه كونه لحمي ويميل إلى تناول اللحوم.
إن الإنسان النباتي سواء كان فيجين أو فيجتريان يتمتع بشخصية سوية فكرياً ونفسياً متصالح مع ذاته ومع محيطه بشكل عام يميل إلى الإبجابية يتقبل الآخر المخالف له ويتعايش معه لكن في رواية النباتية لم نلمس هذا ، حيث وجدنا أن هانغ يونغ هيه عندما تحولت إلى نباتية أصبحت عنيفة عدوانية مضطربة نفسياً إلغائية فرضت على زوجها عدم تناول اللحوم في المنزل وكذلك امتنعت عن ممارسة الجنس معه ، وبدأ وزنها بالنقصان وصارت تميل إلى الصمت أكثر ،أي أن صفات الشخصية النباتية لم تنطبق عليها .
لم يكن هدف الكاتبة ( من وجهة نظري ) أن تصبح هانغ يونغ هيه نباتية قط ، بل عمدت إلى استخدام شخصية النباتية لغرض آخر، أي أن النباتية كانت وسيلة وليست غاية ألا وهي إظهار القبح القابع في داخل هانغ يونغ هيه ، هذا القبح الذي يعي ذاته وكأنه شخصية أخرى أو وجه آخر ل هانغ ويريد أن يخرج ويتمظهر في الوسط الخارجي ، فاستخدم شخصية النباتية كحصان طروادة لتحقيق هذا الغرض ، ونلمس القبح المتجسد خارجاً من خلال طريقة تعامل ذويها معها والتصرفات الناتجة عنهم والتي أحالت حياتها إلى جحيم بدءاً من إجبارها من قبل والدها على تناول اللحم وصفعه لها ومحاولة انتحارها وممارسة زوج اختها الجنس معها وإدخالها مشفى الأمراض النفسية.
هذا القبح عمل على تحفيز الجوانب السلبية والمرضية الشاذة بمن لهم صلة ب هانغ يونغ هيه من خلال ماتم ذكره آنفاً .
إن النبات يرمز إلى الحياة والخصب والتجدد ، فقد وظفته الكاتبة ضمن إطار رمزيته للدالالة على ديمومة القبح وتجدده ، فالنبات لعب دوراً سلبياً هنا عند تغيير زاوية الرؤيا لنراه بهذه الصورة القاتمة.
فالنبات أيقظ شهوتها ورغبتها إلى لجنس عندما رسم زوج أختها الأزهار على جسدها العاري ، هذا الجسد الذي كانت تعده قاحلاً جافاً لا سبيل إلى ارتواءه قبل ذلك ، أصبح مفعماً بالحيوية وملتهباً بالشهوة والرغبة الجامحة ، حيث سمحت لزوج أختها بممارسة الجنس معها ، هذا الفعل الشنيع الشاذ الناتج عن قبح حرض الرغبة إلى ممارسة الجنس عند كلا الطرفين .
لكن القبح ليس البطل الأوحد في هذا العمل فبتوازي معه نجد أن لغة الجسد هي البطل أيضاً ، كلاهما يبسطان سطرتهما على مجريات الأحداث من البداية إلى النهاية.ش
تجلت لغة الجسد بقوة في أربعين صفحة من الصفحة 85 حتى الصفحة 145 حين برعت الكاتبة باستخدام لغة تصويرية حسية لمشاهد هانغ يونغ هيه وهي عارية وزوج اختها يرسم النباتات والأزهار على جسدها ، في مشهدية برز فيها إبداع الكاتبة بتوظيف التفاصيل والجزئيات بحيث يشعر المتلقي وكأنه يعيش تلك المشاهد ، التي تجسدت أمامه من خلال طابعة ثلاثية الأبعاد.
فجمالية القبح في هذه الرواية تكمن في مدى قدرة الكاتبة ومهارتها وحرفيتها في صناعة التفاصيل الدقيقة وهندستها بلغة تصويرية وأسلوب متقن الصنعة في البناء السردي للحدث أضفيا لمسة جمالية على القبح الذي سيطر على مفاصل العمل .
فالكاتبة هان كانغ تتقن وتتفن في ابتكار الجزئيات ووضعها في سياقها الصحيح ، وقد تمكنت في روايتها من تسليط الضوء على تخليد فكرة القبح الذي يعي ذاته ومدى قدرته على إعادة إنتاج نفسه في دورة خصب لاتنتهي و ترسيخ وجوده في النفس البشرية وتجذره فيها مثل الشجرة التي توهمت هانغ يونغ هيه أنها تحولت إليها.