اعداد : د. سمير ميخائيل نصير
*- المقال يقدم لمحة عن تاريخ فن صناعة المنسوجات السورية التي تحتل مكانا عالميا مرموقا.
*- أقيم أكثر من معرض عن المنسوجات السورية في دول الغرب…
– أقيم معرض بنهاية العام 2016 في متحف دائرة المنسوجات بمدينة تارن في الجنوب الغربي الفرنسي تحت عنوان “منسوجات من سورية, نظرة أخرى على بلد في حالة حرب”, وجاء في دليل (بروشور) المعرض :
– يقيم المتحف معرضًا مخصصًا للمنسوجات السورية (حرير, صوف, قطن, قصب منسوج)… حيث تم جمع مئات القطع المعاصرة والقديمة معًا، للدلالة على تراث ثقافي استثنائي ومعرفة فنية عمرها يغوص في سجلات التاريخ السوري العريق.
– المعرض يقدم فرصة لإلقاء نظرة أخرى على سورية، البلد الذي يدمره صراع رهيب منذ آذار 2011.
– سورية هي أيضًا مهد الحضارات الحثية والآشورية والفينيقية والإغريقية والرومانية والعربية. كانت مدينتها الصناعية حلب أهم محطات طرق الحرير… أما عاصمتها دمشق, فهي دائما ذات موقع متميز للصناعات النسيجية, حيث أطلق اسمها على نسيج تتخصص به، وهو نسيج حريري يتميز بالتباين في اللمعان بين الخلفية والنمط المتكون من النسيج.
– خلال قرون عديدة، كان تصنيع وتجارة الأقمشة جزءًا من الأنشطة الاقتصادية الرئيسية لسورية… ولا تزال صناعة النسيج الى اليوم من قطاعات التصنيع الرئيسة فيها ويعمل بها مئات الآلاف من الأشخاص.
*- للمنسوجات السورية معارض دائمة في فرنسا فهنالك :
– معرض دائم للمنسوجات السورية في مدينة مرسيليا لدى شركة Fil d’Ocre.
– قسم دائم باسم “نسيج من سورية” في متحف “بارغوان Bargoin” بمدينة “كليرمان فرران Clermont-Ferrand” تعرض فيه نماذج عديدة من صناعة النسيج السوري وصورا للورشات ومنتجاتها.
*- كانت قد اقترحت إقامة المعارض ونجحت بذلك, كلود مابيليه Claude Mabélé, وهي فنانة رسوم وألوان نسيجية مختصة بالأصبغة, وقد ألفت كتابا عن المنسوجات السورية عام 2012 بعد عدة زيارات الى سورية.
– الكتاب بعنوان “سورية, حرفيو صناعة النسيج”, عدد صفحاته 182 صفحة, وكنت قد نشرت ملخصا عنه على صفحتي العلمية العامة تحت رقم 8 بتاريخ 10/08/2013.
– نشأت الكاتبة كلود في عائلة مكونة من النساجين وتجار القماش. وفي عام /2001/ زارت سورية لأول مرة وظللت تتردد لسنوات متابعة فن النسيج السوري.
– بعد عدة رحلات إلى سورية وانجازها هذا الكتاب, عملت, مع المؤسسة التي تعمل فيها, على إقامة القسم الدائم باسم “نسيج من سورية“.
*- تدوّن كلود في كتابها :
– سورية منذ قرون في موقع رفيع بالنسبة للحرف النسيجية, لقد كانت عتبة مهمة على طريق الحرير منتجة أفضل المواد (الحرير، القطن, وصوف وشعر الماعز).
– استطاعت سورية, بمزيج من الخبرات والحس الجمالي, أن تطور على نطاق واسع المتطلبات النسيجية من البروكار إلى خيم البدو.
– بنتيجة رحلاتي المتعددة, أنقل الى كتابي كل ما عشته وصادفته وتقاسمته في ورشات البروكار بدمشق والتطبيقات النسيجية المصفوفة ببراعة وذوق, والحياكة اليدوية لنسيج القطن وسجاد الصوف المغزول في ورشات حلب دون أن أنسى حياكة حرير القصير….
– إن اكتشاف الحرفية السورية في صناعة النسيج بمختلف مراحلها كان بالنسبة لي تجربة فريدة من نوعها تماما.
– لم يختلف جو زياراتي إلى مختلف الورشات, فقد سادها جميعها الاستماع، تقاسم الرأي، الضيافة، الضحك والعواطف… انه الاستمتاع الغني بعينه.
– تتميز حياة الحرفيين (بعد زيارتي لأكثر من /20/ ورشة), بان حرفيتهم في العمل قضية أسرية متوارثة.
– إن هؤلاء الحرفيون ينتجون يوميا روائع نادرة ناتجة عن تقنيات دقيقة وصارمة منقولة من جيل إلى جيل باستخدام معدات تعتبر في عالم الصناعة الحالية معدات بدائية ولكنها تقدم الأفضل.
*- أصدقائي… لا يكتمل هذا المقال دون الحديث عن البروكار الدمشقي بشكل خاص وأنواع المنسوجات السورية المميزة والمنفردة الأخرى :
1- البروكار : إن مصطلح “البروكار” يعود إلى المصطلح الإيطالي “بروكاتيلو”, ويعنى به القماش الحريري المفنن والمطرز بخيوط ذهبية أو فضية، ثم حرف المصطلح إلى بروكار بالفرنسية وتعني القماش الحريري، ومنها انتقلت إلى العربية.
– أن مصطلح “البروكار” حديث، إذ لم يتجاوز عمره الـ200 عام، بينما تاريخ وجود البروكار في سورية يعود إلى أكثر من 3000 عام، وكان اسمه “الديباج”، وهي أقمشة يلبسها الأمراء والسلاطين، وقد أبدع الحرفي الدمشقي بالبروكار بشكل خاص منذ نحو 200 عام والى اليوم.
– ارتدت الملكة إليزابيث الثانية ملكة بريطانيا يوم زفافها فستانا مصنوعا من قماش البروكار الدمشقي, وكان قد تقدم بطلب شرائه السفير البريطاني بدمشق
– وقد نسج قماشا, خصيصا للملكة, من الحرير الطبيعي الموشّى بخيوط الذهب والفضة، والمحلى برسوم نباتية خاصة وعصفوري العاشق والمعشوق. وقد نُسِجَ بروكار ثوب الزفاف الملكي على نول يدوي قديم وتطلبت صناعة 200 متر منه 3 أشهر.
– قدم رئيس الجمهورية الراحل شكري القوتلي القماش كهدية للملكة, ولا يزال طراز بروكار الملكة بنقوشه ورسومه يحمل اسمها الى اليوم.
– لم تكن الملكة البريطانية الوحيدة التي سحرت بجمال قماش البروكار، إذ ارتداه البابا يوحنا بولس وعليه النقش الكنسي، كما اقتناه البابا بينيديكت، في الفاتيكان، كهدية من أنطوان مزنر، صاحب ورشة للبروكار اليدوي.
– أيضا, فإنه قبل ملكة بريطانيا كانت الملكة ماري أنطوانيت زوجة الملك لويس السادس عشر آخر ملوك فرنسا مولعة بالبروكار الدمشقي وكانت خزائنها تضم 72 ثوبا منه عام 1782.
– تلقت حرفة نسج البروكار ضربة موجعة على يد المهندس الفرنسي جاكار الذي زار دمشق أيام الانتداب الفرنسي على سورية، واطلع على نول دمشقي قديم ورسم تفاصيله، ثم عاد إلى فرنسا ليصنع آلة نسيج سميت باسمه “ماكينة جاكار”.
– استورد بعض التجار هذه الآلة، وأصبحوا ينتجون البروكار الآلي وهو يكاد لا يمت بصلة إلى هوية وروح البروكار اليدوي، لكن هؤلاء التجار أصبحوا يسوقون البروكار الصناعي وبيعه باعتباره يدويا مستغلين جهل الزبون العادي، فأساءوا إلى قيمة هذه الحرفة الثمينة. ويقول الحرفيون ان الفرق بين البروكار اليدوي والآلي كالفرق بين سجادة مصنوعة يدويا وبمهارة وحرفية، وبين سجادة صنعتها الآلة وتفتقد إلى الروح.
– حاولت السلطنة العثمانية البائدة نقل صناعة البروكار الى اسطنبول ولكنها فشلت, لذلك نجد الآن في تركيا البعض من المهن المشابهة للبروكار الدمشقي.
– أيضا, وفي حقبة الانتداب, حاول الفرنسيون نقل المهنة بأكملها إلى مدينة ليون بأساليب وصلت الى حد التهديد… لذلك نجد أن هذه المدينة تحوي أنوالا يدوية شرقية مأخوذة من دمشق، لكن رغم وجود الأنوال لم ينجح الفرنسيون في نشر صناعة البروكار، لافتقارهم إلى المادة الأولية وهي الحرير الطبيعي السوري.
2- الدامسكو : هو نوع من الأقمشة الحريرية يشبه البروكار، يصنع على أنوال يدوية, ويسمى بـ”الوشي”، أي القماش الموشى بالرسوم، وهنالك أنواع عديدة منه كالأطلس، والثابوري، والهرمزي… وتختلف أقمشة الدامسكو عن البروكار بنقشاتها الهندسية أو النباتية الجامدة التي لا تعبر عن شخصيات أو تاريخ كما في البروكار، كما تتميز نقشاتها بحجمها الكبير أي بمساحة تكرار كبيرة، عكس البروكار والذي يمكن أن تكون رسومه صغيرة ذات تكرار قليل.
3- الآلاجا : هي المنسوجات الحريرية القطنية، تحاك على أنوال يدوية، بأشكال مختلفة وأنواع كثيرة ومن أسمائها الهندية، المصرية، المثمنة، المسننة، العطافية، القطنية والكمخة. وتكون نقشتها على شكل خطوط ملونة طويلة، وتستخدم لصناعة المفارش والتنجيد والعباءات العربية.
4- الديما : هي أثواب قطنية، تشبه “الآلاجا”، إلا أنها من قطن، ، وأول من اخترع قماش “الديما” رجل دمشقي اسمه عبد المجيد الأصفر ثم انضم إليه حسن الخانجي .وهناك من يعتبر قماش “الديما” هو تقليد لـ” الآلاجا” المصنوع من خيوط الحرير والقطن. ولا تزال هذه الصناعة تنسج على الأنوال اليدوية في أحياء دمشق القديمة،
5- الأغباني :هو قماش خيوطه من الحرير مطرز بالذهب والفضة، نشأ في مدينة دمشق قبل أكثر من 500 عاما.ً يصنع من قماشه العمائم والشراشف الفاخرة، وأغطية للموائد. يوجد على قماشه رسوم مطبوعة، ولكل رسم اسم خاص به مثل جوكلان، زهر الغريب، الوردة السباعية. والمرحلة الأهم في صناعته هي عمليات التطريز التي تقوم بها النساء.
*- أصدقائي… أضيفوا الى سورية الحرف الأول… وسورية النوتة الأولى… وسورية حقل القمح الأول… وسورية شجرة الزيتون الأولى… وغيرها… وغيرها… أضيفوا… سورية الخزف الأقدم… وسورية النسيج الأعرق… وأيضا أضيفوا… سورية الزجاج الأول… أصدقائي… ستبقى لسورية الكرامة والعنفوان الصدارة أبداً بين النجوم.