ابويوسف أبوزيد
كارل ماركس
سيرة ذاتية
ج ١
ولد كارل ماركس فى أسرة يهودية من الطبقة المتوسطة بمدينة تيريير بالراين الألمانى ، وكان المجتمع البروسى يعانى وقتها من العنصرية ، ويعامل الاقلية اليهودية معاملة أبناء الدرجة الثانية ، فيحرم عليها الاشتغال ببعض الأعمال ، كالعمل ضباطا فى الجيش . لهذا ترك والده هينريش اليهودية مع أسرته كى يصبح محاميا ،ثم بعد ذلك موظفا حكوميا ، بينما كان أجداد ماركس – لعدة أجيال وسواء لأبيه او لأمه – من رجال الدين اليهودى ، فكان عمه حبرا اكبر لمدينة تيريير ، وكان جده لوالدته حبرا مماثلا لمدينة هولندية .
وفى عام ١٨٢٤ قام والد ماركس بتعميده مع اخوته السبعة الآخرين فى الكنيسة اللوثرية ، وكان عمر ماركس وقتها ٦ سنوات . ويقال ان ماركس فى طفولته قد أحب المسيح وقد نظم فيه قصيدة اقرب الى المادية منها الى الروحية .
وعندما انتهى ماركس من دراسته المدرسية ، درس فى جامعة بون ثم برلين الفلسفة والتاريخ والقانون . وقد تأثر فى دراستة بالفيلسوف الألمانى هيجل ( ١٧٧٠ / ١٨٣١ ) .
وقد أخذ ماركس عن هيجل ( ديالكتيكيته ) وهى صراع الفكرة وضدها ، بين الوجود والعدم . أو الصراع من أجل التقدم االتاريخى . ولكن اذا كان الديالكتيك عند هيجل ضمن فكرة الروحية من أجل تكوين العقل والحرية . فإن ماركس قد أنضم إلى لودفيج فيرباخ ( ١٨٠٤ / ١٨٧٢ ) فى اعطائها شكلا ماديا واعتمادها على قوة اقتصادية وجعلهاخجر الاساس فى فلسفته .
فالتركيب الاقتصادى عند ماركس ، هو أساس التاريخ ، والتاريخ له نهاية محتومة ، تفرضها الضرورة . وللحرية علاقة ديالكتيكية بالضرورة . وعلى هذا فالعمال – عند ماركس – سيكافحون الرأسمالية بالضرورة ، لأنها تزيدهم فقرا وشقاء . فمن المحتم عليهم التصدى لها ومكافحتها . ولأصلاح المجتمع الأقتصادى ، وبناء مجتمع يخلو من الطبقات ، يجب استبدال الاقتصاد الرأسمالى بآخر ماركسى .
وفى ١٨٤١ حصل ماركس على الدكتوراة فى الفلسفة ، ولكن اختلاف آرائه عن اراء هيجل وقفت عقبه فى سبيل حصوله على وظيفة أستاذ بالجامعة . لأن هيجل وتلاميذه كانوا يسيطرون تماما على هذه الجامعات . فعمل ماركس فى الصحافة منذ عام ١٨٤٢ وأصبح رئيسا لتحرير المجلة الليبرالية وقد لاقت كتاباته شهرة واسعة بين افراد الطبقة العاملة الالمانية .
وفى عام ١٨٤٧ التقى ماركس بفريدريك إنجلز ( ١٨٢٠ / ١٨٩٥ ) الذى صاحبه وعضده وساعده ماليا بقية حياته ، وأنضما معا الى العصبة الشيوعية بلندن ، واصدرا فى العام التالى ١٨٤٨ البيان الشيوعى .
وقد أدت كتابات ماركس إلى نفيه فى ١٨٤٩ من المانيا ، فذهب الى فرنسا ، ولما طرد منها ذهب الى بروكسل ثم الى لندن .
…. ….. ……
البيان الشيوعى
هو كتيب صغير فى حوالى ٤٠ صفحة ، كتبه ماركس وانجلز بالالمانية ، وهو اساس النظرية الشيوعية ، وانجيل الشيوعيين فى كل زمان ومكان .
وقد هاجما فيه بأسلوب قوى ومثير ، النظام الرأسمالى ، والحكومات التى تأخذ به . كما هاجما القوانين والأخلاق التى أعتبراها ثمرة وسند المجتمع الرأسمالى . وحتى الزواج وجدا فيه نظاما للعبودية . ابتدعته البرجوازية ، لجعل الزوجة وسيلة من وسائل الأستغلال والانتاج .
وقد دعا المؤلفان فى البيان الشيوعى البروليتاريا ( الطبقة العاملة ) الى الاتحاد والاستعداد الى المعركة الأخيرة للقضاء على الطبقات الأخرى فى المجتمع والغاء الملكية الفردية .
ولكن الثورة ليست هى الطريق الوحيد الذى يتحدث عنه ماركس وانجلز فى البيان الشيوعى ، لألغاء نظام الطبقات .فهما ينأديان فى بعض سطور البيان إلى اتباع طريق التطور الذى تساعد فيه البرجوازية البروليتاريا على بلوغه .
وقد حلل ماركس وانجلز التاريخ فى ضوء ما سمياه( الصراع الطبقى ) . إذ اعتبرا ان تطور المجتمع البشرى كان على الدوام صراعا بين السادة والعبيد . وان اجهزة الدولة قد عملت دائما من أجل اخضاع الأخيرين للأولين .وتنبأ ماركس وأنجلز فى بيانهما بقرب زوال البرجوازية الحاكمة ، وظهور مجتمع جديد تنعدم فيه الطبقات ، وتلغى منه الملكية الفردية . ثم دعيا الى الثورة ، او التطور الاقتصادى ، لتحقيق هذا الحلم ( فلن تفقد البروليتاريا بالثورة سوى قيودها ، كى تفوز بالعالم . فيا عمال العالم ، اتحدوا )
… …. …..
كان ماركس قد تزوج قبل مغادرته المانيا ، ثم استقراره فى لندن ، بارونة ارستقراطية بروسية ( يحمل اجدادها لقب دوق ) بعد خطوبة دامت ٧ سنين . وقد سكنا فى لندن فى البداية منزلا صغيرا مكونا من حجرتين فوق مغسلة .
وقد شاركت جينى ( زوجتة ) ماركس حياته الشاقة والمتقلبة ، وقاست معه طويلا من الفقر والحرمان ، وادارت له منزله ، وربت أبنائهما ، وساعدته فى اعماله . ويقال انهما عندما توفى ابنهما إدجار عن ثمانية أعوام عام ١٨٥٥ ، عجزا عن شراء تابوت له يدفنانه به .وقد حزن ماركس على إدجار حزنا شديدا ، أكثر مما حزن على وفاة ابنه الآخر هينريش فى ١٨٥٠ عن سنة واحدة .
ولم يعش لماركس وزوجته جينى غير ثلاث بنات ، هن جينى ولورا واليانور . تزوجت كبراهن بالزعيم الاشتراكى الفرنسى بول لافارن وكان ماركس سعيدا جدا بأحفاده ، ويداعبهم طويلا ..
وقد انتحرت أثنتان من بناته بعد زواجهن .
وكان لماركس علاقة غير شرعية مع خادمته الانجليزية لينشين وقد انجب منها فى ١٨٥١ أبنا أطلق عليه أسم فريدريش ، وقد تبناه أنجلز . وتفادى بذلك معركة عائلية كبرى . ولم يفصح انجلز عن أبوة ماركس لفريدريش ألا وهو على فراش الموت .
… …. …. …..
يقول تقرير للبوليس السرى الانجليزى عام ١٨٥٥ :
( كارل ماركس بالرغم من قلقة وتطرفه ، زوج وأب طيب وكريم ..اذا دخلت حجراته ، ستصدمك رائحة دخان سجائره ، حتى لتدمع عيناك ، وتظن أنك فى حانة مكتظة بالرواد . وكل مافى الحجرة مغبر حتى ان لمس شئ ، او التفكير فى الجلوس على شئ يعتبر عملا غير حكيم ) .
وا كارل ماركس
ج ٢
عاش ماركس فى لندن ٣٤ عاما ، لكن نشاطه انحصر بين منزله ومكان عمله بالمتحف البريطانى . وكان ماركس يتردد على قاعة المطالعة كل يوم ، ويجلس على نفس المقعد الجلدى رقم ٧ امام منضدة صغيرة يكتب عليها ، وينهمك فى عمله بين مجلدات المتحف الكثيرة . وكانت لديه قدرة كبيرة على الجلد فى البحث ، ومواصلة العمل والكتابة .
وقد انحصر عمل ماركس فى شئ واحد ، هو تحليل النظم الاقتصادية والاجتماعية ، لإثبات الزوال الحتمى للنظام الرأسمالى ، ونظام الطبقات .
وقد عمل ماركس خلال تلك الفترة مراسلا لجريدتى النيويورك تريبيون الأمريكية ، ودى بريسة الالمانية ، وكان ماركس يكتب إليهما عمودين منتظمين يضمان افكاره وأخبار انجلترا الهامة . ويحصل منهما على دفعات مالية قليلة ، وغير منتظمة . وكانت إيراداته من هذه الأعمال قليلة وغير كافية أو منتظمة . فأخذ انجلز يساعده بدفعات صغيرة فى البداية منذ كان موظفا صغيرا بشركة نسيج كبرى فى مانشستر بشمالى انجلترا . ولكن قيمة هذه المساعدات ارتفعت كثيرا منذ عام ١٨٦٧ حتى بلغت ٣٥٠ جنيها فى السنة ، بعدما أصبح انجلز شريكا فى الشركة .
ولهذا كان يضطر ماركس إلى رهن اثاثه المنزلى وملابسه ( وقد رهن فى إحدى المرات الأسرة التى ينامون عليها )
كما كان يستدين ، وكان الدائنون كثيرا مايلاحقونه فى مكتبته ، او حانته ، أو منزله ، مطالبين بديونهم ، مما كان يسبب له الفضيحة أمام معارفه وجيرانه ، والانهيار العصبى لزوجته .
ولكن احوال ماركس تحسنت قليلا منذ عام ١٨٥٦ حين ورثت زوجته بعض المال عن أسرتها الثرية بألمانيا . فأنتقلت الاسرة الى منزل آخر اوسع فى حدائق هامبيستيد الراقية ، وكانت له حديقة صغيرة خلفية ، وأثثاه تأثيثا معقولا . ثم تحسنت حالته بزيادة معونة انجلز له .
وتجدر الاشارة الى ان ماركس كان يطلب فيمن يتقدم للزواج من بناته أن يكون ثريا .
… …. ….. ……
وقد رصد ماركس جل حياته لتأليف عمله الوحيد ( بعد البيان الشيوعى ) رأس المال ، وقد أصدر جزئه الأول فى لندن سنة ١٨٦٧ ..وعندما توفى ماركس عام ١٨٨٣ أكمل انجلز الكتاب بجزئيه الثانى والثالث ، على اوراق ماركس الخاصة ، فصدرا فى ١٨٨٥ ، ١٨٩٤ على التوالى .
… …. …. …..
ويقال ان ماركس قد تنبأ بقيام الثورة الاشتراكية فى روسيا ، وأنه منذ ١٨٦٨ اخذ يتعلم الروسية ، ويقرأ بها بعض الأعمال . وانه قد قال : ( أن حمم البركان سوف تنهمر من الشرق إلى الغرب ، وليس العكس )
وفى اول يوليه ١٨٦٩ تقاعد انجلز عن العمل ، وانتقل مع زوجته الى سكن قريب من منزل ماركس بلندن ، ويقال ان جينى زوجة ماركس كانت تغار من أنجلز ، لأنه كان يصطحب ماركس معه للشرب وقضاء السهرات خارج المنزل . وكان ماركس وانجلز يذهبان عادة الى بار ( قلعة جاك سترو ) القريب من منزل ماركس لشرب البيرة .
وفى ١٨٧١ كتب ماركس رسالته عن ( الحرب الاهلية فى فرنسا ) وطبعها ناشر صغير ، فباعت فى عدة طبعات متتالية عددا كبيرا من النسخ بين افراد الطبقة العاملة البريطانية . ودرت على ماركس بعض المال ، كما ذاعت شهرته كمناضل ثورى فى انحاء العالم .
…. ….. …..
وقد توفت جينى زوجة ماركس فى ٢ ديسمبر ١٨٨٢ ، ولحق بها ماركس فى ١٤ مارس ١٨٨٣ وقد اشرف انجلز على مراسم دفن ماركس .وتم دفنه فى مدفن متواضع وألقى إنجلز كلمة فى تأبينه قال فيها : لقد تحمل أعظم عقل فى النصف الثانى من هذا القرن محاولات كثيرة لتشويهه وتحطيمه .
وقد نقلت الى جواره بعد ذلك، زوجته وحفيدا صغيرا له ، وخادمته لينشين .
وفى عام ١٩٥ق نقلت رفات ماركس الى مدفن أكبر ، فوق قاعدة من الجرانيت ، اقام فوقها الحزب الشيوعى البريطانى رأسا برونزيا كبيرا لماركس . وحفر عليه : يا عمال العالم اتحدوا …وأيضا كلمة ماركس الشهيرة الاخرى : لقد حاول الفلاسفة ان يفسروا لنا العالم بطرقهم المختلفة ، ولكن الأهم من ذلك ان يقولوا لنا كيف نغيره إلى الأفضل .
تمت..