في الحلقات الثلاث السابقة قدمنا عشرات الادلة على نية اوربا وامريكا بتفتيت الاتحاد الروسي كدولة والقضاء على الروس كشعب، وقدمنا الادلة ان هذه العملية كان من المقرر لها ان تبدأ عام 2014، وبالتالي، فما يحدث في اوكرانيا اليوم هو توتير مقصود عن سابق اصرار وتصميم لاشعال فتيل الحرب على حدود روسيا، وفي 21 ايار ستبدا الاضطرابات في الداخل الروسي عن طريق المنظمات الشركسية القومية المتطرفة. وكل ذلك هدفه فرط الاتحداد الروسي لتتحكم اوربا وامريكا بمصير العالم. وهنا اعيد الى الاذهان تصريحات كيسنجر بهذا الخصوص في الحديث الذي أجراه مع صحيفة «ديلي سكيب» الأميركية وأعاد نشره موقع «ريالتي زونيزم». قال وزير الخارجية الأمريكي السابق هنري كسينجر: (أن إيران هي ضربة البداية في الحرب العالمية الثالثة التي سيتوجب فيها على "إسرائيل" قتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط. وأضاف كيسنجر: لقد أبلغنا الجيش الأميركي أننا مضطرون لاحتلال سبع دول في الشرق الأوسط نظرًا لأهميتها الاستراتيجية لنا خصوصا أنها تحتوي على البترول وموارد اقتصادية أخرى ولم يبق إلا خطوة واحدة، وهي ضرب إيران وعندما تتحرك الصين وروسيا من غفوتيهما سيكون «الانفجار الكبير» والحرب الكبرى التي لن تنتصر فيها سوى قوة واحدة هي "إسرائيل" وأميركا وسيكون على "إسرائيل" القتال بكل ما أوتيت من قوة وسلاح لقتل أكبر عدد ممكن من العرب واحتلال نصف الشرق الأوسط. وأوضح كيسنجر أن إيران ستكون المسمار الأخير في النعش الذي تجهزه أميركا و"إسرائيل" لكل من الصين وروسيا بعد أن تم منحهما الفرصة للتعافي والإحساس الزائف بالقوة وبعدها سيسقطان وللأبد).انتهى كلام كيسنجر. واستنادا الى تصريحات كيسنجر هذه، واضافة لما سبق وقدمناه من الادلة في الحلقات القلاث السابقة يمكننا ان نؤكد بان توتير الاوضاع في اوكرانيا بهذا الشكل المفاجئ يدل على انه توتير مدروس وعن سابق اصرار حيث كانت القرارات المتطرفة والمضرة بالمصالح الحيوية للاتحاد الروسي والتي تحمل طابع الكراهية والتحريض جاهزة بشكل مسبق، والادلة على ذلك اكثر من ان تحصى وعلى سبيل المثال: الغاء القرارات التي كانت قد اتخذت سابقا باعتبار اللغة الروسية لغة ثانية في البلاد، اغلاق المحطات الاذاعية والتلفزيونية الناطقة باللغة الروسية، تاييد الحركات المسلحة القفقاسية ضد روسيا والتهديد باعمال عنف داخل المدن الروسية، المطالبة باخلاء القرم من القوات الروسية، التصريح بشكل استفزازي برغبة اوكرانيا بالانضمام للاتحاد الاوربي ولحلف الناتو أي، طرد الروس من القرم واحلال الناتو عوضا عنهم، والاهم من ذلك كله هو، رغبتهم بتجريد القرم من هويتها كجمهورية ذات حكم ذاتي وتحويلها الى مقاطعة عادية تحت اسم (تافريدا)، وهذا الهدف بالذات هو الذي لعب الدور الاساسي في اصرار المعارضة الاوكرانية على الغاء الدستور الحالي والعودة للعمل بدستور 2004 لأن لسلطات الاوكرانية بامكانها اعتمادا على المادة 73 منه منع جمهورية القرم من حق تقرير مصيرها لان المادة 73 تقول أن جميع المسائل المتعلقة بتغيير حدود الدولة يجب أن تطرح على استفتاء عام في البلاد، ولا يسمح هذا الدستور بإجراء استفتاءات محلية. وبالمقابل، فهناك من يدعو للعودة الى دستور 1992 الذي اقر بعد خروج اوكرايينا من الاتحاد السوفيتي حيث احتفظت القرم بصلاحيات ادارية واسعة تجعل منها دولة مستقلة على وجه التقريب. طبعا المعارضون لايقبلون بذلك لانهم بالاساس يريدون الغاء استقلال القرم وتحويل اوكرايينا الى دولة موحدة غير فيدرالية وذلك بدعم وتحريض مباشر من اوربا وامريكا.
سر الرغبة بالحفاظ على وحدة الاراضي الاوكرانيه استيقظت عند الامريكيين والاوربيين والاتراك فجأة نزعة الحفاظ على استقلال الدول والمحافظة على وحدة اراضيها عندما تعلق الامر باوكرانيا علما بان امريكا اعتدت على استقلال 47 دولة عضو في الامم المتحدة منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. أما اوربا، فهي رائدة الاستعمار وتقسيم الدول في العالم، وبخصوص تركيا فحدث ولاحرج فهي التي كانت الى امد قريب تستعمر عشرات الدول والشعوب. الولايات المتحدة واوربا يهتمون بالحفاظ على وحدة اراضي الدول الاخرى فقط في الحالات التي يحقق ذلك مصالحهم الخاصة، اما بحالة العكس فانهم يعمدون الى تقسيمها وفقا لمصالحهم كما سبق وفعلت بيوغوسلافيا حيث فصلوا عنها كوسوفا، وتشيكوسلوفاكيا حيث فصلوا التشيك وسلوفاكيا الى دولتين ، ثم فصلوا جنوب السودان عن السودان، وقبلها فصلوا ارتيريا عن اثيوبيا حارمين اثيوبيا من منفذها الوحيد على البحر، وفصلوا التيمور الشرقي عن اندونيسيا، وفصلوا كوريا الى دولتين، وقبلها فصلوا سنغافورة عن ماليزيا، وفورموزا (الصين الوطنية) عن الصين. وهناك خرائط جاهزة لتقسيم سوريا والعراق ومصر والسودان والسعودية ولبنان وايران وباكستان وافغانستان وشمال افريقيا وروسيا والصين أي، اينما وطأت اقدام الاوربي والامريكي فهناك تقسيم الا في اوكرانيا حيث يصر الجميع بصوت واحد على ضرورة الحفاظ على وحدة الاراضي الاوكرانية. البداية كانت كانت بتاريخ 27 شباط عندما دعا المرشح لرئاسة الحكومة الأوكرانية أرسيني ياتسينيوك الدول الموقعة على مذكرة بودابست الى ضمان أمن أوكرانيا ووحدة أراضيها. وعلى الفور استجاب حلفاء الانقلاب لدعوة المرشح، ففي الاول من آذار 2014 عبر رئيس المفوضية الاوربية خوسيه مانويل باروسو ضرورة تناول مشكلة القرم في اطار احترام وحدة وسيادة الاراضي الاوكرانية. كما دعا بان كي مون الى احترام سيادة ووحدة اراضي اوكرانيا، كما أكد وزير الخارجية التركي دعم بلاده لوحدة أراضي اوكرانيا. واوضح وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ باتصال هاتفي مع سيرغي لافروف ضرورة الحفاظ على وحدة الاراضي الاوكرانية. ولم يبق مسؤول اوربي او امريكي الا وابدى حرصه على ضمان وحدة وسيادة الاراضي الاوكرانية فما السر بذلك؟ هذا الحرص على وحدة الاراضي الاوكرانية ليس حبا باوكرايينا بل، كرها بالروس ورغبة منهم بمصادرة استقلال القرم ذات الاغلبية الروسية لصالح حكومة قومية متطرفة مقدمة لاغلاق القاعدة البحرية الضخمة هناك واحكام الطوق المعادي حول روسيا واغلاق البحار امام اسطولها قبل البدء باثارة الفوضى داخل الاتحاد الروسي ذاته. وهذا وحده يفسر سرعة اعتراف الاتحاد الاوربي بالحكومة الاوكرانية الجديدة بالرغم من انها وصلت الى السلطة عن طريق البلطجة وبشكل مخالف لنصوص دستور عام 2010، ودستور عام 2004.وسر الرغبة الجامحة للجميع بضرورة الحفاظ على وحدة الاراضي الاوكرانية ومصادرة استقلال القرم. كل ذلك بنظرنا يدل على ان الحكومة الجديدة خططت لتوتير العلاقات مع روسيا عن سابق اصرار بدعم غربي وذلك تنفيذا لمخططات سابقة. والفت الانتباه الى انه في ايلول القادم سيجري استفتاء في اسكوتلندا ليقرر الشعب مصيره بالانفصال عن بريطانيا، وفي تشرين الثاني سيجري استفتاء في كاتالونيا ليقرر الشعب مصيره حول الانفصال عن اسبانيا. ولا ادري لماذا يشعر رئيس المفوضية الاوربية خوسيه مانويل باروسو ورئيس الوزراء البريطاني بالقلق من اجراء استفتاء في القرم ليقرر الشعب مصيره بينما بلادهم منحت هذا الحق للمقاطعات الخاضعة لها. ولا ادري لماذا أيد الجميع اجراء استفتاء في جنوب السودان حيث قرر شعب الاقليم مصيره بالانفصال عن السودان. وايدوا ايضا رغبة سكان نيوفاوندلاند واللابرادور الذين قرروا عام 1948 الانفصال عن بريطانيا والانضمام الى الفيدرالية الكنديه واحترم العالم اختيارهم هذا. فأين الغرابة في ان يقرر شعب القرم مصيره في استفتاء عام ويقرر انضمامه الى الاتحاد الروسي؟ كل هذا يدل على ان مايفعله سكان القرم لايخالف القوانين الدولية ولهم مطلق الحرية في تقرير مصيرهم عبر استفتاء عام. وختاما، أظن انه يتوجب على روسيا ان تتصرف كما تصرفت امريكا عندما نصب الروس صواريخهم في كوبا. اوكرايينا هي كوبا بالنسبة لها. ويجب عدم التوقف في القرم بل والاسراع بضم ابخازيا واسيتيا الجنوبية لتأمين حدودهم من جهة جورجيا.
يتبع غدا.