![](/userfiles/14114782775774728(5).jpg)
بقلم: د . حسن أحمد حسن
يجمع الباحثون والمتابعون المهتمون بالشأن السياسي على أن الحرب التي فُرِضَتْ على الدولة السورية هي من أقذر الحروب التي عرفتها البشرية إن لم تكن أقذرها على الإطلاق،
وهي الأصعب والأشرس والأكثر تعقيداً جراء تداخل الأطراف المشتركة بشكل علني وسري، وقد تبين أن كل ما كان يتم الترويج له من مدد زمنية لتفتيت الدولة السورية ليس أكثر من محاولات تسويق الرغبات والأحلام التي تحاصر أطراف التآمر والعدوان وتصطدم بواقع ميداني يحول دون تنفيذها، فما هو سر هذا الصمود الأسطوري الذي جسده السوريون، وكيف يمكن التعامل مع تداعياته الداخلية والإقليمية والدولية؟ وهل تجليات هذا الصمود واضحة أم أنها بحاجة إلى تظهير؟ وهل تخلى أصحاب المشروع التفتيتي عن مخططاتهم الشيطانية، أم ما يزالون يسعون لتحقيقها عبر التدمير الممنهج للبنى التحتية بهدف استنزاف عوامل القوة الشاملة للدولة السورية؟ وقبل هذا وذاك أين نحن الآن، وأي سيناريوهات محتملة تنتظر حاضر المنطقة ومستقبلها؟.
الإجابة الموضوعية على أي من التساؤلات السابقة تتطلب الكثير من الدقة والتأني لمعرفة الملامح العامة التي أفرزتها سنوات الحرب المفروضة على الدولة السورية، وباختصار شديد يمكن القول : لو أن أي دولة عظمى واجهت بعض ما واجهته سورية من مجاميع إرهابية مدعومة من الخارج لانهارت في غضون أشهر أمام مثل هذه الحرب المركبة التي تمتزج فيها الحرب التقليدية بحرب العصابات والشوارع وحرب المعلومات في عصر السماوات المفتوحة، فضلاً عن كونها حرباً استخباراتية واقتصادية ودبلوماسية ونفسية بآن معاً، و يكفي السوريين فخراً أنهم استطاعوا إيقاف زحف ألسنة اللهب التي خلفها ما أسموه ـ زوراً وبهتانا ـ ربيعاً عربياً، وتبين أنه تصحر عربي وربيع صهيوني صرف، وهنا لابد من التذكير بأن الصمود السوري للدولة السورية قد نجح في فضح حقيقة ما كان يتم الترويج له عبر سنوات، ولعلها الخطوة الأولى في تحطم مقطورات الربيع المشؤوم حيث سقطت إمبراطوريات إعلامية وفقدت كل بريقها وما اكتسبته من سمعة وقدرة على التأثير بعد أن تبين أنها جزء من الحرب المفروضة على سورية، وهذا بدوره يقودنا إلى الحفرة التالية التي سقط بها أنصار المشروع الصهيو ـ أمريكي مع كل ما يدور في فلكهم من حلفاء وتابعين وأزلام وأدوات تنفيذية مأجورة ، وذلك باتضاح حقيقة زيف الشعارات التي رددوها وكأنها واقع قائم، فشاهد العيان ثبت أنه شاهد زور، ومقولة « الشعب يريد» تبين أنها تستهدف القضاء على ما يريده الشعب حقيقة، وما أسموه حراكاً سلمياً اتضح أنه كان حراكاً مسلحاً ومضبوط الإيقاع حتى قبل الخامس عشر من آذار 2011م.، والانشقاقات التي روجوا لها في صفوف الجيش العربي السوري تبين أنها تخرصات وأمنيات لا تتجاوز التشابه مع أحلام إبليس في الجنة، وهاهو العالم يقف مشدوهاً أمام إنجازات هذا الجيش الوطني وعقائديته وتضحياته التي هيأت البيئة الاستراتيجية المطلوبة ليس فقط لكسر أعاصير الشر التي أرادوها أن تعصف بسورية، بل ولفرض قواعد جديدة تؤسس لتجاوز نظام الأحادية القطبية استناداً إلى موازين القوى الجديدة التي أفرزتها هذه الحرب المفتوحة.
إن وقفة جادة ومسؤولة مع تداعيات الأحداث ودلالاتها تؤكد لكل من يريد أن يرى الحقيقة أن الدولة السورية استطاعت الصمود أربع سنوات في وجه أكبر تكتل من الدول التي اجتمعت لنحر الوطن السوري فتكسرت النصال وأدميت أيدي وأعين من كانوا ينتظرون التمتع بتلك اللحظة، والمساحات الجغرافية التي كانت المجاميع الإرهابية المسلحة تسيطر عليها قبل أكثر من عام تقلصت وما تزال تتقلص بوتائر وتسارعات تفوق قدرة مشغلي تلك العصابات التكفيرية المأجورة على وقف الانهيارات الدراماتيكية التي تعصف بتلك العصابات على امتداد الجغرافيا السورية، فضلاً عن الاقتتال الداخلي بينها، ووصول الكثير من السوريين الذين حملوا السلاح إلى قناعة تامة بفداحة أخطائهم التي اقترفوها فعادوا وبأعداد كبيرة إلى حضن الوطن عبر مصالحات محلية وفرت الكثير من الدماء، وما أسموه بيئة حاضنة للإرهاب والإرهابيين تبين أنها حاضنة بالإكراه وهي قابلة للتحول السريع إلى بيئة نابذة بالضرورة بمجرد اقتراب رجال الجيش العربي السوري من الأماكن التي تسيطر عليها العصابات المسلحة وتذيق أهلها شتى أنواع الامتهان وتشويه معالم إنسانية الإنسان، وإذا أضفنا إلى كل ما تقدم افتضاح ارتباط هذا الإجرام والإرهاب بالفكر التكفيري الظلامي المسخر لخدمة الكيان الصهيوني ، وارتباط تلك العصابات بشكل مباشر بغرف العمليات التي تقودها الاستخبارات الأجنبية وفي مقدمتها الموساد تصبح الصورة أكثر جلاء ووضوحاً للجميع، وبخاصة بعد أن استطاعت الدولة السورية وبقية أقطاب محور المقاومة أن يفرضوا قواعد جديدة للاشتباك عنوانها الرئيس سقوط كل القواعد السابقة وترابط جبهات الحرب وتكاملها ليس فقط على الجغرافيا السورية، بل وعلى امتداد منطقة الشرق الأوسط وما بعد هذه المنطقة، وهذا يفسر التبدل في لهجة الخطاب الأمريكي بين يوم وآخر، كما يفسر محاولات ابتلاع الألسنة التي لطالما نفثت السموم والنيران وهي تحدد بالأسابيع والأشهر عمر الدولة السورية، فإذا بأسابيعهم تمتد لأكثر من أربع سنوات، وإذا بكل مقولاتهم تسقط تحت حذاء المقاتل العربي السوري وصبر شقيقه المدني والتفافهما معاً حول القيادة الاستراتيجية لسيد الوطن والثقة المتبادلة بينه وبين شعبه الذي ما هان ولا لان، ولا سمح لفزاعة الإرهاب أن تفت في عضده أو تنال من تصميمه على تجسيد انتمائه الوطني في أبهى صوره، وتقديم لوحة جديدة عنوانها تقديس الشهادة والشهداء والإصرار على مجابهة أمواج الإرهاب التكفيري بعزيمة أشد وأصلب مما أرغم مشغلي ذاك الإرهاب على الاعتراف بالحقيقة، فخطر الإرهاب الذي حذرت الدولة السورية منه ومن ويلات انتشاره أصبح يقض العواصم التي رعته وأمدته بكل أسباب الفجور والقدرة على ارتكاب الجرائم والمجازر، وإذا كان المجتمع الدولي حريصاً فعلاً على مكافحة الإرهاب فعليه احترام قراراته التي اتخذت بالإجماع في مجلس الأمن والتقيد بميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي بدلاً من الاحتكام إلى شريعة الغاب التي أرادوا تعميمها، وإلى أن يقتنع أصحاب الرؤوس الحامية بعقم الاستمرار بمشروعهم الساقط ليس أمام السوريين إلا التمسك أكثر فأكثر بانتمائهم الوطني وتعاضدهم للقضاء على ما تبقى من مجاميع إرهابية مسلحة، وفي الوقت نفسه زيادة اللحمة الوطنية وتفعيل المصالحات المحلية بالتزامن مع الإنجازات النوعية لرجال الجيش العربي السوري وقد أثبتوا بحق أنهم حماة الديار ومصدر الفخار وعرين الشجاعة والبطولة والتضحية والفداء.
|