بقلم : محمد أبوزيد
من اهم خصائص طريقة الإنتاج الرأسمالية أنها تحول الإنتاج إلى إنتاج سلعى ، اى إنتاج يتم بقصد تعظيم الربح النقدى كهدف مباشر ، وليس بهدف الإشباع المباشر لحاجات المنتجين . هذا الهدف لم يتحقق إلا بتحول وسائل الإنتاج الأساسية ، والإنسان نفسه ، إلى سلعة .
فخلال القرنين ١٧ ١٨ ، ومعظم القرن ١٩ ، ظل استغلال افريقيا ، والعمل الأفريقى يشكل مصدرا لتراكم رأس المال لإعادة إستثماره فى أوربا الغربية . ( والتر رودنى – اوربا والتخلف الاقتصادى فى افريقيا – سلسلة عالم المعرفة ص ١٢٤ ) . وقد لاحظ ماركس ان اكتشاف الذهب والفضة فى أمريكا وإستئصال السكان الأصليين ، وإستبعادهم ودفنهم فى المناجم ، وتحويل إفريقيا إلى ارض لإصطياد ذوى البشرة السوداء ، قد ميز الفجر الوردى لعصر الانتاج الرأسمالى ، فعلى اكتاف العبيد استطاعت الأجزاء المتقدمة من النظام الرأسمالى ، إجتياز المراحل الأولى من تطورها : مرحلة تراكم رأس المال النقدى وإقامة الصناعة ( وقد تميزت تلك المرحلة بالنقص الكبير فى عدد سكان المجتمعات الأوربية الناجم عن المجاعات وعن الموت الأسود – الطاعون ) ..ومرحلة إرساء أسس التطور الصناعى والتى شهدت نضح مايقرب من مائتى مليون إفريقى نحو الاقتصاديات الافريقية التى صارت متقدمة من خلال ما سمى ( مثلث الأطلنطى للتجارة ) …. فإحتياج تلك الاقتصاديات الى قوى عاملة رخيصة ، قد جعل من عملية تحول الإنسان الى عبد مطلبا رأسماليا ملحا ، فكانت عملية اقتلاع الشعوب السوداء من اوطانها وجعلهم عبيدا ، وإجبارهم على العمل فى زراعة السكر والشاى والتبغ والقطن فى أمريكا الشمالية والكاريبى ( وللمزيد انظر د. محمد دويدار – الاقتصاد المالى ، ومقالته المنشورة بمجلة مصر المعاصرة العدد٣٥٨ السنة ٦٤ بعنوان ،، ازمة الاقتصاد الرأسمالى المعاصر ،، – وانظر والتر رونى – مرجع سالف الاشارة ص ١٢٢ ) .
فالرقيق كان اغلى سلعة فى التجارة الرأسمالية ، وبخار آلة المركانتلية إن لم يكن وقودها الاسود ، وعليه بنت القوى البحرية إقتصادها ورخاءها ، وكان للبرتغال أولا ثم للإنجليز بعدهم الدور الأكبر فى هذه التجارة الآثمة . وتعد تجارة الرقيق عبر الاطلنطى أعظم موجة فى حركات السكان فى التاريخ البشرى ، فقد شهد المحيط الأطلس مثلثا دمويا يدور مع عقارب الساعة – التجارة المثلثة – كما تسمى – تبدأ فيه السفن بنقل بضائع ومصنوعات بريطانيا إلى غرب افريقيا حيث تستبدل شحنات آمية بها ثم تنطلق عبر المحيط لتفرغ حمولتها فى أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية . ومنها تعود محملة بمحاصيل المداريات من سكر وقطن وتبغ …الخ ( د. جمال حمدان – استراتيجية الاستعمار والتحرير – ص ١٠٣ : ١٠٤ ، د. حمدى عبدالرحمن – افريقيا وتحديات عصر الهيمنة ص١٠ :١٢ . ( وفى الهامش نضع ما كان يتعين وضعه فى المتن وهو انه إذا كان الهولنديون يقولون ان امستردام قد بنيت على عظام الرنجة ، فمن الصحيح ان نقول ان لشبونة وليفربول قد بنيتا على عظام الرقيق الاسود ودماه ” جمال حمدان – سالف ذكره ص ١٠٤ ” ، فالثروات الضخمة التى جناها التجار فى المدن الكبرى مثل ليفربول وبريستول ولندن ” فى بريطانيا ” او باريس ونانت ومرسيليا ونيس ” فى فرنسا ” او امستردام وميدلبيرج ” فى هولندا ” او كوبنهاجن ، او بروكسل ، او إشبيلية ومدريد ” اسبانيا ” او أوليزين ” البرتغال ، يمكن ان تعزى إلى تجارة المثلث الذهبى . حمدى عبد الرحمن – سالف الاشارة ص١٢ )
وينبغى إدراك ان الرأسمالية هى التى ادارت الإسترقاق وتجارة الرقيق عبر الاطلنطى . وكان من المستحيل فى الواقع ان يتم فتح العالم الجديد واستخدامه كمولد دائم للثروة، إذا لم يوجد العمل الإفريقى .
ويشار الى ان حجم الرق قد اخذ ابعادا هائلة بعد حركة الكشوف الجغرافية ، وقد هدفت تجارة الرق فى العصور الحديثة إلى تزويد العالم الجديد بالأيدى العاملة التى يمكن ان تتحمل المناخ الاستوائى والمدارى . وقد وصلت اول شحنة من العبيد من ساحل غرب أفريقيا الى جزيرة هايتى عام ١٥١٠ كما وصلت شحناتها الى جزيرة كوبا عام ١٥٢١ ( انظر د. جلال يحيى – تاريخ افريقيا – ص ١٧٩ – ١٨٠ )
وقد شاركت الكنيسة المسيحية بالكامل فى الإبقاء على الرق بينما ظلت تتحدث عن إنقاذ الارواح ..فالأسبان عند وصولهم جزر الكاريبى وسواحل امريكا الوسطى والجنوبية اعتبروا انفسهم جنود المسيحية ” جلال يحيى – مرجع سابق – ص ١٧٩ ” .. ” .. وتغدو افريقيا لدى البابا وكالة …وتخفى دول فى اوربا ماتضمر من مقاصد وراء رسالة نبى ، وتعتمد دول أخرى على رسالة نبى تسويغا لإصطياد الرقيق .( إميل لودفيج – النيل : حياة نهر ص ٢٨٤ ) وكما يقول احد الزعماء الافارقة ، جاءت إفريقيا وفى يدها الإنجيل ، وكانت الارض فى يد الافريقيين ، فلم يكد ينتهى القرن التاسع عشر حتى كانت الآية قد إنعكست ، فأصبحت افريقيا صاحبة الانجيل ، وباتت اوربا هى مالكة الارض . ( د. محمد محمود الصياد – افريقيا ص ١٣٩ )