يصادف اليوم ذكرى مرور أربعة وثلاثين عاماً على رحيل شاعر الشام الأديب شفيق جبري وبهذه المناسبة نذكر بهذه القامة الأدبية الهامة :
ولد شفيق جبري في بيت دمشقي بحي الشاغور بدمشق عام 1888 وكان والده من تجار دمشق.
عمل في عام 1918 مراقباً للمطبوعات، ثم مترجماً، فسكرتيراً في وزارة الخارجية، ثم انتقل إلى وزارة المعارف رئيساً لديوانها، وكان آنئذِ محمد كرد علي وزير المعارف. في عام 1926م انتخب عضواً في مجمع اللغة العربية بدمشق ثم عمل أستاذاً بكلية الآداب ثم عميداً لهذه الكلية، وحاضر فيها عن أقطاب الشعر والنثر العربي، كالمتنبي والجاحظ، وغيرهما، وأحيل إلى التقاعد عام 1958م.
وهو واحد من أبرز شعراء الطبقة الأولى في عصره بسورية، كالزركلي ومحمد البزم وخليل مردم .
عاصر شفيق جبري سنوات الاحتلال الفرنسي لسورية كاملة، لذلك كان معظم شعره في المواضيع الوطنية، والقومية، والإنسانية، أي مسائل الحرية والنهضة، ويجدر أن نذكر هنا، أن شهرة أعلام الشعر في مصر (كشوقي وحافظ، ومطران) قد حجبت شهرة (جبري) وبقية أعلام الشعر في الشام، ومما ساعد على انتشار الشعراء الثلاثة في مصر تحررهم من الأساليب التقليدية، والتماس أسلوب أداء شعري جديد.
أتاح للشاعر جبري تمكنه من اللغة الفرنسية، أن يطلع على روائع الفرنسي، وكان لهذا الاطلاع أثر عميق في نتاجه الأدبي، وقد صرح جبري في كتابه «أنا والنثر» أنه تأثر بأسلوب الأديب الفرنسي (أناتول فرانس) الذي يتسم ببساطة البيان ووضوحه، وبعمق التفكير ونضوجه. وقد نهج جبري نهج كبار الكتاب الفرنسيين، في الدراسات الأدبية التي وضعها، والتراجم التي ألفها.
وعلى الرغم من أن الأديب جبري، قد درس الآداب الغربية بجامعة دمشق، وأعلن موافقته على نزعة الأداء التجديدية التي نهجها خليل مطران وشوقي وحافظ، إلا أنه لم يلزم شعره بهذا، فالمتتبع لشعره لايعثر على أي تجاوز لعمود الشعر العربي القديم وأساليب شعرائه في التعبير، بيد أن هذا لاينفي عنه صفة التجديد في أسلوبه البياني.
يعرف عن الأديب جبري أنه كان ذا عقل منظم وقد مكنه عقله المنظم هذا من الاشتغال الممتاز فيما ألفه عن «العامي الفصيح» الألفاظ الفصيحة في اللهجة العامية وجاء فيه بالطريف الجميل، وهو يتقصى الألفاظ العامية ذات الأصل الفصيح، ولم يكن يرى من ضرورة لتلك الحرب العنيفة التي شنّها بعضهم على «اللغة العامية» ذلك أنها في أغلب ألفاظها، وفي كثير من أساليب تعبيرها، ترجع إلى اللغة الفصيحة.
إضافة إلى ديوانه الشعري (بوح العندليب) خلّف جبري عشرة كتب نثرية هي (المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس- الجاحظ معلم العقل والأدب – العناصر النفسية في سياسة العرب – بين البحر والصحراء – دراسة الأغاني – أبو الفرج الأصبهاني – محاضرات عن محمد كرد علي – أنا والشعر – أنا والنثر- أرض السحر) وكتابه الأخير (أرض السحر) هو عن أمريكا، ويبسط فيه لطبيعة الحياة في الولايات المتحدة.
وتمتاز كتبه النثرية جميعاً بوضوح شخصيته وغنى ثقافته. وقد مكنته حفاوته بشعراء الأقدمين، لاسيما العصر العباسي، وفي مقدمتهم المتنبي وأبو تمام والبحتري، من اكتساب ثروة لفظية، واكتساب لغة رصينة سليمة، وقد جاء أسلوبه في نظم الشعر والنثر ذات ديباجة عباسية من حيث الصياغة.
بعد تقاعده، عاش حياة عزلة في منزله في بلودان، بيد أنها كانت عزلة منتجة، تفرغ فيها للكتابة، حتى وافته المنية في 23 كانون الثاني 1980 .