هل نستطيع كسب الرهان ؟
بقلم : حبيبة غريب
انتعاش كبير عرفه اللباس الجزائري التقليدي و العصري على السواء بعد أن سُلط عليه الضوء لأكثر من شهر كامل في إطار تظاهرة شهر التراث اللامادي، التي استحدثتها وزارة الثقافة والفنون لأول مرة في تاريخ الجزائر، بهدف تثمين والتعريف بشتى مجالات الثقافة والفنون والحرف والعادات والتقاليد والأدب الشفاهي التي تشكل هوية الشعب الجزائري وأصالة تاريخه. و كانت تظاهرة خاصة باللباس الجزائري تحت شعار: “لباسي_ذاكرتي_وثقافتي”، أفصحت عن فكرة مشروع عصرنة العديد من الألبسة التقليدية لتواكب الزمن و الطلب و لتكون في قلب التنمية الاقتصادية الثقافية والسياحية التي تطمح الجزائر الوصول إليها.
استقطب اهتماما كبيرا وأسال الكثير من الحبر محليا و دوليا، خصص له رسميا شهر كامل للاحتفاء به، إنه اللباس الجزائري بكل تنوعه وخصوصياته، تاريخه وأصالته، والذي كان في الشهور الماضية محور حملة المطالبة بتثمينه والحفاظ عليه، شنها عدد كبير من المواطنين الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي، كما كان أيضا في قلب حملة أخرى، أطلقها فنانون وفنانات وناشطون في المجال الثقافي، تمثلت في نشر صور لهم بالأزياء التقليدية، من شتى مناطق الجزائر.
وقد حملت الاثنين نفس الرسالة إلى الحكومة الجزائرية ووزارة الثقافة والفنون بالتدخل العاجل والسريع لحماية هذا الموروث الثقافي من السطو والقرصنة و الاندثار.
وجاء الرد باستحداث شهر اللباس الجزائري كأول طبعة لتظاهرة شهر التراث اللامادي، بمعارضه، و محاضراته الافتراضية وأيامه الوطنية تحت شعار “لباسي.. ذاكرتي… ثقافتي”.
**معارض للترويج ورد الاعتبار***
من البلوزة الوهرانية، للشدة التلمسانية المصنفة عالميا من قبل اليونسكو إلى القفطان الجزائري، والكراكو العاصمي، الجبة النايلية، الجبة القبائلية والملحفة الصحراوية و الشاوية والبرنوس والجلابة المصنوعة من وبر الجمال…. ألبسة رجالية و نسائية، حلي وأكسوارات تميز طابع كل منطقة من مناطق الجزائر ، تلبس خاصة في المناسبات السعيدة داخل وخارج البيت، نقطتها المشتركة لمسة إبداعية وجمالية تتميز بها الأنامل التي حاكتها وقدمتها والأرواح الطيبة التي توارثها وحافظت عليها عبر الزمن.
كان كل هذا التميز والجمال في الواجهة مدة شهر كامل من خلال المعارض المنظمة بالعاصمة وكذا بالعديد من المدن الجزائرية والتي لاقت تفاعلا لا بأس به، سواء من طرف العارضين الخواص والمؤسسات الثقافية وكذا المواطنين.
هذه المعارض كان لها الفضل في إعادة رد الاعتبار إلى العديد من الألبسة التقليدية التي أصبحت مهددة بالنسيان لغلاء كلفة خياطتها و تطريزها أو لتقادمها مقارنة مع مودة العصر.
***رؤية استشرافية و مشاريع***
إذا كان من السهل التصدي إلى عمليات التخريب والسطو على التراث المادي و تعقب مرتكبي مثل هذه الجرائم و استرجاع المسروقات، يبقى الوقوف أمام محاولات قرصنة التراث اللامادي مرهون.
ويبقى تخصيص شهر الاحتفاء باللباس الجزائري غير كاف لإعطاء هذا الموروث الشعبي حقه ولإنصافه و تصنيفه وجعله في صلب مشاريع اقتصادية و تجارية و سياحية مربحة… نحتاج إلى تكاتف الجهود و دراسة مدققة لعملية ترويج و تسويق له ومتى وجدت إستراتيجية أو خارطة طريق ناجعة للسياحة الثقافية كان من السهل أن نرى ألبستنا تجمع بين التقاليد والعصرنة بلمسة جزائرية يقتنيها المواطن الجزائري ويفتخر بالظهور بها أمام العلن و يأخذها معه السائح الأجنبي تذكارا لزيارته للجزائر.
مخطط صون، متاحف تفسيرية وتشجيع الاستثمار
لقد اتضحت الرؤيا نوعا ما، لدى القائمين على تظاهرة شهر اللباس الجزائري، والذين سيحاولون ترجمة الأفكار المنبثقة من المعارض و المحاضرات الفكرية و النقاشات مع المختصين في هذا المجال ، وتجسيدها ميدانيا في “مخطط صون ومتاحف تفسيرية ومؤسسات اقتصادية تصنع وتسوق اللباس بلمسة جزايرية، وتشجيع لكل من يحافظ على هذا الشق الهام من التراث اللامادي الذي يصنع الهوية بامتياز.”
لكن تبقى الحاجة إلى التدوين ودراسة تاريخ هذا الموروث قائمة، تحتاج تكاتف وتضاعف الجهود بين الباحثين والصناع و الوزارة الوصية ، بهدف ووضع ملفات التصنيف وطنيا و عالميا، حفاظا عليه من السطو والقرصنة و أكثر من منها، من الضياع والاندثار. فالكثير من الحرف الخاصة بحياكة وخياطة وتطريز اللباس التقليدي مهددة اليوم بالانقراض بسبب الاستنكار والتكوين. وقد يكون من الأنجع إدراج تكوينات في مناهج التكوين والتعليم المهنيين حول اللباس التقليدي وضع بذلك اللبنة الأولى والصحيحة لمشاريع مقاولتية من شأنها أن تساهم في انتعاش مجال النسيج في الجزائر.
و تجلت اليوم الرهانات التي لابد من كسبها ليتعدى اللباس مكانته كتراث لامادي و جزء من الهوية الوطنية إلى مورد اقتصادي و عامل يروج لوجة الجزائر السياحية، فهل نقدر على كسب الرهان ؟