هذه التصرفات الغبية لعقول الظلام، هذا الاعتداء الصارخ على التاريخ والثقافة باسم الدين سببه عشرات الفتاوى التي صدرت بحكم التماثيل وتحريمها وثواب من يحطمها. ترى؟ ماهو الموقف الحقيقي للاسلام حول هذا الموضوع؟ هل هذه التماثيل حرام حقا؟ في الدراسة التالية نجيب على هذا التساؤل مصححين بعض المفاهيم الدينية الخاطئة التي تخلط المصطلحات القرآنية مما يؤدي بالنهاية للخروج باحكام شرعية خاطئة.
لمحة عن فتاوي ضرورة تحطيم التماثيل
(اتفق الفقهاء على أن صنعة التصاوير المجسدة لإنسان أو حيوان حرام، سواء أكانت من حجر، أم خشب، أم طين، أم غير ذلك، وأن الأجرة على صنع مثل هذه الأشياء لا تجوز، وهذا في مطلق التصاوير المجسدة؛ لما في الصحيحين من حديث ابن عمر عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: ((الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة، يقال لهم: أحيُوا ما خلقتم))، وفيهما عن مسروق قال: دخلنا مع عبد الله بيتًا فيه تماثيل، فقال لتمثال منها: تمثال من هذا؟ قالوا: تمثال مريم، قال عبد الله: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ((إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون(.
من يدعون بانهم فقهاء يبدأون -عادة- اية مواجهة بنتيجة عشرة صفر لصالحهم وذلك نتيجة المسلمات- الغير شرعية- والصفات والصلاحيات التي اخترعوها واسبغوها على انفسهم والتي لابد للمحاور ان يقبل بها والا اتهم بالكفر والخروج على الملة وافتوا بقتله. فأي معنى للحوار اذا؟
واخطر هذه المسلمات التي ادعوها لانفسهم هي حق التحريم والتحليل.
التحليل والتحريم في الدين الاسلامي حق يخص الذات الالهية فقط. ولم يعط الله تعالى هذا الحق حتى لنبيه محمد فمن اعطى الفقهاء حقا منعه الله عن رسوله؟ ومتى كان التحليل والتحريم يجري باتفاق الفقهاء؟ ومن هؤلاء الفقهاء وباسم من يتكلمون؟
التحريم والتحليل من صلاحيات الله تعالى فقط
يقول الله تعالى في سورة يونس: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (59).
لاحظوا: ان الله تعالى يعتبر كل من اقدم على تحريم شيئ من رزق الله مفتريا على الله.
يقول الله تعالى في سورة الانعام: ( قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (145).
لاحظوا: ان امر التحريم وحي من الله يوحي به لنبيه، وان الله يستنكر ماحرمه البشر.
ويقول الله في سورة الانعام ايضا: (قُلْ هَلُمَّ شُهَدَاءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَ هَذَا فَإِنْ شَهِدُوا فَلَا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (150).
ما ابلغها من آية، الله تعالى ينهى رسوله عن تصديق من يحرمون على هواهم حتى لو جلبوا ماجلبوا من شهود. وهذا ينطبق على فتاوي الشيوخ الحاليين الذين يستشهدون بحديث فلان وقصة علتان بهدف اقناع الناس بفتاويهم. وعلينا ان لانصدقهم ولا نصدق شهودهم.
وحتى لايترك امر التحريم على غاربه يبين الله ماحرمه علينا بكل وضوح حيث يقول في سورة الانعام: ( قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153).
هل هناك اوضح من هذا الكلام لرب العالمين؟ عدد لنا ماحرمه- حتى تاريخ نزول سورة الانعام- وانهى كلامه بموعظة حاسمة: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153).
وبالتالي، فالصراط المستقيم هو ما قاله الله تعالى فقط. وطلب منا اتباع هذا الصراط ونهانا بنفس الوقت عن اتباع السبل حتى لانتفرق عن سبيله.
هل هناك عاقل لم يفهم كلام الله؟
يقول الله تعالى في سورة النحل: (فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (114) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (115) وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (116) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (117).
هذا ينطبق تماما على مايقوله شيوخ التحريم والتكفير، الله وصف كل مايحرمه الناس بالكذب والافتراء على الله.
والضربة القاصمة لشيوخ التحريم والتكفير هي الاية الاولى من سورة التحريم حيث انتقد الله نبيه الكريم لانه تجرأ على تحريم ما لم يحرمه الله.
ويقول الله تعالى في سورة التحريم: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (1).
اي، ان الله تعالى لم يعط نبيه حق تحريم او تحليل اي شيئ فمن اين استمد الشيوخ حق التحريم والتحليل الذي منعه الله تعالى عن رسوله؟
هل حرم الله التماثيل والاصنام؟
في موضوعنا هذا جرى الخلط بين مفهوم الصنم والتمثال. ولمعرفة حكم الشرع بتماثيل الفراعنة وغيرهم يجب التمييز بين هذين المفهومين بدقة.
وقد وردت كلمة أصنام في القرآن خمس مرات.
سورة الشعراء: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ (71).
سورة الأنعام: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (74).
سورة الأنبياء: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57).
سورة ابراهيم: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ (35).
سورة الأعراف: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ (138).
فالصنم كما يتضح من هذه الآيات القرآنية هو كل تمثال أعد بقصد عبادته. وهو أمر حرمه الله، ولنا بابراهيم اسوة حسنة عندما حطم الاصنام التي كان يعبدها قومه.
وأنبه: إن إبراهيم حطم الأصنام التي يعبدها قومه وليس ماتعبده الاقوام الاخرى. فنحن ليس من حقنا تحطيم الاصنام في الصين والهند على سبيل المثال.
اما التمثال فقد ورد في القرآن مرتين:
سورة الأنبياء: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53).
سورة سبأ: وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ (13).
التمثال كما هو واضح بهذه الآية غير محرم في القرآن، بدليل ان الله سمح لسليمان باقتناء التماثيل.
أما إذا تحول التمثال إلى رمز لإله وصار يعبد كإله، عندها، يتحول التمثال إلى صنم ويحرم، ويحطم.
لنراجع معا هذه الآيات من سورة الأنبياء: وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ (51) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءَنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (56) وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ (57) فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58).
لاحظوا كيف سمى معبودات قومه بالتماثيل قبل أن يعرف وظيفتها، وعندما أخبروه بأنهم يعبدونها، أقسم إبراهيم على تحطيم أصنامهم وليس تماثيلهم. فالتمثال والصنم واحد بالشكل. إن اقتنيت تمثالا ما كتحفة فنية فلا ضير في ذلك، فإذا عبدت ذلك التمثال تحول بنظر الشرع إلى صنم وحرم ووجب تحطيمه. ويجب الإنتباه إلى أن إبراهيم حطم الأصنام التي عبدها قومه، وبالتالي، فلا علاقة للمسلمين بالأصنام التي تعبدها الشعوب الأخرى. إبراهيم حطم الأصنام في الزمن الذي كانت تعبد به. وبالتالي، فإن وصل بعض تلك الاصنام إلى وقتنا الحاضر، ولم يتخذها الناس للعبادة، تحول حكم الصنم إلى حكم التمثال وهو غير محرم. أي، كما تحول التمثال إلى صنم محرم في مثال ابراهيم عندما اتخذه الناس للعبادة، تتحول أصنام العهود الغابرة إلى تماثيل غير محرمة لأن المصريين اليوم أعقل من أن يعبدوا تمثال أبو الهول، أو تماثيل الفراعنة.
هذا مايقوله الله تعالى في كتابه المجيد بالنسبة للاصنام والتماثيل وهو كلام واضح، حاسم، مبين لايحتاج لا لفتوى ولا لاجتهاد. وهو يرضي الجميع، ويحفظ حق الجميع بمن فيهم الكفار.
ولكن شيوخ الفتنة يتناسون ان الله تعالى رب العالمين وليس رب المسلمين فقط. يتناسون ان الله اعطى ابليس حقه بالاعتراض وممارسة عمله الى يوم الدين وهو القادر على سحقه بكلمة منه. ويتناسون ان الله تعالى أمر المسلمين بان لايسبو ألهة الكفار. فكيف يحكم الشيوخ بتحطيم التماثيل حتى لدى الشعوب الاخرى؟ من اعطاهم تلك الصلاحيات؟
يقول الله تعالى في سورة الانعام: (اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (106) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكُوا وَمَا جَعَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (107) وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108).
هذا هو الوجه الحقيقي للاسلام الديموقراطي الحر المتسامح الذي يعترف بالرأي الاخر. الله امر نبيه بالاعراض عن المشركين، وقال له بانه ليس وكيلا عليهم، وطلب منه ومنا ان لانسب آلهتهم لان الله تعالى هو الذي زين لكل امة عملها وحسابهم على الله وليس على شيوخ الفتنة.
الإمام أحمد بن إدريس القرافي وهو من تلاميذ العز بن عبد السلام وهو من علماء القرن السابع الهجري. يحكي القرافي في كتابه "شرح المحصور" حل اقتناء التماثيل التي تُستخدم للزينة وليست للعبادة، ليس هذا فحسب بل إنه قام بصنع هذه التماثيل، أي أنه مارس النحت والتشكيل. فلماذا لم يقم الشيوخ في عصره بتكفيره؟ هذا يعني ان كل الاحاديث المتعلقة بتحريم التماثيل والصور فبركت بعد القرن السابع الهجري. فلو كانت تلك الاحاديث موجودة آنذاك لما تجرأ هذا الامام على مخالفتها، وان خالفها، لكفره الشيوخ الاخرون.
لو كان الاسلام يأمر بتحطيم التماثيل لحطم عمر ابن العاص تماثيل الفراعنة عندما فتح مصر. ويبرر شيوخ الفتنة عدم تحطيم عمر ابن العاص لتلك التماثيل بانه لم يرها. حسنا، لنفترض ذلك. فلماذا لم يحطم المسلمون التماثيل الرومانية عندما فتحوا صقليه؟ ولماذا وصفها الشيخ محمد عبده بانها جزء من ذاكرة التاريخ؟ فهل تشكون بعلم محمد عبده وايمانه؟ لماذا لم يحطم المسلمون تماثيل بوذا عندما فتحوا الهند؟ ولماذا لم يحطموا تلك التماثيل عندما فتحوا افغانستان؟ الجواب بسيط جدا، المسلمون الاوائل اتبعوا قول الله تعالى: (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (108).
ولكن اتباع حركة طالبان لم يتدبروا القرآن وقاموا بتدمير تمثال بوذا باسم الاسلام. فعمد البوذيون لحرق القرآن. اوليس هذا ماحذرنا الله تعالى منه؟ والمجرم هنا ليس البوذيون بل، شيوخ طالبان الذين خالفوا كلام الله تعالى.
بمثل هذه الطريقة المنفتحة في معالجة امور ديننا نعيد له وجهه الحقيقي، ونخلصه من براثن وطاويط عصور الظلام.