خليل عبد اللطيف البدراني
وفن الطاقة والجلد الخامس
* ودعنا منذ أيام قليلة الفنان المرحوم رضا الخطاط ، تاركاً لنا أعمال جميلة للذكرى امتاز بها وأبدع من خلال تكوينات فنية نحس برسوخها وانسجامهاومتانتها تفرض نفسها على المتلقي ، وتقدم حلول تشكيلية ضمن رؤى واقعية أو حالمة وصيغ فنية محكمة التأليف ، فيها الكثير من الابتكار والابداع والغوص في عوالم النفس البشرية ، وتسخير الأشياء من حولنا وتطبيق الأفكار وتحقيق الرؤى للوصول إلى لب الواقع وجوهره بعيداً عن المظهرية ، وتتركز على جوانب العلاقات الانسانية وما يحيط به. استطاع من خلالها أن يدمج بين الأشكال والموضوعات ويقدم أعمال ذات رؤية خاصة . موادها الخام ما تزخر به الطبيعة من حجر وشجر ليحولها ألى أشكال ذات دلالات فنية وقيم جمالية .. عشقه للفن لم يكن وليد الصدفة فقد ترعرع في بيت فني فيه الريشة واللون ونهر الفرات وأشجار الغرب ، مقومات اندمج فيها مع هواء وماء وتراب المدينة كونت بيئة نادرة عاش وانغمس فيها لتشكل فيه روح العمل والفن التي غمرها والده الفنان التشكيلي المرحوم محمد جابر الخطاط . لقد شكل الفن للفنان الراحل رضا روحاً وجسداً من خارج نطاق الروح والجسد ، رسم بعينه وليس بريشته ، حفر بيديه على الخشب والحجر وليس بالأزميل ، كان يرى الذي لايراه غيره ، تعتمد الموهبة الفطرية والسعي على تطويرها وابرازها من خلال تقديم الجديد المبتكر ، يعمل على تكوين مجسمات التقطها من الطبيعة وجعل منها شكلاً آخر . تعبيراً عن كل ما تعنيه الحياة من تعابير اجتماعية وسياسية ورمزية تحمل في أعماقها معاني انسانية ، وقد أدرك من خلال تلك التجربة أن هناك روحاً تسكن في كل أشكال الحياة يمكن تحريكها وابراز ماهو مدفون في ثناياها لتنطق وتقول أن السكون حيّ لا تهملوني ، فأنا الحياة انهلوا مني ما شئتم . بدأ هاوياً ثم محترفاً ، تجربته امتداداً لأكثر من أربعين سنة ليقول من خلالها ( أرى مالايراه الآخرون ، وأنظر أبعد من النظر ) .
في أعماله يجعل المتلقي يقف متأملاً ومتسائلاً أني أرى هذه القطع في الطبيعة لكني لم أشاهدها كمارآها الفنان رضا الخطاط وتفاعل معها بحس ابداعي ، وخصوصية يبثها من روحه وجسده ويعطيها من طاقته المتميزة . فيرى الغصن غزالاً شارداً أو طائراً محلقاً أو قطعة خشب مرمية على قارعة الطريق رمزاً يحولها بأنامله الرشيقة إلى معنى وقيمة جمالية تشعر المتلقي أنه خارج نطاق الجو المحيط به حتى لو كان مغلقاً . إنه فن الطاقة والجلد الخامس ..كما وصفه لي سابقاً الفنان الراحل الخطاط( الجلد الأول هو جلد الانسان والثاني لباسه والثالث جوه الأسري والرابه البيئة وما يحيط بها من علاقات اجتماعية وانسانية وغيرها والخامس هو النظر والتفكير في المحيط الكوني وما يحتويه من أسرار وغرائب قد لا يدركها الانسان العادي ، وهي الطاقة الدفينة والكامنة قد تتحرر في أي وقت…) فالجلد الخامس لا علاقة له بتشكيل القطعة ، لكن العلاقة بطاقتها وقدرتها على الانسجام مع المتلقي مهما كان المتلقي مقيد الطاقة . فمن خلال غصن شجرة مثلاً يستطيع أن يكتشف أنه يملك طاقات تعبيرية ، وتجريدية هائلة ، يستطيع الفنان من خلالها خلق تكوينات جديدة لا حصر لها ، يدركها العقل ، ويتفهمها المنطق تعتمد على العلاقات الشكلية اللونية فيها الكثير من الفن الأصيل والتجديد ، وتضمن لها الرسوخ والاستمرارية ، وتجربة غنية في ذاكرة الفن ….
رحل الفنان رضا الخطاط حاملاً الأماني والأحلام ومشاريع فنية قيد الانجاز ، توقفت بمشيئة الله وإنا لله وإنا إليه راجعون .. رحم الله الفنان المبدع رضا الخطاط وأسكنه فسيح جنانه ، ودعنا جسداً وترك لنا في القلوب حسرة ، وخلد اسمه بأعمال رائعة يتبقى للذكرة والتاريخ ..إلى جنان الخلد ان شاء الله..توفي
٢٠٢١/٢/١٠
_
الفنان رضا الخطاط مواليد دمشق ١٩٥٦-تجربة خاصة – عضو اتحاد الفنانين التشكيليين بدير الزور -أقام معرضاً مشتركاً مع والده المرحوم جابر الخطاط في المركز الثقافي بدمشق ١٩٩٢ -معرض في المركز الثقافي الروسي بدمشق ١٩٩٢ -معرض جماعي في فندق فرات الشام ١٩٩٤ -معرض جماعي في المركز الثقافي بدير الزور ١٩٩٤-معرض في الرقة (مدينة الثورة) ١٩٩٥-معرض في صالة أدنوس باللاذقية ١٩٩٥ -معرض في صالة الباسل بدير الزور ( تحية إلى الفنان خالد الفراتي) ١٩٩٨-معرض جماعي بدير الزور ٢٠١٠ … وشارك في معظم المعارض لفناني ديرالزور داخلها وخارجها.
خليل عبد اللطيف