هذه المعاهدة فى ذاتها ، وفيما تضمنته ، قد مثلت نقطة تحول كبيرة فى مسار الصراع العربى – الاسرائيلى ، بإعتباره صراع وجود وليس حدود ، صراع يعطى لتحرير الأرض العربية معنى أعمق وأبعد . فتحرير الأرض الغربية ليست هدفا فى ذاته ، كما روجت مدرسة كامب ديفيد ، وإنما تحرير الأرض بإعتباره سبيل تحرير الإنسان العربى من خلال تخليصه لموارده من السيطرة الإستعمارية المباشرة وبناء مجتمع جديد على أساس يسمح بتطور الإنسان العربى ماديا وثقافيا ..
هذه المعاهدة بقدر ما كانت إنحرافا عن المسار الوطنى والقومى المصرى ، بقدر ماانطوت على تحريف للتاريخ . فهى تتجاهل قرنين من عمر الهجمة الاستعمارية على منطقتنا والتى يمكن ايجازها فى :
– الحملة الفرنسية على مصر والشام عام ١٧٩٨ ..
– حملة فريزر على مصر ١٨٠٧
– احتلال عدن ١٨٢٥
– غزو الجزائر ١٨٣٠
– ضرب الدولة المصرية عسكريا فى ١٨٤٠
– احتلال تونس فى ستينات القرن التاسع عشر .
– احتلال مصر ١٨٨٢
– السيطرة على السودان ١٨٩٨
– احتلال ليبيا ١٩١٢
– السيطرة على المغرب فى عشرينات القرن العشرين .
– احتلال بلاد الشام ( سوريا ولبنان وفلسطين والاردن ) عقب الحرب العالمية الاولى سنة ١٩٢٠
– احتلال العراق والسيطرة على الخليج إبتداء من هذا التاريخ .
– تمكين قوى رأس المال المهيمن دوليا لموجات من الاحتلال الاستيطانى لفلسطين
فالهجمة الإستعمارية – لمن يفقدون الذاكرة – تاريخية ، ومستمرة منذ مايربو على قرنين من الزمان ، مابين محاولات الإستعمار الإستيطانى ( أبرزها فى الجزائر وفلسطين ) والسيطرة عبر طبقات إجتماعية من الداخل ، والحلول البشرى فى فلسطين ( على غرار الحلول البشرى الذى تكون من خلاله المجتمع الأمريكى بإبادة السكان الأصليين ) والتركيز على الثروات المادية للأرض ومافى باطنها مع الابادة الفعلية للبشر كما حدث ويحدث بالعراق منذ ٢٠٠٣ ، وكما اريد له ان يحدث فى لبنان عام ٢٠٠٦ ، وكما يحدث فى سوريا وليبيا الآن .
فقد أسقطت معاهدة السلام المصرية الاسرائيلية جملة من حقائق التاريخ …مثل :
أولا : ان الصهيونية حركة سياسية تقنعت بالدين لتخلق من رؤيا العودة إلى أرض الميعاد ” ايديولوجية تاريخية ودينية تجمع يهود الشتات من حولها ، وكذلك قناعا وشعارا لتخفى به حقيقة أهدافها عن العالم الخارجى ( لهذا رفضت فكرة انشاء وطن قومى فى غير فلسطين )
ثانيا : إن إلتقاء الإمبريالية العالمية مع الصهيونية كان على طريق المصلحة الاستعمارية المتبادلة : الوطن اليهودى قاعدة تابعة وحليفا مضمونا لخدمة مصالح الاستعمار ، وذلك ثمنا لخلقه إياه وضمان لبقائه ..
ثالثا : اسرائيل ظاهرة استعمارية صرفة ، فهى قامت على اغتصاب غزاة أجانب لأرض لاعلاقة لهم بها دينيا أو تاريخيا او جنسيا وإن زعموا غير ذلك ..فرؤيا العودة خرافية والوعد المزعوم أسطورة لا أساس لها او سند من الدين ، وإلا لجازت نفس العودة لبقية الأديان ، فضلا عن ان علاقة اليهود بفلسطين انقطعت منذ ٢٠ قرنا تعرض خلالها يهود فلسطين التوراة الى لظاهرتين : خروج اعداد ضخمة منهم بالتحول لغير اليهودية ، ودخول افواج ضخمة من كل أجناس المهجر واقتران هذا بتزاوج واختلاط دموى بعيد المدى إنتهى باليهود المحدثين إلى ان يكونوا شيئا مختلفا كلية عن اليهود القدامى قبل الشتات . وبهذا فإن عودة اليهود الى فلسطين بالاغتصاب هو غزو وعدوان غرباء وليس عودة أبناء قدامى . فهى استعمار بالمعنى العلمى الصارم ، وبالتالى فإنها جسم غريب ودخيل مفروض على الوجود العربى .
رابعا : واسرائيل استعمار طائفى بحت ، والدولة دينية صرفة ، أساسها التعصب ، وهى تبعث بذلك شبهة صليبيات جديدة فى منطقة لا تعرف سوى التسامح الدينى تاريخيا .
خامسا : اسرائيل استعمار عنصرى مطلق ، فاليهودية ليست قومية بأى مفهوم سياسى سليم ، واليهود ليسوا عنصرا جنسيا بأى معنى أنثروبولوجى ..هم امة مزعومة فى دولة مصطنعة ، والصهيونية حركة عنصرية بكل معانى العنصرية من إستعلاء وتعصب واضطهاد ودموية .
سادسا : فعدا الاستعمار السكنى فإن اسرائيل تمثل استعمارا استراتيجيا واستعمارا اقتصاديا ، فوجودها غير الشرعى مرهون بالقوة العسكرية ، فما قامت ولن تبقى الا بالدم والحديد والنار .
سابعا : واسرائيل كيان توسعى واطماعها الاقليمية معلنة بلا مواربة ، وخريطة اسرائيل الكبرى محددة من قبل ومتداولة ومن ( النيل الى الفرات أرضك يا اسرائيل) هو شعار الامبراطورية الصهيونية الموعودة وهدف اسرائيل الكبرى ان تستوعب كل يهود العالم فى نهاية المطاف ..وهذا لا يمكن ان يتم الا بتفريغ المنطقة من اصحابها اما بالطرد او الابادة . ولا سبيل الى هذا الا بالحرب العدوانية الشاملة . فنحن بهذا ازاء اخطبوط سرطانى فى آن واحد ، وإزاء عدوان آنى ، وعدوان سيقع فى أى آن .
لقد تضمنت اتفاقية السلام المصرية الاسرائيلية …
– الاقرار بالوجود الآمن لإسرائيل فى المنطقة العربية
– التسليم بوجود اسرائيل كظاهرة استعمارية ..
– التسليم بعدم طرح القضية الفلسطينية كقضية للتحرر العربى …
خاتمة
لقد جاءت اتفاقية السلام مع اسرائيل الموقعة عام ١٩٧٩ بمثابة سباحة ضد تيارات التاريخ الجارفة ..فكانت إعلانا ببدء زمن السقوط المصرى فى كل المجالات والميادين . فلقد اختار نظام السادات الارتماء فى احضان رأس المال الدولى والتحالف معه والقبول بالتبعية . فكان ان فتح الباب على مصراعيه لرأس المال الأمريكى ، وتهاون مع الكيان الصهيونى فأقام العلاقات السياسية والدبلوماسية والإقتصادية معه . وجاء خلفه مبارك ليزودها بالبترول والغاز لتتمكن طائراتها ودباباتها من قصف اى مقاومة عربية للمشروع الصهيونى ..وفى ظل الحكم الحالى غاصت مصر اكثر فى وحل التبعية للسيد الأمريكى وللكيان الصهيونى .