تشهد الأزمة في سوريا في هذه الأيام ثلاث مسارات منفصلة ستؤثر على مجرى النزاع بشكل كبير، الأولى حيث تتركز الأنظار على وفدي المعارضة والنظام السوري في مونترو السويسرية، أو ما بات يُعرف اصطلاحًا بمؤتمر جنيف 2، والثاني في دافوس الذي تغيب عنه سوريا مباشرة وتحلّ فيه ايران بقوة، وتفاوض بحنكة ودهاء وشراسة قد تكون أكبر من تلك التي يفاوض فيها النظام السوري بنفسه في جنيف 2، والثالث هو المسار الميداني في الداخل السوري.
– بالنسبة للمسار الأول في مونترو، يبدو أن السقوف العالية التي تحدث بها كل من الطرفين، طرحت جوًا من التشاؤم على المؤتمر. وكان اللافت التصعيد الأميركي غير المسبوق، عبر وزير الخارجية الأميركية جون كيري وبعض مساعديه في وزارة الخارجية. والمطلع على تحليلات داعمي الفريقين، يدرك أن كل فريق من الأفرقاء السوريين، يدّعي أنه ربح في الجولة الاولى، فالمعارضة السورية تتحدث عن ربح كبير، بسبب وضع وفد النظام السوري في منصة الاتهام، من قبل العديد من الدول ولأن الجربا أعلنها “الارهاب ارهابكم”، أما داعمي النظام السوري فيشيرون الى خطاب المعلم، والى تفكك الائتلاف السوري وتغيير ممثليه في المؤتمر والارباك الذين يعيشه، بالاضافة الى ما يشبه فكّ الحظر عن النظام السوري من خلال لقاء آشتون بالمعلم، وجو والارتياح والودّ والضحكات التي سادت لقاء المعلم بفيلتمان والابراهيمي.
– أما المسار الثاني، فتقوده ايران في المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث اجتمع وزراء من دول عربية وإيران وتركيا ودول أوروبية في دافوس لبحث الأزمة السورية في جلسات مغلقة ومفتوحة، يقودها الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي أنان الذي يدعو الى التفكير في المسارات المتعددة التي يمكن اللجوء اليها لحلّ الأزمة السورية.
وهكذا يبدو أن الاحتفالات في مكان، والعرس في مكان آخر، فبينما يشترط بان كي مون أجندة مغلقة جدًا ومتزمتة على المفاوضين في مونترو- وهو أمر مستغرب في المفاوضات التي يجب أن يُترك فيها نافذة ولو محدودة للاختراق منها للوصول الى مبادئ مشتركة- يقوم كوفي أنان بطرح كل المسارات في دافوس، وهي الرؤية السليمة لمن يريد حلاً للأزمة السورية، ولتقريب وجهات النظر المتباعدة بين الأطراف الداعمة لكل من طرفي السلطة والمعارضة.
وهكذا، يبدو أن ايران قد أيقنت أن لا لزوم لتقديم تنازلات مجانية للمشاركة في مؤتمر معروف نتائجه سلفًا، وخاصة أن الائتلاف السوري المعارض بات ورقة بدون مضمون، فلا الفصائل المسلحة تعترف به، ولا يعترف به كثير من المعارضين السوريين في الداخل والخارج، بالاضافة الى أنه انهار من الداخل بعد قرار الذهاب الى جنيف 2، بانسحاب ست كتل أساسية منه.
– أما المسار الثالث الموازي، وهو ما يحصل في الميدان السوري، فيبدو أنه سيكون الحكم في المراحل المقبلة، بعدما تأكد أن له القدرة على التأثير على مجريات المسارات جميعها، فلم يكن الأميركيون وحلفائهم ليقبلوا بوجود النظام السوري على طاولة المفاوضات، لو لم تكن الظروف الميدانية قد انقلبت رأسًا على عقب بين حزيران 2012 وكانون الثاني 2014، واستعاد الجيش السوري المبادرة في العديد من المناطق وكبّد المقاتلين خسائر هائلة.
وبالرغم من الكلام هنا وهناك، والمسارات الدبلوماسية التي تسير جنبًا الى جنب مع محاولة الحسم الميداني، يبدو أن الوقت ما زال مبكرًا للتوصل الى اتفاق بشأن النزاع في سوريا، بالعكس، يبدو أن الميدان سيسشتعل اقتتالاً خلال الفترة الزمنية التي تسبق الانتخابات الرئاسية السورية، وبمجرد العودة من المفاوضات. سيحاول النظام السوري استعادة زمام المبادرة والتأكيد أن الشعب السوري هو من يقرر مصيره ومن يمثله، بينما يسعى الغرب الى فرض موازين قوى جديدة لمنع الأاسد من الترشح، لكنه محرج بالتأكيد بسيطرة القاعدة ( بمسمياتها المتعددة) على المناطق التي تغنّى المعارضون أنهم حرروها، علمًا أن “الجبهة الاسلامية” لا تقلّ تكفيرًا وارهابًا عن “داعش”… انطلاقًا من كل هذا، من خطورة التحالف مع الشيطان الذي بات يُقلق الاوروبيين، لا يبدو أن الوقت يلعب لصالح المعارضة السورية، وما لم تقبله اليوم، قد تكون مرغمة على قبول أقل منه بكثير غدًا.