المفكرالعربي الأستاذ أحمد كرفاح
٠ طبعا تبقى الحقيقة تقول بأن الحرب الروسية ـــ الأوكرانية المشتعلة اليوم ستفتح صفحة جديدة في تاريخ العلاقات الدولية، وستعيد صوغاً جديداً للمسرحين الجيوسياسيي والجيوإستراتيجي الدولي، ولأعوام طويلة مقبلة، وقد لا تتضح الصورة الكاملة لبعض الآثار لسنوات طويلة، إلاّ أن هناك بالفعل علامات واضحة، على أن الحرب سيكون لها إنعكاسات جوهرية أهمها إعتماد روسيا جديد قد يُساهم في حصول بطء شديد في عمليات الإستيراد عالمياً، وهذا طبعا يؤدي إلى المزيد في إرتفاع أسعار السلع في أوروبا لكن يبقى الأهم هو أن تُعيد هذه الحرب بعد إنتهائها بأكمله٠هذا طبعا وتبقى الحرب الروسية على أوكرانيا ليست حدثاً عابراً محصورة آثاره بدولتين، بل هي حرب لها بُعد إقليمي، ومنذ بدايتها كان الهدف منها هو حياد أوكرانيا، وعدم إنضمامها إلى حلف الناتو طبعا الذي يضم دولاً غربية والولايات المتحدة٠ هذا طبعا وكان الهجوم الروسي على أوكرانيا قد جعل كل الدول الغربية والأُوروبية تتجنَّد لمساعدة أوكرانيا بطريقة مدروسة، من دون أن تتورّط مباشرة في الحرب، كما أن هذه الحرب هي حدث عالمي، آثارها ليست محصورة بدولتين، إنما بالإقليم الأُوروبي والعالم، وكان لها تأثير على الإقتصاد العالمي٠ حيث سبّبت تضخماً كبيراً وإرتفاعاً في الأسعار، لأن روسيا، هي الدولة المصدّرة الأُولى للغاز في العالم، و أكبر مصدّر للنفط في العالم، فُرضت عليها عقوبات وهذا طبعا مما أدى إلى إرتفاع أسعار النفط من 90 دولاراً إلى 140 دولاراً ثم إلى 108 دولار ، كما أن إرتفاع الغاز قد أدي إلى إرتفاع الأسعار كافة، نتيجة إرتفاع أسعار كلفة النقل والانتاج٠ خاصة وأن روسيا وأوكرانيا تمدّان العالم بـ 25 % من القمح العالمي، والحرب أدت إلى إرتفاع أسعاره، وهذا الأمر يُهدد الأمن الغذائي العالمي ٠ كما هناك دول لا تملك مخزوناً كافياً، لذا طبعا قد أصبح أمنها الغذائي مهدّد،إضافة إلى حصول تضخم عالمي،
وهذا طبعا يعود إلى طبيعة الإقتصاد الأُوكراني والروسي٠ كما أن أوروبا قد تأثرت بالحرب بصورة كبيرة، لأنها تحصل على 40 % من إمدادات الطاقة من روسيا٠كما أن روسيا من جهتها لم تتوقف عن مد أوروبا بالغاز والنفط، لأنها بدورها تحتاج إلى هذا المردود المالي من أوروبا يقدر طبعا بــــــ700 مليون دولار أي أن المصالح مشتركة بينهما٠ طبعا فكل هذه العوامل، جعلت الآثار للحرب الروسية على أوروبا شديدة جداً، طبعا يحدث بعد أن كانت قد تراجعت آثار جائحة كورونا في بداية العام بعد رفع القيود عن المجتمعات الاوروبية والعالمية، وإعتماد خطط تعافي للتعويض عن الخسائر التي ألمّت بها ٠لكن جاءت الحرب الأوكرانية طبعا فعوّقت خطوط التعافي الأُوروبية، وأوقعت أوروبا في أزمة جديدة لا تقل فداحة عن أزمة كورونا٠ كما أن للقارة الأوروبية لديها مشاكل إقتصادية بنيوية، فهي تخلّت عن دورها كمصنّع للعالم، لمصلحة الصين ودول شرق آسيا٠ وأصبحت طبعا تتُعاني من مشكلة الأمن المتعلق بالطاقة، لأنها تعتمد بشكل أساسي على إستيراد الغاز من روسيا،ولا يُمكنها التخلّي عن ذلك، لذا طبعا لا بُدّ من حلّ لأمن الطاقة في أوروبا٠ هذا طبعا ومن بين الأفكار المطروحة و المقترحة هي اللجوء إلى النفط الإيراني والغاز القطري،وهذا سيكون له تأثير على روسيا، وتكاليف باهظة على أوروبا
٠هذا طبعا ويبقى القول بأن إستمرار الحرب، سيستنزف الإقتصاد الأوروبي، وسيُكبّده خسائر وأعباء، ومنها الدعم لإعادة إعمار أوكرانيا، لأن هناك مسؤولية أخلاقية على أوروبا، كونها الداعمة لها سياسياً، وهذا التأثير سيمتد إلى روسيا أيضاً، وهذا يعني أن الحرب سيكون لها تأثير سلبي على كل الأطراف٠هذا طبعا وكانت الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها كانت قد شكلت على الإقتصاد العالمي، ولا سيما الإقتصاد الأوروبي، صدمة لدول القارة الاوروبية، وهذا طبعا مما كان قد دفع بالقارة العجوز ببذل جهود مكثفة لإزالة تداعيات فيروس كورونا على إقتصاداتها، والتي دامت لنحو أكثر من سنتين.
هذا طبعا ويبدو أن هذه الصدمة سيكون لها مفاعيل باهظة لجهة كلفة معالجتها، والتي يُتوقع أن تتجاوز حجم الناتج المحلي الإجمالي في الإتحاد الأوروبي في هذه السنة طبعا والمقدّر بنحو 175 مليار يورو٠ هذا طبعا وتبقى تأثيرات الحرب الروسية ـــ الأوكرانية كبيرة، لأنها طبعا كانت قدعمّقت الفجوة بين العرض والطلب في إقتصادات الدول الاوروبية، بسبب إرتفاع أسعار الطاقة، في الوقت الذي لا يستطيع البنك المركزي الأوروبي التوفيق بين مكافحة التضخم، ودعم النشاط الإقتصادي٠ومع هذا طبعا الكثير من أهل الإختصاص لا يزالون يعتقدون بأن الإقتصاد العالمي سينمورغم الحرب الدائرة، وأن تأثيرها سيكون ملموساً في جميع أنحاء العالم، وتعتمد درجة الضرر بشكل حاسم على المدة التي ستستغرقها الحرب. ومع دذا لا أحد يمنكه أن ينكر بأن الحرب الروسية – الأوكرانية، كانت قد ثرت على مجمل القطاعات الإقتصادية والإجتماعية والغذائية، وسلاسل التوريد في العالم، حيث كانت قد تسببت في إرتفاع مجمل الأسعار وخفّضت القدرة الشرائية للأسر٠كما أيضا قد بدأت التوقعات لنسب النمو الإقتصادي تتغيّر في الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا وأوكرانيا، والإقتصاد العالمي وجعله يعاني التضخم٠
وهو طبعاما دفع بمنظمة التجارة العالمية إلى تخفيض توقعاتها للنمو بمقدار النصف تقريباً، من 4.7 % إلى 2.5 %، بسبب تأثير الحرب والسياسات الغربية المرتبطة بهذه الحرب، رغم أن أوكرانيا وروسيا تشكلان ما لا يزيد عن 2.5 % من صادرات التجارة العالمية٠ خاصة وأن التجارة قد أصبحت أداة أساسية للضغط عبر ما يُسمّى العقوبات، فنتيجة العقوبات على روسيا التي تنتج 10 % من الطاقة العالمية، منها 17 % من الغاز الطبيعي، بدأت المصارف المركزية في الولايات المتحدة وأوروبا برفع الفوائد. وع هذا طبعا فالقارة العجوز أوروبا تتردد في إستهداف قطاع الطاقة الروسية لمعاقبة روسيا وهو طبعا مما كان قد كشف مدى هشاشة إمدادات الطاقة للقارة الأوروبية٠فألمانيا والعديد من الدول الأوروبية تعتمد بشكل كبير على واردات الغاز الطبيعي الروسي، بعدما قرّرت إغلاق محطات الطاقة النووية والفحم في السنوات الأخيرة٠
وهو طبعا الأمر الذي لم يؤد سوى إلى زيادة حاجة أوروبا للطاقة طبعا بالإعتماد على الغاز الروسي٠ هذا طبعا ويبقى من الطبيعي أن تتأثر إقتصادات القارة الأوروبية، حتى طبعا وإن كانت بنِسَب متفاوتة، بسبب هذه الحرب، ولعلَّ الخسارة الأكبر، والتي لن تتحمّلها الإقتصادات الأوروبية، هي خسارة إمدادات النفط٠ خاصة وأن روسيا تمدّ القارة الأوروبية بالغاز الطبيعي بنسبة 37 %، لذا طبعا يبقى من الطبيعي أن تتأثر كافة القطاعات خاصة قطاعات الإنتاج التي تستخدم مستلزمات تشغيل من روسيا، كصناعة الطائرات، والصناعات الخشبية، وصناعة الكهرباء، وكل الصناعات التي تستخدم النفط والغاز الروسيَّين والفحم الروسي والنحاس والألومنيوم، وبخصوص في دول كلمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا، وغيرها من الدول التي لن تستطيع إيجاد بدائل سريعة عن الواردات الروسية٠ هذا طبعا ومن بين القطاعات التي تأثرت بهذه الحرب هي القطاع الزراعي، الذي يستخدم مستلزمات إنتاج آتية من روسيا،كسماد البوتاسيوم، والحبوب والزيوت وزيت دوار الشمس، وكذا قطاع النقل الجوي، جرّاء إغلاق المجال الجوي الأوروبي أمام الرحلات الآتية من روسيا، وتلك الأوروبية التي تستخدم الأجواء الروسية، والتي قدّرتها بعض المصادر الإقتصادية،
طبعا بنحو 37.0 مليون دولار أسبوعياً، أي بنحو 150 مليون دولار في الشهر الواحد٠ كما أن هذه الحرب قد قد أثّرت أيضاً على القطاع المالي، والإستثمارات المالية الروسية في دول الإتحاد الأوروبي، والإستثمارات الأوروبية في الإقتصاد الروسي، والتي شملها الحظر والمقاطعة، مما أدّى إلى إنهيار أسعار تلك الأصول المالية، سواء بالنسبة إلى روسيا، أو الشركات والمؤسسات المالية الأوروبية المالكة لتلك الإستثمارات، وقيمتها بحدود 100 مليار يورو، منذ بداية الأزمة كما يمكن أن تتعرض قطاعات الخدمات، كلُّها للخسارة والإنهيار٠ كما يمكن أن تكون الخسائر الأوروبية، مابين 500 و800 مليار يورو، وإذا أضف إليها وقف إمدادات الغاز الروسي، فإن الرقم قد يتضاعف إلى أكثر من 1.5 تريليون دولار٠ هذا طبعا وحتى فرنسا التي كانت قد سجّلت بعد التعافي من أزمة كورونا، نمواً إقتصادياً بلغ 7 % خلال العام 2021، وإنخفض فيها معدل البطالة إلى 7 %، حيث كان إقتصاد أميركا وفرنسا أفضل إقتصادين أداءً في العالم بعد كورونا، لكن لا يُمكن الحكم بأن العالم كان قد تخطّى كلياً آثار الجائحة ٠
حيث الأزمة الأوكرانية في الحقيقة قد أعادت خلط أوراق النمو من جديد. خاص ةوأن الجائحة كانت قد كشفت عن تصدّعات في الترابط الإقتصادي بين دول العالم، وتبعتها إرتدادات الحرب في أوكرانيا التي أدّت إلى أزمة كبيرة في الإمدادات الغذائية وأسواق السلع الأساسية٠ هذا طبعا ومع إندلاع الحرب في أوكرانيا، بدأ يشعر المستهلكون بتداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا من خلال إرتفاع أسعار الطاقة والمنتجات الغذائية، جرّاء فرض عقوبات إقتصادية قاسية على روسيا إضافة طبعا إلى الإنعكاسات السلبية على كافة القطاعات الإنتاجية والخدمية، لأن دول الاتحاد الأوروبي خسرت صادراتها إلى روسيا، والتي بلغت قبل بداية الأزمة الأوكرانية نحو 200 مليار دولار
٠ هذا طبعا وفي ظلّ تباطؤ معدلات النمو، فإنّ أزمة إرتفاع تكاليف المعيشة ستتفاقم٠ففي ألمانيا قد بلغ معدل التضخم عشية الأزمة الأوكرانية 5.2 %، وفي بريطانيا 4.2 %. بيد أنه بعد الأزمة،
هذا طبعا ومع إستمرار الحرب وأيضا مع الإجراأت الروسية المضادة المتوقَّعة، فقد تزيد معدلات التضخم على 15 % في كثير من دول الإتحاد الأوروبي٠ خاصة وأنه قد تبيَّن من خلال أحدث الإحصاأت الروسية بأن دول الإتحاد الأوروبي قد إستوردت من الغاز الروسي خلال شهر واحد، بعد الحرب في أوكرانيا، ما يُساوي 10 مليارات يورو وأيضاً من النفط بنحو 5 مليارات يورو، ومن الفحم ما يساوي 450 مليون يورو٠ هذا طبعا وتبقى الخسارة الأكبر، والتي لن تتحمّلها الإقتصادات الأوروبية، وإن بنِسَب متفاوتة بين دولة وأخرى، هي خسارة إمدادات الطاقة، التي تزيد على خمسة ملايين برميل يومياً، من النفط ومنتجاته ٠
وحتى البحث عن بدائل بوجود التردُّد في تمويل النقص لدى بعض الدول المنتجة الكبرى، كالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة، ومن قبلهما فنزويلا وإيران ، فإن ذلك سيؤدي إلى إرتفاع غير مسبوق في أسعار تلك المنتجات التي تمسُّ العصب الحساس للمواطنين في هذه الدول الأوروبية، ومنها سوف ينتقل الإرتفاع إلى قطاع النقل على نحو يؤدي إلى زيادة أسعار هائلة وواسعة في كل مستلزمات المعيشة. ويُقدَّر حجم هذه الخسارة على إقتصاد المواطنين في أوروبا بأكثر من 200 مليار يورو وربما يتضاعف الرقم إذا ما إستمرت هذه الحرب