سمعنا عن حالات طلاق أزواج اختلفوا سياسياً، ولعلنا نعتبر ذلك من الحالات النادرة والغريبة على الأقل إذا أردنا أن نستمع إلى غاندي وهو يقول: «لو كان الخلاف بالرأي يحولنا لأعداء لكنت أنا وزوجتي من ألد الأعداء» لكن اللافت في مجتمعنا خلال الأزمة أن اختلافات سياسية بين أصدقاء أوصلت علاقات الصداقة إلى طلاق بائن إن صح التعبير.
وفي كتب الحكمة العربية ثمة أحاديث جميلة عن الصداقة فهم يقولون الصديق هو أنت لكنه الآخر، ودوماً يعتبرون أن الصداقة هي تآلف أفكار، لكن في بدايات الأزمة كان التشنج هو السائد وهو الذي جعل الصداقات تفترق على تقاطعات السياسة، ثم في فترات لاحقة زادت الافتراقات حتى بدا من الصعب أن تعود الصداقات إلى مجاريها.
من الواضح أن المجتمع السوري استفاق على وجود تباينات بين أفراده ولأنه غير معتاد على التعامل مع الخلاف لم يستطع إدارته بالشكل السليم ولا حتى التعامل معه على أنه أمر طبيعي في مرحلة غير طبيعية.
فلا مجتمع ليس بين أفراده اختلافات بل خلافات، والمجتمعات المتحضرة هي التي تستطيع أن تتعامل مع خلافاتها بما يتوافق عليه المجتمع بشكل عام ضمن صيغة اصطلح على تسميتها العقد الاجتماعي، لكن أن تتحول الخلافات السياسية إلى طلاق فكري مع الماضي فهو الشيء الذي جعل الكارثة السورية تصل إلى هذا الدرك من العنف.
لكن ثمة نماذج جميلة من صداقات لم تستطع تباين الآراء وخلافات السياسة أن تحول من استمرار دفئها، بل كانت في كثير من الأحيان قادرة على تفهم دوافع الرأي الآخر واحترامه دون موافقته.
دعوني أوضح هنا أن الغاية من هذه المقدمة الطويلة ليس الحديث عن الخلافات السياسية بين الأصدقاء التي تحولت إلى تخوين واستعداء وربما إلى لغة قاتلة، بل محاولة أولية للإجابة عن تساؤل مبكر يطرح بصيغ متعددة لكن ملخص فحواه: هل يعود المجتمع السوري إلى سابق عهده مع نهاية الأزمة؟
ثمة أجوبة مختلفة منها أن المجتمع سيحتاج إلى فترة طويلة حتى يستعيد عافيته النفسية، وأن هذه الأزمة ليست مرضاً عابراً بل جراح عميقة اختلطت مع أعراض كثيرة فعجزنا عن مداواتها وسيطول الأمر حتى نشفى من آثارها، وثمة من يرى أن كل ما فعلته الأزمة أن أظهرت الوجه أو الوجوه الحقيقية للمجتمع السوري بدليل أن صداقات المثقفين لم تصمد أما ما تبدى أنها خلافات سياسية فإن العودة صعبة إن لم نقل مستحيل.
ثمة رأي ثالث أنضم إليه أن المجتمع السوري يمتلك من المناعة ما يستطيع أن يسترجع نفسه خلال فترة قصيرة ولا أقول مع نهاية الأزمة بل أغامر بأن المجتمع بدأ يسترد عافيته النفسية حتى قبل أن تنتهي الأزمة، وليس في الأمر سر بقدر ما هي طبائع البشر التي تتشبث بالحياة وترغب في استعادة الأمل، وطول فترة الأزمة التي جعلت الناس تتعب من الخلاف وتضيق به وترى أبعاده وتتخوف من مراميه، إضافة إلى ما تتابعه عمّا يجري في دول أخرى أوصلتها خلافات الساسة إلى طرق مسدودة. إنه المجتمع الحي الذي يداوي نفسه وينجح في ذلك.
أقوال:
• مزج السياسة بالصداقة غالباً ما يشكل خاتمة الصداقة. ديو هرست.
• لا تقطع صديقاً كفر ولا تركن لعدو ولو شكر. عمر بن عبد العزيز.
• الصديق المزيف كالظل يمشي ورائي عندما أكون في الشمس ويختفي عندما أكون في الظلام. جبران.
• في البحبوحة نجد الأصدقاء، وفي الضيق نعرف من هم. عبد الحميد الكاتب